لكل السوريين

تل أبيض الحدودية خدماتها غائبة.. ومياهها كلسية!

لا يمكن أن تزور مدينة تل أبيض الحدودية، التي تبعد عن مدينة الرّقة نحو100 كم باتجاه الشمال، إلا وأن تجرّك قدماك إلى موقع نبع عين العروس. النبع الذي نضب خلال الفترة الزمنية الماضية، وبالكاد صار له أكثر من عشرين ربيعاً ونيف غائباً عن الساحة، هاهو يعود اليوم لينعش الحياة الجافّة، وليحوّل الأراضي والبيوت القريبة منه الى شُعب من الخضار بعد أن انقطع عنه الماء وهجرته القطعان، وهذا ما يرسم، في الوقت الحاضر صورة مبهرة وجميلة لهذا الواقع الذي كان في الأمس القريب يُشكل صورة حسنة من الجمال والبهاء، ومظهراً لافتاً من مظاهره الرائعة.

هذه الصورة تغيّرت، كما هو حال مدينة تل أبيض التي ما زالت، وللأسف، الشديد تعيش في دوامة الأمنيات والأحلام!

ليس من باب التشاؤم، لا أبداً، وإنما هو الواقع الذي يُعرّي الحقيقة، ويظهرها كما هي لا زيف فيها.

وهناك الكثير، وللأسف، ممن ينظرون إلى واقع عملنا، على أننا دائماً ننظر إلى الجزئية الفارغة من الكأس، والجزء الآخر يبقى محط نظرنا، بمعنى أن النظرة السوداوية هي ما يغلب على ماهية عملنا، وهذا غير صحيح.

فمدينة تل أبيض، لم يتغير فيها شيء بعد بالرغم من انقضاء فترة زمنية طويلة على أول زيارة لها و ما زالت تعيش في فترة كمون، ومخاض عسير، وترهل مطبق!

الجديد الذي لحظناه، هو التوسع في الشارع الرئيسي الذي يتوسط المدينة، ويصل بدوره بمدينة الرّقة، وإنشاء دوار، وتحديث بعض دور الحكومة فيها.

ما يلفت، غياب النظافة عن أحيائها، بسبب ضعف الإمكانيات وقلّة عدد الآليات الخاصة بها، ونقص عمال الخدمة، وكذلك ما زال سكانها يرتوون مياهاً كلسية، وبقاء مشروع جرّ المياه الذي ينتظر استكماله بتأمين القطع الميكانيكية لتغذية المدينة من مياه الفرات، ما زال محط انتظار وتأخير ومنذ وقت بعيد.. ناهيك عن مشكلات الصرف الصحي المتعاقبة.

وتبقى الحاجة المهمّة، العمل على إحداث شعبة خدمات، لا سيما أنها تُوفر على مجلس المدينة الكثير، ناهيك عن أنها تحد من عواقب السفر والأرق، ونقص في الكادر الفني، وتضم المنطقة نحو 15 وحدة إدارية.

فالهموم والمطالب كثيرة، ويبقى المطلب الأساس هو الاهتمام بواقع المدينة باعتبارها حدودية، ناهيك عن رصد الاعتمادات، والإعانات الإضافية التي يمكن من خلالها النهوض بواقعها الخدمي، الذي يحتاجه أكثر من 25 ألف مواطن، سكان المدينة “المركز”حالياً، أما عدد سكان المنطقة بصورة عامة، فيصل إلى نحو 300 ألف نسمة.

فالضرورة تقتضي استكمال الطريق الدولي الذي يصل الرقّة ـ تل أبيض، ولحظه بصورة أفضل للحاجة الملحّة له، خاصةً بعد افتتاح البوابة الحدودية.

وفي مدينة تل أبيض يعد نبع “عين العروس” من أهم مصادر مياه الشرب النقية والعذبة، ومنه يتشكّل نهر “البليخ”، الذي طالما ألهب خيال الشعراء الذين شاءت الصدفة أن يمروا بجواره، متغنين بمياهه العذبة الرقراقة، وأشجاره الوارفة الظليلة، وسهوله الخضراء الواسعة، وعلى جانبي سرير النهر، قامت الحضارات واندثرت، وسكن الإنسان الأول واستوطن، وما زالت شواهد هذا الاستقرار باقية، ومتجلية في التلال الأثرية المنتشرة على ضفتي النهر، لتشهد على عظمة الإنسان الذي مر بهذه البقاع.

عين العروس تعتبر الحي الجنوبي لمدينة تل أبيض وهي عربية سورية تبعد 3 كم جنوب مركز مدينة تل أبيض و92 كم شمال مدينة الرقة و 200 كم شرق مدينة حلب و524 كم شمال العاصمة دمشق، وهي بالقرب من حدود الجمهورية التركية وينبع منها نهر البليخ. ويوجد قربها عدد من التلال والمواقع الأثرية، وفيها مقام النبي إبراهيم الخليل عليه السلام.

من مياه عين العروس يتشكّل نهر البليخ، الذي كان يتدفق بمياهه الثرّة ليروي أراضي المنطقة، ويعمّر سهولها، وعلى ضفاف النهر، وفي جوار النبع، كانت تنمو أشجار الصفصاف والسرو والتوت، وفي أفيائها كان المصطافون يقضون أجمل الأوقات، وأمتعها.

وقرب النبع وإلى الشرق منه قليلاً كان هناك نبع للمياه الكبريتية الساخنة، يُعرف بحمام “علي”، يقصده طالبو الاستشفاء من الأمراض الجلدية، وإلى جواره من جهة الجنوب ما تزال آثار الطاحونة القديمة التي كانت تعمل على الماء وقد انشأت عام 1908م شاهدة على وجودها، وفي المنطقة مقام للنبي “إبراهيم” عليه السلام،

وشكّلت هذه العوامل مجتمعة، فرادة موقع النبع، وميزة إضافية لقرية “عين العروس”، فقصدها المصطافون، وأصبحت موئلاً لطالبي الراحة والاستجمام من شتى المدن السورية.

وفي عام 1935 م أقامت الكاتبة البوليسية الإنجليزية أجاثا كريستي مع زوجها الأثاري السير مالون في ربوع عين العروس وينابيعها وغاباتها الجميلة وأوردتها في احدى روايتها ووصفتها في مذكراتها التي عنونتها وعبرت عن سرورها و سعادتها بهذا المكان الساحر.

تظل مدينة تل أبيض الحدودية بحاجة إلى مرافق خدمية مهمة. فهل يعود لها ألقها من جديد؟ أم أنها ستبقى في ذات الصورة التي شاهدناها، ومنذ سنوات خلت، لا جديد فيها، سوى تحسين بعض الأعمال البسيطة هنا، وخلل هناك!

عبد الكريم البليخ