حلب/ خالد الحسين
يشهد سوق العقارات في مدينة حلب حالة من الجمود وتوقّف لعمليات البيع والشراء، يرافقه ارتفاع في إيجارات المنازل عمّا كانت عليه قبل سقوط نظام الأسد. “الأسعار الوهمية” أحد أهمّ الأسباب التي رسّخت حالة الجمود، إذ تنتشر عبر وسائل التواصل الافتراضي إعلانات مصورة وفيديوهات ترويجية يستقي منها الباحثون وأصحاب المنازل معلوماتهم وتقديراتهم عن الأسعار.
هذه الإعلانات “غير حقيقية” وتنتشر في أكثر من وسيلة للعقار ذاته، وبأسعار مختلفة، يقول تجار عقارات تحدثنا معهم، خاصة وأن الحلبيين لا يعتمدون مثل هذه الوسائل لعمليات البيع والشراء في العقارات، وغالباً ما تكون الغاية ترويجية للصفحة ذاتها أو لأسباب تتعلق برفع أسعار العقارات، إذ تدخل في عقول الناس “أسعاراً ليست حقيقية سواء أغلى أو أرخص من ثمنها الحقيقي في الواقع”.
يضيف من قابلناهم ممن تحدّثوا عن ارتفاع في أسعار عقارات المدينة، سبباً آخر وراء هذا الارتفاع يكمن في سياسة العرض والطلب، إذ يطلب مالكو عقارات اليوم أسعاراً وصفوها بـ “غير المنطقية”، والتي لا تتناسب مع الأسعار الحالية ومتوسط دخل الفرد.
أما تجّار وسماسرة بيع تحدثنا معهم أرجعوا السبب لـ توقعات وآمال بـ “انفراج اقتصادي متوقع في سوريا بعد سقوط حكومة الأسد، وعودة مغتربين إلى المدينة مع افتراض زيادة الطلب على العقارات”، الأمر الذي ساهم فيما وصفوه بـ “مبالغة أصحاب المنازل بطلب أسعار غير منطقية ومخالفة للواقع ولتكلفة البناء الحالية”.
أجرت صحيفة السوري جولة في عدة أحياء من حلب للوقوف على متوسط أسعار العقارات فيها، كذلك رصد عمليات البيع والشراء في المدينة وأسباب توقفها. الارتفاع الأكبر لأسعار العقارات في المدينة كان على الأراضي المعدة للبناء على طرفي اوتوستراد غازي عينتاب، والممتد من دوار اللليرمون حتى مدينة إعزاز، بمسافة تصل إلى 40 كيلو متراً.
يحدّد سعر المتر المربع في هذه الطريق، بحسب قربه وبعده عن المدينة وعن الطريق الرئيس، إذ يصل إلى 500 دولار لكل متر مربع، ويتناقص كلما ابتعدنا عن المدينة.
يرجع تجّار عقارات في المنطقة السبب وراء هذا الارتفاع إلى “آمال بتحول هذا الطريق إلى ما يشبه الطريق الزراعي بين مدينتي سرمدا والدانا بريف إدلب، والذي تحول إلى طريق تجاري يضم عشرات المجمعات التجارية والمولات”، علماً أن سعر المتر المربع في هذه المناطق قبل سقوط حكومة الأسد لم يكن يتجاوز 20 دولاراً للمتر المربع الواحد.
الارتفاع الحقيقي بأسعار العقارات في مختلف أحياء مدينة حلب، قدّره تجار وسماسرة بيع بنحو 20%، إذ تختلف الأسعار، بحسب الحي وموقع العقار ومساحته. منطقتا الشهباء القديمة والجديدة، سجّلت أعلى ثمناً للعقارات، إذ تراوح سعر الشقة فيها بين 250 إلى 400 ألف دولار، ترافق ذلك بجمود في عمليات البيع والشراء، بحسب مكاتب عقارية زارتها الصحيفة.
أحياء الفيلات، مثل ضاحية الأسد، شهدت ارتفاعاً بالأسعار بنحو 25 %، إذ يتراوح سعر الفيلا بين 200 إلى 400 ألف دولار، يحدد ذلك “وضعها الفني ومدى حاجتها للترميم”، مع غياب لعمليات البيع والشراء، بسبب “ارتباط فراغاتها الحصرية بمديرية الإسكان العسكري، غير المتاحة حالياً”.
منطقة حول القلعة وأحياء حلب القديمة شهدت زيادة سعرية قدّرها دلالو عقارات في المنطقة، بنحو 50%، وفرّقوا بين العقارات التي وصفوها بـ الأثرية، والتي يمكن استثمارها سياحياً، والتي تراوح سعرها بين 100 إلى 300 ألف دولار، يحدّد ذلك إطلالة المكان على القلعة أو إحدى الساحات الرئيسة، ومساحته وإمكانية استثماره. وبين البيوت السكنية التي تراوحت أسعارها بين 40 إلى 60 ألف دولار، بحسب “مساحة المنزل وموقعه ونظافته”.
تختلف أسعار العقارات في حي صلاح الدين، وهي منطقة مخالفات، بحسب وجود سجّلات عقارية لهذه المنازل من جهة، وموقع المنزل ومكان الشقة في المبنى من جهة ثانية، إذ تتراوح أسعار المنازل في الطوابق العليا (الثالث وما فوق) بين 6 إلى 7 آلاف دولار، وتتراوح بين 15 إلى 25 ألف دولار في الطوابق السفلى التي يملك أصحابها سجلّات عقارية. ولم تسجل، بحسب تجار عقارات في المنطقة، زيادة على أسعار هذه المنازل، كما لا يوجد إقبال على حركة البيع والشراء فيها.
أحياء الحمدانية شهدت التفاوت الأكبر في أسعار منازلها، إذ يتراوح سعر المنزل بين 12 إلى 100 ألف دولار، يحدّد ذلك المكان، تضم الحمدانية عدة أحياء وتتوزع على رقعة واسعة، القرب والبعد عن الخدمات الرئيسة، البيوت المتهالكة والتي تحتاج إلى ترميم، الإطلالة، خاصة وأن هذه الأحياء، بحسب وصف دلالي عقارات فيها، قد تحوّلت إلى مبان متهالكة ومليئة بالمخالفات.
حلب الشرقية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار العقارات، قدّره “دلالون في المنطقة”، بأكثر من 50%، ويصل إلى 100% في بعض المنازل. يرجع من تحدثنا معهم ذلك، إلى أن هذه المناطق وبعد تهجير سكّانها لم تشهد عودة سكانية أو إعادة ترميم للبنى التحتية، وهو ما يفسّر رخص ثمنها خلال فترة حكومة الأسد، إذ يتراوح سعر المنزل الطابقي اليوم، غير الآيل للسقوط، في مساكن هنانو، بين 15 إلى 20 ألف دولار، النسبة ذاتها في حيي الحيدرية وطريق الباب، في حين تزيد أسعار المنازل غير الطابقية (الحوش العربي)، ويتراوح ثمنها بين 40 إلى 60 ألف دولار.
لا يرى أصحاب عقارات في الأسعار التي يطلبونها “شيئاً من المبالغة”، خاصة بمقارنة هذه الأسعار بالثمن الذي دفعوه عند شرائها، كذلك زيادة أسعار كل شيء في حلب، على حدّ وصفهم.
ويرى تجار عقارات ومواطنون في هذا الطرح، شيئاً من الخطأ، وسبباً للجمود، إذ لا يمكن مقارنة الأسعار بزمن الشراء، كذلك تحدثوا عن انخفاض سعر صرف الدولار الذي فقد أكثر من 30% من قيمته مقابل الليرة السورية، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إضافة لتوفر مواد البناء بنصف الأسعار التي كانت سابقاً، بعد توقف التجار عن دفع الإتاوات على مواد البناء للفرقة الرابعة والتي كانت تقدر بين 30 إلى 50 % من ثمنها.
ويضيفون سبباً آخر يتعلق بـ توقف معاملات إجراء الفراغات ونقل الملكية في السجل العقاري ومديرية المالية بمدينة حلب، ما يحجّم عمليات البيع والشراء لعدم إمكانية توثيقها رسمياً. وتقتصر أعمال السجل العقاري في حلب حالياً على نقل الملكية عبر أحكام المحاكم التي تصدر، دون إمكانية لتنفيذها، وإصدار بيانات القيد العقاري ووضع إشارات الدعاوى دون تثبيت البيوع ونقل الملكية.