لكل السوريين

إمتحان الحسكة

صالح مسلم

في 20 كانون الثاني تفاجأ أهالي الحسكة والعالم بمداهمة أكبر سجن يضم أشرس الإرهابيين مما دفع الجميع إلى البحث عن الحقيقة فيما يجري والأطراف المتورطة والنتائج المحتملة، كما صدرت البيانات والتوضيحات التي تكشف عن مواقف الأطراف المختلفة نحو هذا الحدث وتوقعاتهم، إلى أن أنقشع غبار المعارك وظهرت نتائجها ودوافعها والأطراف المتورطة فيها، ليرى الجميع حقيقة ما جرى ويراجع حساباته حسب نتائج ما حدث.

جميع المعطيات دلت على أن المخطط لم يكن عشوائياً وضعه بعض الأشخاص لإنقاذ رفاق دربهم من الجهاديين، وإنما تم وضع مخطط رهيب متكامل من جانب أطراف خبيرة تتوفر لديها المعلومات الكاملة عن المواقع والمنافذ وقوات الحماية وتموضعها، بحيث تمكنوا من رسم سبل الهروب والتحضير لتسليح من ينفذ من السجن أو إيصال من يلزم إلى المكان المطلوب لمواصلة جهاده. وهذا يتطلب خرائط جوية وحسابات دقيقة ومعلومات إستخبارية دقيقة لا تتوفر سوى لدى مؤسسات إستخبارية، كما أن المنفذون يحتاجون إلى تدريبات مكثفة لإساليب المواجهة وتوجيه القوى المنفذة وإستخدام الوسائل المتوفرة، وكل الأصابع والدلائل توجهت نحو الإستخبارات التركية ومناطق الاحتلال التركي التي جاء منها العدد الكبير من المنفذين.

أما المخطط فيبدأ بفتح ثغرة للنفاذ إلى ضمن السجن وإخراج الجهاديين وتزويدهم بالأسلحة التي أوصلوها إلى أماكن الثغرات، لينتشر من يخرج في المدينة للإستيلاء عليها، ثم الإنتشار وصولاً إلى جبل عبد العزيز غرباً لفتح الطريق إلى مناطق الاحتلال التركي في رأس العين، أما الإنتشار شرقاً فهو للوصول إلى مخيم الهول لضم الخلايا المتواجدة هناك، وعندها سيتوفر المجال أمام تدخل القوى الأخرى تركيا ومرتزقتها من الشمال، وقوى النظام وداعميه من الجنوب ليتم تقويض الإدارة الذاتية تماماً، حسب التوافق الذي حصل في آستانا، فبموجبه تم حصار الإدارة إقتصادياً، ثم تواصل بالقصف اليومي على جميع خطوط التماس لزعزعة الاستقرار وبث الرعب في نفوس الشعب، واستنفار كافة وسائل الحرب الخاصة من حرب نفسية ونشر الأكاذيب وتحريض مكونات الإدارة الذاتية على بعضها البعض.

يبدو أن تقويض الإدارة الذاتية بهذه الوسيلة كان يخدم أهداف جميع الأطراف، ولهذا كانت تصريحاتها وبياناتها متوافقة أو متوازية، حسبما تكررت في وسائل إعلامها المتفرقة، فالكل أجمعوا على أن داعش يحاول إنقاذ جهادييه دون أن يتطرقوا للنتائج أو ماذا سيحدث بعد إطلاق خمسة آلاف مقاتل شرس من الجهاديين، وأظهروا أن قوات سوريا الديموقراطية تخرق حقوق المدنيين والسجناء على حد سواء وتقوم بإجراء التغيير الديموغرافي وتظلم العرب وتحاول إنقاذ الكرد من الرهائن. أي أنها حاولت بث الفتنة بشتى أشكال الكذب والتحريف.

التدخل السريع من جانب قوات سوريا الديموقراطية أدى إلى حجز المهاجمين والهاربين من السجن ضمن خطوط الدفاع التي شكلتها القوات وحصلت الإشتباكات إلى أن تم القضاء على جميع الذي تسلحوا من خارج السجن ومن داخله. والنتيجة كانت مؤلمة حقاً حيث استشهد أكثر من مائة وعشرين شخصاً من العاملين في السجن أو المدافعين عنه، بالإضافة إلى المئات من الجهاديين.

نعم إن خطة تقويض الإدارة الذاتية فشلت، وهذا أول فشل لداعش على صعيد ما تسميها بفك الأسرى، فهي أي داعش استخدمت هذا الأسلوب مرات عديدة في سجن أبوغريب وفي سجن التاجي ومناطق أخرى كثيرة ونجحت في جميعها، وهذا كان الفشل الأول في سلسلة عمليات الإفراج عن المسجونين. ولكن الذين رسموا هذه الخطة كان لديهم الخطة الثانية المكملة للأولى وهي الهجوم عبر خطوط التماس فكانوا قد حشدوا جنودهم ومرتزقتهم في كل خطوط التماس من شرق رأس العين وصولاً إلى غرب كوباني، مثلما كانوا قد استعدوا بقواتهم الجوية أيضاً حيث أن مسيراتهم حامت على تلك المناطق على مدى أربع وعشرين ساعة. كما أن وزير الحرب التركي وصل إلى الحدود السورية الموازية للحسكة بانتظار ما ستؤول إليه الأمور، مثلما فعل أردوغان عند غزو داعش لكوباني للتبشير بسقوطها. وعندما فشلت الخطة الأولى لم تتماسك حكومة تركيا فقامت بقصف جميع المناطق الكردية من عفرين وكوباني وديريك وصولاً إلى شنكال ومخيم الشهيد رستم جودي براً وجواً.

إن ما حدث في الحسكة دفع بجميع الأطراف المهتمة بداعش إلى إعادة النظر في سياساتها وممارساتها السابقة، فالإدارة الذاتية ومؤسساتها الدفاعية مرغمة على إعادة النظر في ظروف السجن وكيفية التعامل مع المسجونين والتوقف على نقاط الضعف التي برزت على شكل خرق الأمن وضعف الإستخبارات. وكذلك على التحالف الدولي الذي يعتبر المسؤول عن المعتقلين أن يعيد النظر في سياساته نحو السجون وتقديم ما يلزم من سجون منيعة وتدابير أمنية تحول دون الخرق من الخارج أو التمرد من الداخل. والأهم هو أن تكف الأطراف الداعمة للإرهاب عن دعمه في سبيل إستخدامه لتحقيق أهداف سياسية غير شريفة. وخاصة الدولة التركية التي تم قتل إثنين من خلفاء داعش في أحضانها.