لكل السوريين

جمعية العاديات.. مئة عام في عمق التاريخ، فماذا حققت؟

حلب/ خالد الحسين 

خلال تاريخها الطويل، تعرضت مدينة حلب السورية للكثير من المخاطر والمصاعب، كانت إحداها في عشرينات القرن الماضي عندما احتلها الفرنسيون وسرقوا من قلعتها بعض الآثار، فانتفض الناس وأنشأوا “جمعية العاديات” التي تهدف لحماية الآثار السورية والتراث السوري.

وللحديث عن “جمعية العاديات” كان لا بد لـ”السوري” من مقابلة أحد القائمين عليها ‘يونس الحسين ‘ وهو اسم مستعار لأحد الأدباء والباحثين القائمين على إدارة الجمعية.

ويقول الحسين عن الجمعية “في الثاني من أغسطس عام 2024 ستحتفل الجمعية بمئويتها الأولى، والعاديات تعني الأشياء الموغلة في القدم، وكأنها من أيام عاد، ومازالت الكلمة تستخدم في بعض البلدان العربية بمعنى التحف أو الآثار القديمة، وكذلك تسمى كلية الآثار عند البعض بالعاديات كما الجامعة الأميركية واليسوعية في لبنان”.

ولنشأة الجمعية في العام 1924، أسباب يرويها الحسين “سنتها قام الحاكم العسكري الفرنسي لحلب بسرقة المحراب من الجامع الصغير في قلعة حلب، وهو يعود للمرحلة الزنكية، وهو آية في الجمال وبدعة تراثية، فتداعى أهل المدينة لتأسيس جمعية تعنى بالحفاظ على آثارها، وكان الأساسيان فيها هما الشيخ كامل الغزي والأب المسيحي جبرائيل رباط، اللذان شكلا مع مجموعة من الناس جمعية أصدقاء القلعة”.

وفي العام 1926، يقول الباحث السوري “أنشأ متحف حلب، فتغير الاسم إلى جمعية أصدقاء القلعة والمتحف، فشعروا جميعا أن الاسم بات طويلا، فاختاروا أن يكون الاسم جمعية العاديات الذي أطلق عليها منذ العام 1930 ولا يزال حتى الآن”.

“جمعية العاديات” من التجمعات الأهلية القليلة التي صمدت وقاومت الإهمال الذي أصاب غيرها، والسبب كما يقول الباحث يونس الحسين يعود إلى ثلاثة عناصر، “أولها، لأنها أوجدت في نظامها الداخلي بندا يقول إن الجمعية لا تتدخل في الشأن السياسي ولا الديني، وثانيها أنها تقوم على الديمقراطية التامة، بحيث يجتمع منتسبوها ليختاروا أعضاء مجلس إدارتها الذين يتولون مهامهم لعامين متتاليين”.

ويتابع الحسين “عدد أعضاء الجمعية خمسة آلاف شخص، منهم في حلب المركز ألفان وفي باقي المحافظات والمناطق ثلاثة آلاف”، أما ثالث المبادئ الذي سمح ببقاء الجمعية كما يرى المؤرخ السوري، فهو كونها عملا طوعيا، بمعنى أن الذي سيأتي ليعمل بها لن ينال أي مقابل مادي، بل ستكلفه جهدا ووقتا وربما بعض المال، لذلك لم يأت إليها المنتفعون.

والعاديات تعني الأشياء الموغلة في القدم، وهو ما نسعى للحفاظ عليه

وتقوم الجمعية بنشاطات عديدة، عنها يبيّن الحسين “نقدم محاضرات أسبوعية متخصصة في التراث والثقافة والتراث اللامادي وكذلك في المدن والتقاليد وغيرها.. والزائر يأتي وهو لا يعرف من هو المحاضر وما هو عنوان المحاضرة، لكنه يعي تماما أن محاضرة جادة سيحضرها، ويبلغ عدد الحاضرين كل أسبوع بين مئة ومئة وخمسين شخصا”.

ولا تكتفي الجمعية بالمحاضرات، بل تقوم بجهد كبير في النشر الثقافي، عن ذلك يقول يونس الحسين “نصدر مجلة فصلية، بدأت منذ العام 1930، ومع توقف نشاط الجمعية من عام 1940 وحتى 1950 بسبب الحرب العالمية الثانية، توقفت المجلة كذلك”.

وفي العام 1950 جاء الرئيس الرابع للجمعية عبدالرحمن كيالي، وكان هو نفسه زعيم الكتلة الوطنية وعضوا في الحزب الوطني ووزيرا لأكثر من مرة ونائبا عن حلب في المجلس النيابي باستمرار، فعادت الجمعية على يديه إلى العمل حتى قيام الوحدة السورية المصرية في العام 1958، عندها حلت كل الجمعيات والأحزاب، وطُلب من الذي يريد الاستمرار تقديم طلب جديد بذلك، وتقدم الكيالي رئيس الجمعية بطلب جديد، ونالت الجمعية تأسيسا جديدا عام 1959 بنفس الاسم والنظام الداخلي، فكان رئيسها الجديد عبدالرحمن كيالي ونائبه خيرالدين الأسدي، صاحب كتاب “موسوعة حلب المقارنة”.

تقع “جمعية العاديات” في قلب شارع معاوية، القريب من أهم ساحات المدينة (سعدالله الجابري) في مبنى غني بالجمال والتاريخ، أنشأ في العام 1890، وهو مؤلف من ثلاثة طوابق في كل منها صالون يتسع لحوالي 150 شخصا، كما أن فيه باحة محيطة للأنشطة الصيفية، كان في الأساس سكنا لكبار حاشية الوالي العثماني الذي كان يقيم في قصر مجاور، ثم اشترته عائلة يهودية، إلى أن آل إلى الحكومة السورية، فتعاقبت عليه العديد من الدوائر الرسمية، قبل أن يذهب جزئيا فكليا إلى الجمعية.

وعن نشاط الجمعية في الجانب الأثري، يقول الحسين “نقوم كل أسبوعين بزيارة أثرية لمدينة حلب، كما لدينا رحلات أثرية داخل سوريا، في حوران والسويداء والساحل وأفاميا وأوغاريت وكل المناطق، كذلك نقوم برحلات دولية في السياحة الأثرية، والجمعية معروفة ومحترمة في متاحف العالم، فأعضاؤها يدخلون متاحف العالم دون مقابل، وكنا نزور بعض دول الجوار كما لو أنها رحلات داخلية مثل الأردن وتركيا ومصر وغيرها.. كذلك نهتم بالتراث الحلبي الموسيقي والغنائي، وله عندنا وضع خاص”.

والانتساب للجمعية يتجه نحو النخبة المثقفة، لذلك فإن شرط حيازة شهادة جامعية أساسي لكل مُنتسب، ويستثنى من ذلك فنان شهير في التشكيل أو الموسيقى أو غيرهما، وهي حالات نادرة، كما يؤكد الحسين “أبوابنا مفتوحة لمن يريد إلقاء محاضرة في المواضيع التي نطرحها، من جامعة حلب لدينا أكثر من ثلاثمئة محاضر خاصة في كليات الآداب والتاريخ والآثار”.

ومن المشاهير المنتسبة للجمعية كلا من وليد إخلاصي الأديب السوري المعروف، ومحمد أبومعتوق، كما أن لها فروعا في مراكز المحافظات والمناطق الثقافية، وآخر فرع لها افتتح منذ أشهر في صافيتا، وتصدر الجمعية مع جامعة حلب كتابا سنويا بعنوان “عاديات حلب” يتضمن نتائج التنقيبات الأثرية التي حدثت في كل سوريا خلال عام وبأكثر من لغة عالمية.

وعن اختيار حلب في العام 2006 لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية، يقول يونس “قدمنا حينها الكتاب الذهبي الذي ضم كل النشاطات، واستقبلنا خلال عام أكثر من ألف باحث، وبها أثبتنا للعالم أن مدينة حلب هي نموذج للمدينة الإسلامية التي قدمت تنوعا بشريا وعرقيا وثقافيا هاما، كان هذا النشاط الكبير ضد مفهوم الإسلاموفوبيا الذي ظهر في تلك الفترة ومازال يتعاظم”.

كما ينتصر الباحث يونس الحسين للعمارة الإسلامية التي تميز حلب، بقوله “تتميز حلب عن القاهرة وإسطنبول، فالأخيرة لون عثماني بحت، والقاهرة فاطمي غالبا، بينما حلب منذ 16 للهجرة وحتى الآن تحتضن كل العصور العربية التي مرت بها، إضافة لدورها الاقتصادي الذي لعبته خلال الألف سنة الماضية”.