لكل السوريين

نوروز

يحتفل الشعب الكردي بيوم نوروز كل عام في الحادي والعشرين من آذار، فلماذا هذا الإحتفال وما هي مناسبته ؟ يعود تاريخ نوروز إلى عام 612 قبل الميلاد عندما انتصر الميديون على الإمبراطور الآشوري. وتقول الأسطورة أن الإمبراطور كان ظالماً وبه مرض عضال أوصاه الأطباء بانتزاع مخ شابين كل يوم لعلاج ورمه، بينما كاوا الحداد كان يذبح أحدهما ويرسل الآخر إلى الجبال، إلى أن تكاثر الجمع في الجبال، وتواعدوا مع كاوا على قتل ضحاك وهذا ما فعلوه، وكانت الإشارة بينهم إشعال النار لإعلام الآخرين بالإنتصار، فأصبح نوروز عيداً للحرية وإشعال النار شعلة الحرية ومن يومها باتت الشعوب الآرية (الميديون) يشعلون النار ويحتفلون بنورز عيداً للتخلص من الإستبداد والظلم، وجعله الكرد يوم بداية التقويم الكردي. وفي يومنا أصبح عيداً إجتماعياً، وبعضهم إعتبره عيد الربيع، بدون أي معنى أو دلالة على المقاومة والحرية لدى الكثير من الشعوب في الشرق الأوسط مثل الفرس والأفغان والهند وباكستان، أما لدى الشعب الكردي فلا زال يوم نوروز عيداً للحرية ومقاومة الإستبداد.

الشعب الكردي أيضاً ظل يحتفل بهذا العيد ولكن نظراً للضغوط التي مورست عليه كان الإحتفال يقتصر على الطبقات الواعية بمعاني ذلك اليوم والشعب على نطاق ضيق في المناطق الآمنة، فقد كان لكل زمان ضحاكه وكاواه، إلى أن ظهر كاوا المعاصر “مظلوم” ليجعل من بدنه شعلة لنوروز وينادي بالحرية في سجن آمد عام 1982 وتجاوب مع ندائه كافة الكرد في كافة أنحاء كردستان ليجعلوا من يوم نوروز تمرداً جماهيرياً في وجه الظلم والإستبداد لتتحول الميادين والساحات إلى تجمعات تضم عشرات الآلاف ومئات الآلاف من المحتفلين في ذلك اليوم لينادوا بالحرية وينددوا بالإستغلال والإستبداد من خلال شعاراتهم وأناشيدهم الوطنية وفولكلورهم الشعبي، ليصبح نوروز وسيلة لبث وتجديد روح المقاومة والحرية في الجماهير كل عام.

أعداء الحرية والديموقراطية لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل مارسوا كل أشكال القمع وحتى القتل بحق الناشطين والمحتفلين بهذه المناسبة، وفي كل إحتفال بالمناسبة يستشهد فيها الشباب تزداد الجماهير حماساً وتمسكاً بمعاني نوروز، وسقط المئات من أبناء الشعب الكردي شهداء في هذه المناسبة والكثيرون أضرموا النيران في أبدانهم إقتداءاً بكاوا المعاصر مظلوم. والشعب الكردي في سوريا لم يكن إستثناء، فقد احتفل بهذه المناسبة بشكل جماهيري وفي الميادين منذ بدايات الثمانينيات، إلا أن النظام البعثي كان بالمرصاد يمنع الشعب عن الإنضمام إلى إحتفالات نوروز بشتى الوسائل، وصولاً إلى عام 1986 عندما منعت قوات الأمن الإحتفال بنوروز في دمشق، وعندها سار الشعب نحو القصر الجمهوري وقام حراس القصر بإطلاق الرصاص على الشعب واستشهد شاب أمام القصر، مما اضطرت الرئاسة إلى إصدار مرسوم جمهوري بجعل يوم نوروز 21 آذار عطلة رسمية باسم “عيد الأم” ومنذ ذلك خفت قبضة السلطة بعض الشيء ولكن رغم ذلك كانت الأجهزة القمعية تحاول بشتى الوسائل منع الإحتفال بالمناسبة، ومن تلك الممارسات قتل ثلاث “محمدون” في قامشلو عشية نوروز 2008 وقتل شاب آخر وجرح العشرات وإعتقال المئات عام 2010 في الرقة. ورغم كل تلك الممارسات لم يتخل الشعب الكردي عن نوروزه، بل إزداد إصراراً وتصميماً على الإحتفال بهذا اليوم وبالشكل الذي يليق بمعانيه السامية إلى يومنا الراهن.

في يومنا الراهن أصبح نوروز يوم المقاومة من أجل الحرية والديموقراطية ليس للشعب الكردي فقط، وإنما جميع شعوب الشرق الأوسط. أما بالنسبة للكرد فأصبح يمثل يوماً وطنياً يحتفل به في الأجزاء الأربعة من كردستان وحيثما يتواجد الكرد قي المهجر، وليس ليوم واحد وإنما على مدى أسابيع في الساحات والميادين وفي الصالات المغلقة حسب الظروف ولكن الأسبوع الذي يضم يوم نوروز يجعل من الكرد وأعداء الكرد مستنفرين دائماً. أما أكبر الإحتفالات فهي التي تقام في آمد (دياربكر) حيث يتجاوز عدد المنضمين مليون شخص، أما في المهجر فهي التي تقام مركزياً في ألمانيا وتضم عشرات الآلاف كل عام. وفي السنوات الأخيرة قبلت منظمة اليونيسكو بيوم نوروز يوماً تراثياً تحتفل به شعوب الشرق الأوسط، مما منح هذا اليوم بعداً عالمياً.

وفي هذه الأيام التي تمر علينا مناسبة نوروز 2022 نهنئ شعوب شمال وشرق سوريا والشعب الكردي بمناسبة يوم نوروز ونتمنى أن تحقق شعوبنا السلام والإستقرار في العيش المشترك، ويعم السلام والرفاه كافة التراب السوري.

وكل نوروز وشعوبنا بألف خير.