لكل السوريين

عن لعنة المال!

يقال أنَّ المال “عصب الحياة”، وإنَّ “المصاري زبالة الدنيا”.. والكل يعلم أنّ المال يعتبر من مسرّات الحياة التي لا يمكن الغنى عنه. فالمال له مبرراته في إطالة الأعمار. فعندما يصاب الغني بمرض عضال، أو غير ذلك كمرض قلبي، أو قصور كلوي، بإمكانه التغلب على مرضه بالذهاب إلى أفضل المستشفيات بالكشف عن المرض ومعالجته بالخضوع إلى أفضل فريق طبي قائم بالمشفى التي يختار، بتلافي المرض الذي يعاني منه سواء مرض قلبي أو قصور كلوي. وهو بإمكاناته المالية يمكنه زراعة قلب أو كلية، في الوقت الذي نجد فيه أنَّ الفقير “المعتر” غير قادر على ذلك، وهذا ما يعني أنه سيختصر كل ذلك بوداع الدنيا والالتحاق بالآخرة، وهي أقصر الطرق، لأنه لا يملك المال!.

فالشخص الذي يملك المال، بالتأكيد، لديه القدرة على تجاوز كل صعاب الحياة، بل أنّه يذلل كل ما هو صعب ومستحيل، والتمتع فوق ذلك بمأكله ومشربه، والسفر إلى أرجاء العالم، إلى المكان والوجهة التي يرغب، كل ذلك بسبب توافر المال الذي يمكّنه من شراء أي شيء، والوصول إليه بيسر وسهولة.

وقد كنت تواصلت مع أحد الأصدقاء البسطاء قبل أيام، وهو إنسان مريض ومحتاج ويبحث عن دواء له في احدى الصيدليات. دواء مضطر إليه، وأكد لي أنه وبالبحث والركض من صيدلية إلى أخرى لم يستطع العثور عليه، فما كان من ذلك الرجل إلى أن أصر على الامتناع عن البحث عن الدواء، ففضل شراء طبق بيض، وربع كيلو غرام من لحم الضأن، وقرص من الجبنة البلدي حتى يسد به رمقه وحاجته، بعد أن عاش أيام ولا أصعب وهو يراجع صيدليات المدينة وبدون توقف، ما اضطره الواقع الأليم أخيراً إلى الاقلاع عن الدواء وتعريض نفسه للموت، وهو أقصر الحلول بصبر اعتاد عليه في الحياة الدنيا.

وعلى ذكر المال، وطمع الدنيا، فما هو مبرر السيد بوتين، القيصر الروسي، بغزو أوكرانيا البلد الآمن المسالم وشعبها الطيّب، هكذا وبدون واعز من ضمير، وبوضح النهار اعتدى عليها ودمّر وخرب.

الحرب اللعينة القائمة حالياً في أوكرانيا اعتبرها العالم أجمع على أنها غزو مدمّر ستسبب في مجاعة بالتأكيد، وستؤثر بالتالي على العالم ككل بارتفاع أسعار الغاز والنفط الذي وصل إلى أسعار مرعبة!.

ما الهدف من كل هذه الممارسات المبيّتة التي لجأ إليها الرئيس الروسي الذي “داس” وعطل على كل الوساطات التي يمكن الوصول من خلالها إلى حل يرضي الطرفين بدلاً من اشعال فتيل الحرب التي لا ترحم، وانفرد بالقرار بغزو أوكرانيا ومدنها، وعن سابق اصرار، وتسبب في تدمير البنى التحتية وتشريد وتهجير أهلها، كما فعل في سوريا، متخذاً من أسلحة الدمار الشامل، القوة التي يمتلكها، بعبعاً يُهدد بها العالم!.

وما الفائدة من جمع آلاف المليارات من الدولارات في ظل معاناة الناس الفقراء الذين لا يملكون ثمن رغيف الخبز؟. وما الحاجة إلى اكتناز كل هذه الأرقام من المليارات من الدولارات مادام أنَّ الإنسان نهايته محتومة، ويتربص لأخيه الإنسان من أجل النيل منه، وسيخلد أخيراً إلى مساحة مترين من الأرض تتسع لجيفته النتنة؟.

وفي هذا المقام لا يمكن أن ننسى مؤسس أمازون الذي يعد من أغنى رجال العالم بصافي ثروة بلغت 177 مليار دولار، وصاحب شركة تسلا للسيارت الأميركية بـ 151 مليار دولار، ومؤسس شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مارك زوكر بيرغ التي وصلت ثروته إلى 97 مليار دولار، وبوتين القيصر الروسي الذي كما قيل أنه ثروته تصل إلى 200 مليار دولار، ولا زال يبحث عن زيادة بالتعدي على دولة جارة مسالمة واختزان الذهب والفضة!.

نقولها أخيراً.. عليكم بالصبر أيها الفقراء، فقد سبقكم الأغنياء إلى حجز مقعد لهم بالجنة، إذا لم تخنهم أموالهم وتدعوهم للترحيب بهم، إلّا أن ذلك مستبعد بالتأكيد في ظل إله عادل، وإن قال في كتابه العزيز “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”، فهذا لا يعني بالمطلق أنّ الأغنياء سيفوزون بالجنة لمجرد امتلاكهم للمال. لا أبداً، فستلاحقهم اللعنة أينما حلوا وكيف ما كانوا!

 

عبد الكريم البليخ