لكل السوريين

درعا.. اشتباكات ومداهمات، ويستمر الصراع الدولي بواسطة وكلاء محليين

تتصدر الأحداث المتسارعة في محافظة واجهة المشهد الميداني في الجنوب السوري، وسط تطورات متلاحقة من أبرزها مداهمات القوات الحكومية في محيط درعا البلد، ومحاولة اقتحامها للمرة الأولى منذ أن تم “اتفاق التسوية” مع فصائل المعارضة برعاية روسية عام 2018، وهو ما تسبب بحالة الغليان في معظم قرى وبلدات ريف درعا الشرقي والغربي.

ومنذ سيطرة حكومة دمشق عليها نتيجة لهذا الاتفاق شهدت محافظة درعا حالة من الاحتقان والغليان بسبب عدم تنفيذ السلطات التزاماتها بإطلاق سراح المعتقلين، واستمرار عمليات الاغتيال والتصفيات المتبادلة، والاحتجاجات المستمرة على تجاوزات السلطات العسكرية والأمنية والحواجز التابعة لها.

ويرى المتابعون أن المحافظة باتت مثالاً صارخاً على التنافس بين روسيا وإيران في الجنوب السوري، من خلال الاعتماد على عناصر ومجموعات محلية مدعومة منهما، وهذا ما أغرقها بالفوضى الأمنية، وساهم بانتشار عمليات الاغتيالات المتبادلة في كافة أنحاء المحافظة.

وكانت المحافظة قد شكّلت، بعد سيطرة دمشق عليها، “لجان مركزية” في الريف الغربي، والريف الشرقي، ودرعا البلد. وحددت مهمتها بالتفاوض مع روسيا ودمشق، لتنفيذ بنود اتفاق التسوية، ومتابعة أوضاع المنشقين والفارين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية.

وبعد أن جرت مؤخراً، محاولة لاستبدال هذه اللجان بلجنة موحدة تمثل كافة مناطق محافظة درعا، تصاعدت الأحداث الأمنية فيها.

وبدا الصراع بين روسيا وإيران أكثر وضوحاً، من خلال الاشتباكات بين القوى المحلية الموالية لكل طرف، والمدعومة من قبله.

حملة على درعا

قامت “قوات الغيث” التابعة للفرقة الرابعة، مصحوبة بفصائل محلية تابعة للأمن العسكري، وأخرى تابعة لحزب الله، بتمشيط أحياء الشياح والنخلة وهي مناطق زراعية محيطة بمدينة درعا، وقريبة من الحدود الأردنية.

وحاولت التقدم باتجاه حي طريق السد بدرعا البلد بذريعة البحث عن مطلوبين، فتصدت لها عناصر مسلحة محلية، واشتبكت معها ومنعتها من دخول درعا، فقامت القوات بقصفها بقذائف الهاون.

وأصدرت اللجنة المركزية في درعا بياناً حذرت فيه من هذه الحملة العسكرية، وقررت وقف اللقاءات والتواصل مع الفرقة، وتحميلها مسؤولية أي أرواح تزهق وأي أملاك تتلف، وطالب البيان القوات الروسية في الجنوب بالتدخل لوقف هذا التصعيد الذي جاء بعد أسبوع من اجتماع ضم ممثلين عن اللجان المركزية في درعا مع وفد روسي في مبنى قيادة الأركان بالعاصمة دمشق، وبحث الأوضاع الأمنية في المحافظة.

وأشار مصدر عسكري في اللجنة إلى أن الحملة بدأت دون تنسيق مع أي طرف من اللجان في المنطقة، وحذّر من تمركز قوات الفرقة الرابعة حول المدينة، وتضييق الخناق عليها.

كما طالبت اللجنة المركزية في بيانها أهالي المحافظة بالخروج في مظاهرات للتنديد بهذا العمل الذي “يرهب الأهالي ويقطع مصدر رزقهم”.

أكبر من تمشيط

ذكرت مصادر من أبناء المنطقة أن الفرقة الرابعة حاولت اقتحام درعا البلد لإخضاعها وفرض تسوية جديدة عليها، وشرعنة السلاح المتواجد بين أيدي المنشقين عن القوات الحكومية بضمهم لأحد تشكيلات الجيش المتواجدة في المنطقة، وإجراء التسويات لمن تبقى منهم في درعا البلد.

وأشارت المصادر المحلية إلى أن القوات الحكومية تخطط للتخلص من عناصر فصائل المعارضة الذين أجروا تسويات في وقت سابق، ومن أجل ذلك أطلقت حملتها العسكرية بحجة القضاء على تنظيم داعش في المنطقة، وهي ادعاءات لا أساس لها من الصحة.

وأكدت المصادر أن الفرقة الرابعة استقدمت مقاتلين من أبناء ريفي دمشق الشرقي والغربي الذين أجروا تسويات أيضا، وجهزت ما يقارب 400 شاب منهم، وزجت بهم في مواجهة الفصائل المسلحة العاملة في درعا، وتركتهم لمصيرهم في مواجهة مباشرة مع هذه الفصائل.

وحول الهدف من تحرك الفرقة الرابعة، والقوى التابعة لها في المنطقة، أكدت المصادر أنه “أكبر من تمشيط درعا البلد ومحيطها”، فهي ترمي إلى تعزيز تواجدها في المنطقة الشرقية، كما في المنطقة الغربية، بما يمكنها من السيطرة عليها بشكل كامل، وإنعاش عمليات التهريب باتجاه الأردن.

إضافة إلى توسيع وتعزيز النفوذ الإيراني، وحزب الله اللبناني، والجماعات المؤيدة له في المنطقة، حيث تسعى إيران، منذ عدة أشهر من خلال الميليشيات الموالية لها لتوسيع رقعة نفوذها، والتمدد في الجنوب السوري، حسب المصادر في المنطقة.

ردود على اقتحام درعا البلد

فور ورود أنباء محاولة اقتحام درعا، أعلن أبناء معظم البلدات والقرى تضامنهم معها، وشهدت الكثير من المناطق في المحافظة حالة من التوتر الشديد، وانتشرت فصائل محلية في العديد من القرى والبلدات في محيط مدينة طفس، وعلى الطريق الواصل بينها وبين مدينة داعل، وفي محيط بلدة اليادودة والمزيريب، وقامت مجموعات من فصائل “التسوية والمصالحة” بقطع الطرقات الرئيسة في مدن وبلدات وقرى اليادودة والمزيريب وتل شهاب، بريف درعا الغربي، وسيطرت مجموعة من مسلحي المعارضة السابقين على حاجز مساكن جلين وأخذت عناصره كرهائن إلى حين وقف العملية على درعا البلد، وفق ما تحدث عنه ناشطون من المنطقة.

وهاجم مقاتلون من بعض هذه الفصائل حاجزاً للمخابرات الجوية بلدة الكرك، وأسروا الجنود الموجودين فيه واغتنموا أسلحتهم.

كما أعلنت مجموعات مسلحة من المناطق استعدادها لنصرة درعا البلد، وفتح أكثر من جبهة في وجه قوات النظام بهدف تشتيتها.

حصار الكرك

بعد وصول تعزيزات عسكرية ضخمة إلى محيطها، تم حصار بلدة الكرك تمهيداً لاقتحامها، ما دفع قطاعات من الفيلق الخامس لدخولها وإجبار اللجنة الأمنية على القبول بالتفاوض وحل الأزمة التي هددت باندلاع معارك في كافة بلدات ريف درعا الشرقي.

وفي اللحظة الأخيرة نجح وجهاء محليون في الريف الشرقي، من تحييد بلدة الكرك عن حملة عسكرية وشيكة كانت تتحضر الفرقة الرابعة لتنفيذها، بحجة تعرض حاجز للمخابرات الجوية لاستهداف سابق.

وتم عقد اجتماع بين وجهاء من بلدة الكرك ووفد من الفيلق الخامس، وأعضاء من اللجنة الأمنية في درعا، جرى الاتفاق خلاله على وقف عملية الاقتحام والاكتفاء بإجراء عمليات بحث وتفتيش عن المطلوبين من أبناء الكرك تقول القوات الحكومية إنهم متورطون بعمليات استهداف ضد قطاعاتها العسكرية.

ونفذت عملية التفتيش قوة مشتركة من الفرقة الرابعة، واللواء الثامن التابع للفيلق الخامس بحضور وفد روسي، دون أن تسفر عن اعتقالات، حسب موقع “تجمع أحرار جوران”.

توحيد اللجان

في الخامس من الشهر الجاري عقد ممثلون عن “اللجان المركزية” في درعا اجتماعاً تشاورياً وصف بالاجتماع “التحضيري”، لاستبدال هذه اللجان بلجنة موحدة تمثل كافة مناطق المحافظة، ووضع النقاط الأساسية لتوحيد هذه اللجان، والتحضير لاجتماع آخر يعلن خلاله قرار التوحيد.

وأشار مصدر مطلع في المنطقة إلى أن اللجان المركزية في محافظة درعا اتفقت على توحيد الجهود لتشكيل جسم موحد يتحدث باسم المعارضة في المحافظة.

ولفت المصدر إلى أن أبرز النقاط التي اتفق عليها الجميع خلال الاجتماع هو ترك باب الانضمام إلى التشكيل الجديد مفتوحاً أمام كل مكونات المجتمع.

ومحاولة تشكيل لجنة واحدة المحافظة، تتناغم مع دعوة “الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا إلى تشكيل جيش واحد لمنطقة درعا، التي أطلقها أحمد العودة، في 23 من حزيران الماضي، خلال الكلمة التي ألقاها أثناء تأبين قتلى التفجير الذي تعرضت له حافلة مبيت تابعة للفيلق، وقال فيها “قريباً ستكون حوران جسداً واحداً وجيشاً واحداً”.

وسبق أن جرت أكثر من محاولة لتوحيد اللجان المركزية في المحافظة، لكن “رفض بعض أعضاء اللجان المركزية بناء تحالفات مخترقة من قبل روسيا، ووضع القرار السياسي في درعا بيد أحمد العودة” أعاق تشكيلها، حسب تصريحات أحد أعضاء لجنة درعا البلد.

عمليات تجميل

ينافس “اللواء الثامن” التابع للفيلق الخامس، القوات العسكرية والأمنية التابعة للقوات الحكومية من ناحية النفوذ والسيطرة، وتتعرض عناصره وقياداته لعمليات اغتيال، من أبرزها استهداف حافلة المبيت، في حزيران الماضي، واستهداف موكب “اللجنة المركزية” في ريف درعا الغربي، أُصيب على إثره أحد قادة اللواء في أيار الماضي.

وينظر اللواء بعين الشك والريبة باتجاه الجهات التي تقف وراء هذه الاغتيالات.

ويسعى إلى تحسين صورته أمام الأهالي، والظهور بمظهر المدافع عنهم، والوقوف بوجه تجاوزات القوات والحواجز العسكرية النابعة للنظام.

وذكر الأهالي في الريف الشرقي من درعا أن قوات من اللواء توجهت من مدينة بصرى الشام إلى درعا، بهدف وضع حد للتجاوزات، ومنع الجيش من اقتحام درعا البلد، حسب مصادر مقربة من قيادة اللواء.

وساهم اللواء في اجتماع ضم وجهاء الكرك، مع اللجنة الأمنية حيث توصل المجتمعون إلى اتفاق نص على السماح لقوات النظام بتفتيش بعض المنازل في أحياء البلدة، وإعادة عناصر حاجز المخابرات الجوية الذين تم احتجازهم. وشارك بحملة التفتيش، وأنهت مشاركته حالة التوتر التي سادت في المنطقة.

ومن جانب أخر، سحب اللواء نقاطه العسكرية المنتشرة في بلدة القريّا بريف السويداء الجنوبي على الحدود الإدارية لمحافظة درعا، وأنهى حالة التوتر بين بصرى السام، وبين الفصائل المحلية، وأهالي السويداء، ووضع حداً للاشتباكات التي جرت في أيلول الماضي، وما قبله، بسبب احتلاله لأراضي البلدة، وراح ضحيتها عشرات القتلى من الجانبين.

استراتيجية قابلة للتكرار

ما حدث في أحياء الشياح والنخلة، والمناطق المحيطة بمدينة درعا، ومحاولة اقتحام درعا البلد، يؤكد على أن الاستراتيجية التي يتبعها النظام في إخضاع المناطق التي لم تخضع لسيطرته بعد، سيكررها في طفس ومحيطها في المنطقة الغربية، وفي درعا البلد، وهي ذات الاستراتيجية التي اتبعها في الصنمين سابقاً.

وتتمثل بالضغط والتحشيد والحصار، ثم التهديد بالاقتحام أو عقد تسوية بشروط جديدة تنسف معظم شروط التسوية الروسية، وتقترب من حالة الاستسلام الكامل، وتفرض على أبناء المنطقة التجنيد ضمن قواته.

ويستمر الصراع

منذ البداية شهدت محافظة درعا صراعاً خفياً بين روسيا وإيران، والجماعات التابعة لكل منها. ثم تصاعد في عموم محافظة درعا من خلال الصراع غير المعلن بين الفيلق الخامس الذي أنشأته روسيا، وضم مقاتلين سابقين من الفصائل الذين رفضوا التهجير، وأجروا “تسويات ومصالحة”، وتمكن من توسيع نفوذه وبات قوة كبيرة على الأرض، خاصة في ريف درعا الشرقي، من جانب.

وبين الفرقة الرابعة التي عادت بقوة إلى الساحة، وسعت لاستقطاب الشبان وخاصة من المقاتلين السابقين في فصائل التسويات والمصالحة، مقابل رواتب شهرية كبيرة، وإغراءات أخرى، واستطاعت استقطاب العشرات منهم، وزجتهم على الحواجز التابعة لها بعد إخضاعهم لدورات عسكرية بريف درعا الغربي، من جانب آخر.

وتصاعد الصراع بين الجانبين من خلال محاولات كل منهما فرض نفوذه على محافظة درعا. وحسب مصادر مطلعة من المنطقة، كانت روسيا قد طالبت بسحب جميع الحواجز التابعة للفرقة الرابعة من المنطقة، ورفضت الفرقة هذا الأمر بشكل قاطع. فردت روسيا بتقوية نفوذ الفيلق الخامس في المحافظة درعا، عبر التوسع في عمليات التجنيد بإغراءات مادية كبيرة.

تقرير/ لطفي توفيق