لكل السوريين

“حلاوة الجبن” تراثٌ حمويّ.. بدماثة “حمصيّة”!

ما إن تقرر الذهاب إلى مدينة حماة السوريّة، فهناك شيئان لابدّ وأن تفعلهما، أولهما زيارة نواعيرها، والثاني تذوّق حلاوة الجبن والتعرّف على كيفية صنع هذه الاكلة الشهيرة المتميّزة، التي ستجذبك رائحتها التي تنعش القلب وتبهج النفس.

تعتبر حلاوة الجبن من أهم وأشهر أنواع الحلويات الموجوده بحماة، حيث يعود تاريخ ابتكار صناعتها إلى أكثر من 100 عام تقريباَ، وكثير من العوائل الحموية يمتهنون هذه الحرفة التي أصبحت متوارثة بين الأجيال.

ويعود سبب اختصاص أبناء مدينة حماة بهذا النوع من الحلويات، غناها بالمواد الأولية اللازمة لصناعة حلاوة الجبن فمن هذه المدينة يُصدّر الحليب والقشطة العربية والجبن وجميع الألبان ومشتقاتها، إلى كافة محافظات سوريا، وإلى الدول العربية.

وتعتبر مأكول يوميّ حيث لا يتحمل تخزينها لأكثر من عشر ساعات في فصل الصيف، بينما يمكن أن تتحمل فترة تخزين تصل لنحو 24 ساعة في فصل الشتاء، ولها فوائد كثيرة إضافة إلى مذاقها اللذيذ، فهي تحتوي على نسبة مرتفعة من البروتينات والدهون لوجود الحليب والجبنة فيها.

الصراع التاريخيّ بين حماة وحمص

مازال الخلاف قائماً حتى اللحظة فيما يسمى بـ”الملكية الفكرية” لابتكار هذه الحلوى المميزة هل هي حموية أم حمصية؟، حيث نُسب الفضل تاريخياً للحمويين في هذا الاختراع الذي تم تطويّره على يد عائلة سلّورة الحموية قبل ما يقارب الـ 100 عام، العائلة التي انتشرت محلاتها في جميع المدن السورية ووصلت أيضاً إلى الدول المجاورة.

أما عن شهرة الحماصنة بحلاوة الجبن أيضاً، فيفسرها البعض بكون هذه المدينة تتوسّط سوريا ومنها كان يمر المسافرون حاملين معهم حلويات مختلفة منها حلاوة الجبن.

فيما رجّح آخرون كون أصل حلاوة الجـبن ليس سورياً وإنما لبناني ومن مدينة طرابلس تحديداً، حيث تعلّمها أحد السوريين من أهالي طرابلس قبل 100 عام وعاد ليطوّرها في سوريا بالشكل الذي أصبحت عليه الآن.

حلاوة الجبن معلمٌ أثري!

يوضح “أحمد”، 62 عاماً، من حماة، بأن حلاوة الجبـن تعتبر من الحلويات الشعبية بالنسبة للحمويين، بينما في محافظات أخرى هي نوع من الحلويات الفخمة، ويكمل: “نحن اعتدنا عليها منذ أن كان سعر الكيلو بضعة ليرات إلى أن أصبح بـ35 ليرة ثم بـ500 و700 وأكثر، واليوم أصبحت بالآلاف، لكنها مازالت ملكة سوق الحلويات ولا أحد يأتي من غير محافظة إلا ويأخذ معه حلاوة الجبن”.

فيما يقول أبو إبراهيم “بعض الناس لا تتذّكر حماة إلا من نواعيرها وحلاوة الجبن كأنها معلم أثري ورغم قلّة الطلب عليها عما كان سابقاً إلا أنه شهرياً أرسل لمعارف لي وأصدقاء لي من غير محافظات كيلو أو اثنين وفي بعض الأحيان نرسلها إلى خارج البلد كما مؤخراً فعلت عندما أرسلت لابن أخي في لبنان”.

وصولها للعالميّة

يشار إلى أنهُ خلال العشر سنوات الماضية نقل السوريون حلاوة الجبن إلى دول عالمية عديدة لم تكن تعرفها، ففي ألمانيا افتتح عدد من السوريين محال حلويات وبدأوا بصناعة حلاوة الجبن للسكان المحليين، وفي السويد ظهر رئيس الوزراء “ستيفان لوفين” يتناول حلاوة الجبن قبل عام وطالب الشيف بمعرفة وصفة هذه الأكلة.

وفي فرنسا وهولندا ومناطق أخرى من العالم انتقلت حلاوة الجبن الحموية الأصيلة لتحتل مكاناً لها في تلك الدول بين قائمة الحلويات المعتادة، بعد أن كانت تقتصر شهرتها في سوريا على مدن حماة وحمص وحلب.

مكوّناتها وأصنافها

تصنع حلاوة الجبن من الجبن والسميد والسكر وماء الزهر أو الورد وتأخذ في النهاية شكل شرائح طرية وحلوة الطعم، وتقدم محشية بالقشطة أو سادة بدون حشوة وتزين بالبوظة والمكسرات.

وهناك عدة أصناف لها، كحلاوة الجبن السادة، وهي خالية من الحشوة بداخلها فقط تقطع ويضاف إليها “القطر”حسب الرغبة.

وحلاوة الجبن المحشية، وهي عبارة عن لفائف الحلاوة محشوة بداخلها القشطة العربية ثم تقطع قطع صغيرة وترش بالفستق الحلبي ويضاف إليها “القطر” حسب الرغبة أيضاً. والمعجوقة، وهي رقائق الحلاوة يتم مدها بالصواني وتفرش عليها القشطة العربية وترش بالفستق الحلبي.

ومع اختلاف الآراء على أصلها، واختلاف أنواعها وطرق تقديمها، تبقى حلاوة الجبن الثابت الوحيد على قائمة أطيب وأشهر وأعرق الحلويات السوريّة.

تقرير/ حكمت أسود