لكل السوريين

الاختلافات في الشرق الأوسط.. مستقبل أفضل أم العكس

حاوره/ مجد محمد

في ظل المتغيرات الدولية يواجه مستقبل الشرق الأوسط بالفعل تحديات كبرى يجب مواجهتها لتحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة، فقد يؤدي انتشار الصراعات الإقليمية إلى تعطيل قطارات التنمية فالمنطقة تعاني من تحديات وقضايا كثيرة كالإرهاب والاستبداد والعنصرية والمذهبية إلى جانب التحديات الاقتصادية، ناهيك عن أن التحول في قطبية النظام الدولي في ضل حضارات وثقافات مترابطة عالمياً قد خلفت رعاة على علاقة الدول الإقليمية، كما أدت هذه التطورات دوراً حاسماً في تحديد أشكال الأنظمة المحلية والاستقرار في الشرق الأوسط، فهل نحن أمام لحظة تحول فارقة لمستقبل أفضل أم العكس.

وعن هذا الموضوع وفي هذا الشأن عقدت صحيفتنا لقاءاً مطولاً مع الكاتب والأستاذ أحمد مطر، ودار الحوار التالي:

*أستاذ أحمد مرحباً بك بداية، في ضل هذه المعطيات والمفاعيل والمتغيرات في الشرق الأوسط، ما هي أكبر التحديات التي تساهم في رسم ملامح المنطقة في القريب القادم؟

دون أدنى شك إن منطقة المشرق العربي أو الشرق الأوسط وضعت له خطط منذ عدة عقود لتغيير محتواه، منها ما أطلق عليها الشرق الأوسط الجديد ومنها ما نجهله، فاليمين المتطرف الأمريكي يعلن بوضوح عن خططه بإعادة تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات قائمة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وهذا الأمر جاهروا به علانية عبر أحد منظريهم الذي قال في إحدى وسائل الإعلام أنه أول من يحارب فكرة الهوية العربية، وأن اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الدول العربية قد تجاوزها الزمان وعلينا أن نعيد تقسيم المشرق العربي على أسس طائفية ومذهبية وعرقية.

وهذا الرسم الذين يتحدثون عنه لا يعني جغرافياً دول الشرق الأوسط فقط وإنما أيضاً مصر والسودان، وبدأت هذه المظاهر تظهر بشكل جلي في الخطوة الأولى التي تمثلت تاريخياً في فلسطين، ثم لاحقاً برزت في تقسيم السودان إلى قسمين، وأيضاً لا بد أن أشير أنه تم التحضير منذ عقود طويلة لترسيم هذه السياسات من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وهذا للأسف مطب وقع به بعض الغلاة من جميع هذه المكونات وإنما بقيت الغالبية العظمى من هذه المكونات الشعبية سواء من خلال انتمائهم الطائفي أو المذهبي بقوا على ولائهم لأوطانهم وعلى التعايش ضمن هذه البيئة التي تشكلت منها الدول العربية حالياً، إذا نحن فعلاً أمام مخاطر جدية وهم أعلنوا عنها كما قلت سابقاً، ونحن علينا أن نتسامى عن الخلافات الصغيرة التي تحدث لأسباب طائفية وأن نغلب العقل والمنطق والحكمة.

*نحن أمام بداية نهاية لما يعرف بالشرق الأوسط أم هو بالفعل مخطط؟

حتى الآن فعلياً ليست هناك استراتيجية دولية بهذا الخصوص، والإدارة الأمريكية الحالية وقواتها هم يريدون بقاء الحدود كما هي ولكن إذا حكم اليمين المتطرف هذا الوضع سيتغير بالتأكيد، الولايات المتحدة الأمريكية لم تعمل في يوم من الأيام على فصل دولة عن أخرى حالياً، لكن هناك بعض الحساسيات القومية والمذهبية منذ القدم في المنطقة، ولا يمكننا حالياً حصر الشرق الأوسط بتسمية المشرق العربي لأنه هناك قوميات متعددة ومنهم الكرد والأتراك والفرس والأمازيغ والنوبيين والسريان فهؤلاء أقوام لهم تاريخ وجسور في هذا المنطقة، ولا يمكن صهرهم جميعاً في بوتقة العرب، وحتى الآن لا ملامح جدية وواضحة لبداية النهاية ولكن هناك تغييرات حتمية ستبرز ملامحها قريباً.

*مشاكل الشرق الأوسط بسبب عدم وجود انسجام داخلي بين الطوائف والمكونات الموجودة فيه، أريد منك تعقيباً على هذه المقولة؟

سؤالك مهم جداً، بالتأكيد الشرق الأوسط يحتوي على عدة أديان ومذاهب وطوائف وقوميات مختلفة، وهي منسجمة مع بعضها البعض منذ القدم، نعم هناك حساسيات ومشاكل بسيطة كانت تظهر من وقت لآخر ولكن كان يتم حل المشكلات بشكل مباشر، ولكن عندما يتدخل الغرب أو الأمريكان في المنطقة هم يلعبون على هذا الوتر بالتحديد ويثيرون المشاكل والنعرات الطائفية ويلعبون على هذا الوتر الحساس فتعود الخلافات والمشاكل من جديد للأسف، فمكونات المنطقة يجب أن تعي لهذا الشيء وأن يجعلوا هذه الفسيفساء مصدراً لقوتهم لا لتفريقهم، فالدول الأوروبية يوجد بها عشرات المكونات وحصلت في أرضهم أكبر الحروب كالحروب العالمية الأولى والثانية، وهم الآن من أرقى الأمم ونبذوا الخلافات ويعد الحديث عن القوميات المختلفة لديهم على إنه حديث تافه فالأهم بالنسبة لهم هو الوطن وتقدمه.

*تقارن بلدان الشرق الأوسط مع البلدان الغربية، هل من الإنصاف مقارنة الحرية الثقافية في البلدان الأوروبية مع منطقة وبلدان الشرق الأوسط؟

نحن إذا نريد أن ننظر للأمور بالمفهوم الضيق سأقول لك لا، فالحرية في أوروبا للقوميات وللغات وللأمور الأخرى هي متوفرة أكثر من منطقة الشرق الأوسط وهذا معروف لدى الجميع، ولكن أسباب هذا الشيء إن الدول الأوروبية لم تعاني من الاستعمار على الأقل منذ عدة قرون أي منذ خروج العرب من الأندلس أي إسبانيا والبرتغال حالياً، بينما دول الشرق الأوسط حتى الآن لا تزال بعض الدول تعاني من الاستعمار، فالمشكلة هي مشكلة السلطة فالأفراد في المجتمع منسجمين مع بعضهم دون خلافات وإنما المشاكل تحدث بسبب النعرات وتدخل السلطة بهذا الخصوص لأثارة البلبلة والخلافات.

*المشاكل الطائفية والقوموية في الشرق الأوسط، كيف لنا أن نحقق مصالحة أو قبول بالآخر أو التخلي عن التعصب، وما هي آليته؟

عبر تكريس مفهوم المواطنة، والبداية في تغيير الدساتير، بحيث تتناسب مع طبيعة الدولة أو طبيعة الأمة التي تعيش في رقعة جغرافية معينة، ويجب أن لا تكون هناك أثنيات مركزية يدور حولها محور الأشياء وبالتالي تختفي هذه الخلافات، وأنا لازلت حتى الآن أؤمن بأنه ليست هناك صراعات عرقية كبيرة في المنطقة وإنما يمكن توظيفها للمصلحة وليس للخلاف، فهذه الخلافات موجودة في العالم كله والخلافات دائماً موجودة تختفي في منطقة وتظهر في منطقة أخرى في آسيا وأفريقيا وحتى الأمريكيتين، فيجب عدم المبالغة في هذا الخصوص، فنعم هناك خلافات ولكنها تحل عبر طاولة الحوار.

*في الشرق الأوسط هل هناك تحديات لمستقبل أفضل، أم العكس؟

حسب وجهة نظري إنه طالما هناك تدخل أجنبي بشكل مباشر وشكل غير مباشر أيضاً فأنا أعتقد أن المنطقة لن تذهب إلى الاستقرار، وطالما إسرائيل موجودة في وسط المنطقة فهذا يعني أن التدخلات الأجنبية لن تتوقف فلا وجود للاستقرار، وأن كان على المشكلات الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو حتى القوموية فهذه مشكلات داخلية وطبيعية نتيجة بعض الاختلاف ولكنها تحل عبر التفاهم وطاولة الحوار، فالآن نحن أن سمحنا للأجنبي بأن يتدخل بها فسوف تكبر ويكبر الشرخ وإن لم نسمح له بالتدخل فالانسجام موجود والمشكلات بسيطة ومحلولة والاستقرار موجود وقادم، وكما قلت لك عندما يتدخل الأجنبي في مشاكلنا الداخلية لن يحدث استقرار.

*اخيراً، في هذا الخصوص كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

لا يمكننا نكران إن الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم توتراً أمنياً، حيث شهد أكثر من ١٠ حروب منها الحروب العربية الإسرائيلية، والحرب العراقية الإيرانية، وغزو العراق للكويت، وشهد غزو العراق ٢٠٠٣ الاحتلال الأمريكي البريطاني لدولة العراق، والمشكلة النووية الإيرانية، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والحرب الإسرائيلية على لبنان، ولا نستطيع التكهن بأن الحروب في هذه المنطقة ستنتهي لما لها من أهمية اقتصادية واستراتيجية ومصالح دول كبرى، فمسألة اختلافات عرقية ودينية وقوموية هي مجرد وسيلة لتحقيق مصالح احتلالية أو سلطوية.