لكل السوريين

“الدلالة”… مهنة عريقة للبيع والشراء بمناطق شمال وشرق سوريا

الرقة/ حسن الشيخ

تعد مهنة “الدلالة” أو “الدلّال” من أقدم المهن المعروفة بمناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وتُعرف بوصف الشخص الذي يدل على سلعة أو شيء معين يوفق من خلاله بين الأطراف المعنية (البائع ـ المشتري)، ويتقاضى أجرة معينة من خلال التوفيق بينهما.

ويستخدم الدلال أدوات معينة لتحديد السلعة وتقييمها، والتوفيق بين الأطراف المعنيين، فمثلاً في مهنة المُحرِّج يقوم بالإعلان عنها والمناداة عليها في السوق لبيعها، أو عرض السلعة أو المنتج في محل ودكان ليأتي الزبون أو العميل المحتاج فيشتريه، ويكون للدلال مبلغاً مقابل الأتعاب، ويطلقون عليه أحياناً “عشاء الدلال”، ويقصدون بذلك أنه يصرفه في قيمة وجبة عشاء، ويفهم منه أنه ليس بكثير، بينما قيمة السلعة وأرباحها هي لصاحبها، ويتفق مسبقاً على قيمة الأتعاب فإن لم يتم الاتفاق كان العرف السائد هو المعمول به.

ومهنة الدلالة قديمة جداً فقد رافقت وجود السلع والبضائع والمتاجرة بها على مر مئات السنوات، فالتجارة تعني كل حركة بيع وشراء صغرت أو كبرت والإنسان بطبعه متتبع لرزقه، وأشهر صورها في مناطق شمال وشرق سوريا تكون في بيع الماشية من أغنام وماعز وغيرها.

وحول مهنة الدلالة يقول الدلال عبد الجمعة: “لا يعرف تاريخ محدد لهذه المهنة لأنّها مهنة قديمة جداً، ونحن نتوارثها أباً عن جد حيث يتتبع الدلال أماكن أسواق الأغنام، ويتخذ منها مكاناً لربط الماشية عبر حبال يطلق عليها “الربج” وهو عبارة عن حبل أو عدة حبال حسب كبر أو صغر “الربج” يوضع عقد في هذه الحبال من أجل ربط الأغنام، وعرضها على المشتري، وكل شخص من الدلالة يعرف المكان المخصص له لأنّ هذا الامر يتم بالتوافق بين الجميع، وعادة يتم دفع مقابل هذا المكان مبلغ من المال للبلدية او الجهة التي تقوم بتنظيم هذه الأسواق، وتكنى  باسم الدلال مثلاً ( ربج عبد الجمعة ) …وغيره.

وأضاف، “أن الدلال يتميز بصفات ضرورية لعمله فيجب أن يكون ذو أخلاق ومعاملة جيدة ولديه مصداقية بين الناس وأمين وأن يكون شخص ذو معرفة واسعة بالأغنام كمعرفة عمر الشاه ومعاينها وتقييم سعرها”.

وبالنسبة إلى أجرة الدلال أوضح الجمعة، أنّ أجرة الدلال وتسمى “الدلالة” يتم أخذها عادةَ من المشتري إلا إذا تم الاتفاق بين البائع والمشتري على عكس ذلك، وإذا حصل نزاع بين المشتري أو البائع فيقوم الدلال بالتوفيق بينهم أما إذا لم يقبلوا برأي الدلال يتم الفصل عند شخص يسمى “العارفة” وهو شخص قديم ومعروف بعدله وحكمته وخبرته الطويلة بالمهنة “شيخ الكار”.

من جهته أوضح لنا الدلال صالح الغثوان أكثر عن مهنة “الدلالة” بالقول:” يخضع سوق الأغنام إلى ضوابط وأعراف المهنة، وهي نتيجة تراكم الخبرة العملية فمثلاً يتم التأكد أولاً من سلامة المواشي من الأمراض وغالباً نقوم بسؤال البائع إن كانت تعاني من مرض عضال هذا المرض يؤثر على البيع ثم نقوم بتقدير السعر بشكل تقريبي مما يرضي البائع والمشتري، ثم يتم تسجيل المواشي في دفتر خاص بالدلال يتم تدوين التاريخ ونوع الماشية والسعر الذي بيعت به، ومن اجل المراجعة في حال حصل خلاف بين أي طرف بما يضمن حقوق الطرفين ( البائع ـ المشتري)”.

وأشار الغثوان الى أنّ كل منطقة لها عرف وتسمية ودلالة خاصة بها، وعارفة في حال حصل خلاف أو التباس بين كافة الأطراف، ولفت إلى أن هناك أسواق تعمد على  مزادات للبيع  تبدأ من رقم معين ثم يبدأ الدلال بحث المشتري على الزيادة، ويكون عمل الدلال هو الحث على طلب الزيادة للوصول إلى السعر العادل لبائع المواشي، ومرضي للمشتري أيضاً، مع ضمان عمولة الدلال.

وهنالك عادة التوفيق بين (البائع ـ المشتري) مصافحة الأيادي حيث يمسك الدلال يد المشتري ثم تبدأ المساومة حتى يصل الدلال للسعر العادل الذي يحقق الرضى للبائع بحضور البائع، فإذا توافق الطرفان يكون الفصل بترك يد المشتري بقوة دلالة على أنه تم فصل السعر، والوصول إلى السعر المطلوب والعادل.