ما إن هرب بشار الأسد وتم الإعلان رسميا عن سقوط نظامه، حتى بدا واضحاً انهيار جيشه وأجهزته الأمنية وتلاشيهم عن المشهد الميداني في العاصمة دمشق، فمنهم من فر تاركا مكاتبه المليئة بالملفات والوثائق، ومنهم من حرقها قبل أن يغادر. ليبقي مصير أولئك المسؤولين غامضاً، وترجح مصادر مغادرة بعضهم سوريا، وعودة بعضهم الآخر إلى بلداتهم ومسقط رأسه.
في حين يدور الحديث عن فترة انتقالية تتولاها قيادة جديدة، تغيب عن الأنظار التفاصيل المتعلقة بعدد من رموز النظام السابق وكبار المسؤولين وأعضاء أجهزة المخابرات والأمن.
أما عن الوجهات التي قد يلجأ إليها الضباط بعد هروبهم، فيمكننا القول إن هناك ثلاث وجهات لهم، وهي في داخل الأراضي السورية ولبنان والعراق، وهو ما أكدته مصادر متطابقة، فقد هرب معظم الضباط إلى قراهم ومناطقهم لاسيما البعيدة عن دمشق، في حين اختبأ بعضهم داخل بيوت على أطراف العاصمة، وآخرون ذهبوا إلى لبنان عبر معابر شرعية وغير شرعية بمساعدة أطراف أو جهات لبنانية رسمية وغير رسمية، ومنهم من اتجه إلى العراق فكان على الأرجح بمساعدة وتنسيق إيراني.
وفي تسريب صوتي تم تداوله قبل أيام لـ عبد الناصر عبسي وهو رئيس ديوان اللواء علي مملوك المستشار الأمني لبشار الأسد، أكد التسريب على أن مملوك موجود في قاعدة حميميم الروسية، ما يعني أن هذه القاعدة كانت ملاذا لبعض الضباط والأمنيين.
ويعتقد بأن الفترة المقبلة ستشهد عمليات قبض على الضباط الذين تخفوا في الأراضي السورية بموجب تقديم الحماية من قبل الأهالي. إذ أن معظم الضباط الذين ما زالوا متخفين إلى هذه اللحظة هم في المناطق ذات التأثير الكبير والحاضنة للنظام، وهذه المناطق غالبا هي مرحلة حالية فقط لتتوجه لاحقًا إلى مخارج عبر البحر أو إلى دول الجوار، مشيرًا إلى احتمالية وجود عمليات تنسيق لكنها لم تتضح للعلن بعد.
ويوجد قائمة مكونة من أسماء شخصيات مطلوبة خلال الثورة من الضباط الذين ارتكبوا مجازر بحق الشعب السوري، ولكن هذه القائمة تم تعديلها بموجب وضع الأسماء، فبعضهم توفي وبعضهم قتل إثر العمليات العسكرية، ومازال العمل عليها قائم عليها بمُوْجب الوثائق التي تم ضبطها في السجون والمراكز الأمنية ليتم تسليمهم إلى العدالة ومحاكمتهم وفق القانون بشكل عادل، على حد قوله.
وكان قائد “إدارة العمليات العسكرية”، أحمد الشرع، قد صرح أن “إدارة العمليات” لن تتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري.
كما أضاف الشرع “سوف نلاحق مجرمي الحرب ونطلبهم من الدول التي فروا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل”.
وفي ذات السياق قال وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، إن السلطات اللبنانية تلاحق أي مسؤول سوري يدخل لبنان بطريقة غير شرعية.
وبحسب وزير الداخلية، أن عمليات التفتيش والتحقق مستمرة على المعابر الحدودية، ولم يتم تسجيل دخول أي مطلوب من القضاء اللبناني أو دولي عبر المعابر الشرعية، في حين سجلت دخول عائلات ضباط ومسؤولين فقط وليس أنفسهم، مؤكدًا أن أي شخص عليه ملاحقة قضائية حكمًا سيتم توقيفه.
تَبَعاً لـِدراسات وبيانات لضباط منشقين عن النظام السابق فإن تعداد فروع المخابرات العسكرية والجوية وأمن الدولة والأمن السياسي تصل إلى نحو 100 فرع حوالي نصفها في العاصمة دمشق، كما يوجد 3 سجون عسكرية (صيدنايا والبالوني وتدمر) بالإضافة إلى سجون التحقيق والإيداع المؤقتة ضمن الإدارات والشعب الأمنية والشرطة العسكرية، وعليه فإن تعداد الضباط المسؤولين والعاملين في هذه المواقع يقدر بنحو 800 ضابط، ومعظمهم اختفوا مع سقوط الأسد من دون أي محاكمة.
ويوجد ثلاث إجراءات رئيسية يتوجب اتباعها لملاحقة بشار الأسد وجميع مرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
وأكثر ما يعول عليه للحصول على نتائج حقيقية هو البدء بالعمل على إعادة بناء نظام قضائي جديد في سوريا، كون النظام القضائي السابق هو من أكثر النظم التي ارتكز عليها النظام السابق في ارتكاب مجازره، وعلى هذا لا يمكننا الاعتماد عليه لتحقيق المبتغى من العدل.
كما يتوجب تمكين القضاة من المعرفة القانونية بما يخص جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، ليكون لدينا نظام قضائي مختص ومتمكن لمحاكمة وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم بشكل سوي وعادل ونزيه.
وتقع النقطة الأساسية على عاتق الحكومة السورية الجديدة، هي التوقيع على نظام روما الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية الذي يعطي الصلاحية للمدعي العام والمحكمة الدولية البدء بالتحقيقات على الأراضي السورية، وعلى هذا يمكن للحكومة الجديدة طلب إعلان ما يسمى 13/2، وهو بدء التحقيقات إلى تاريخ ما قبل التوقيع على هذا الاتفاق لنكون قدمنا لمحكمة جنائية دولية الأولوية بملاحقة بشار الأسد وغيره بشكل مباشر.
أما ثالثًا فيتوجب توسيع الولاية القضائية العالمية في دول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال لدينا مذكرة توقيف دولية أصدرت بحق بشار من المحكمة الجنائية في باريس، ولكن تم التمهل بمعالجتها كونه كان قائما كرئيس جمهورية وهناك اتفاقية فيينا التي تمنع ملاحقة الرؤساء وهم على رأس عملهم، في حين الآن لم يعد بشار رئيسا فتتم متابعة هذه المذكرة وتنفذ بحقه.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، لا يحق له التمتع بحق اللجوء الإنساني بسبب تورطه في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وقالت “الشبكة” في تقرير لها، إن منح روسيا حق اللجوء لـ “أسباب إنسانية” للأسد وعائلته يتعارض مع نص اتفاقية اللاجئين لعام 1951 التي تستثني من الحماية الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم كبرى، مثل جرائم حرب وجرائم ضد السلام أو جرائم خطيرة غير سياسية.