لكل السوريين

انتهاكات وتجاوزات.. ماذا يحدث في سوريا بعد سقوط الأسد؟

إعداد/ انعام نيوف

ما زالت مظاهر الاحتفال بسقوط نظام الأسد مستمرة في كل سوريا، وعلى رغم مشاهد السلمية المشوبة وكل التطمينات التي أعقبت هذا السقوط، برزت بعض الحوادث والافعال والاقوال الحادة، التي قد تشكل تحديا كبيرا لسوريا الجديدة، إذ يشهد عدد من المناطق ذات الأغلبية العلوية في السورية، أعمالا إجرامية وانتقامية  ساد فيها حد القتل وأحداث شغب تتمثل في  التخريب والنهب، واهمها الهجوم على مطرانية حماة، حيث أطلق شخصان النار على صليب المطرانية، وتم هدم بعض القبور وتكسير الصلبان والتماثيل، وهدم وحرق الزيارات العلوية في ريف حماه وريف طرطوس وريف جبلة، وقتل عدة اشخاص من الطائفة العلوية في قرى طرطوس وريف بانياس وريف حماه وريف جبلة واللاذقية، متهمون بانهم رجالات النظام الساقط، ودون أي دليل سوى انهم علويون، إضافة الى اعتراض السكان وسرقة هواتفهم النقالة ونقودهم وضربهم والتنكيل بهم وشتمهم الفاظ قذرة  طائفية وحاقدة، رافقها انتشار فيديوهات وقصص كثيرة ، توضح بالصوت والصورة عمليات  قتل وتمثيل ببشر يعرفوا انهم علويون ومن النظام البائد، بدون اية تفصيلات ادانة او أي شيئ او خبر غير الانتقام والحقد، رغم ان إدارة العمليات العسكرية، اكدوا مرارا عدم المساس بالأقليات أو معتقداتهم، لكن أصبحت أعمال السرقة والنهب والانتقام تثير المخاوف الحقيقية.

بعد سقوط نظام الأسد، تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بنشر الكثير من الاخبار عن انتهاكات وتجاوزات بحق الأقليات في الساحل السوري، وهي لا توحي بأن هنالك نهج منظم لذلك، لكن كثرتها وانتشارها في الكثير من القرى والبلدات العلوية، تنبئ بانها ستؤدي إلى انفجارات قادمة وخاصة انها تشير لأعمال انتقامية على أساس طائفي.

ومن الجدير بالذكر، أن انتشار هذه الأخبار يتم بالتوازي مع عمليات تسوية الوضع التي تقوم بها الإدارة الجديدة، للنظر في مستقبل الآلاف من العسكريين وموظفي الأمن الذين تم العفو عنهم من قبل السلطات الجديدة، في خطوة سريعة وسليمة وفي الاتجاه الصحيح كمحاولة للحد من الانتقام وخلق اقتتال داخلي.

هنالك حالات انتقام شهدها الساحل السوري، ونشر العديد من الفيديوهات بهذا الخصوص، أحد فيديوهات كان في قرية ربيعة غرب حماة، ويظهر الفيديو مسلحا يركل وجه رجل يبدو ميتا، ويظهر خلفه رجل آخر مقيد اليدين والقدمين يركل في وجهه، والشخص الذي يصور الفيديو، يتكلم بتعبيرات مهينة للعلويين، ثم يتم إطلاق النار على الرجلين، وفي فيديو آخر، يظهر مقاتل بملابس عسكرية وهو يعدم شخصين بجانب الطريق، يقول المقاتل: هؤلاء خنازير؛ ضباط من قوات الأسد كانوا يحاولون الهرب، ثم يركع الرجلان، بملابسهما مدنية، على الرصيف وأيديهما مربوطة خلف ظهريهما. يقول أحدهما: يا شيخ، أعطنا فرصة، نحن معك، قبل أن يصرخ مقاتل آخر: الله أكبر، ثم يطلق النار عليهما ليسقطا قتيلين، في بلدة مصياف في مدينة حماة والتي تضم سكانا من الشيعة والمسيحيين والعلويين، وتم العثور على أربع جثث ملقاة بجانب الطريق، وظهرت على الجثث آثار التعذيب من دون تحديد هوية الضحايا أو الجناة.

كما تكررت حالات طرق أشخاص ملثمين على الأبواب ليتضح أنهم سارقون، ما استدعى الهيئة لإصدار بيان بعدم فتح الأبواب لأي شخص إذا لم يكن يملك تصريحا رسميا، وبرفقة مختار المنطقة، هذه القصص ومثلها الكثير بشكل كبير، الخائفون من ذبح الأقليات، ومن يرغبون بنشر الفتنة، لكنها تؤكد على غموض المصير والمستقبل.

أحد المثقفين يقول: من هو القاضي؟ من يقرر من هو الشبيح ومن ليس كذلك؟ من يمكنه السيطرة على هذا؟ إنها مسألة وقت فقط قبل أن تنفجر الأمور، وهل يجب على أبناء الساحل دفع ثمن جرائم الأسد سواء عبر الضغط المعنوي وتحميلهم مسؤولية 13 عاما من الدماء أو عبر الانتقامات على أرض الواقع؟

كان سقوط الأسد أقل دموية، بل إن السلمية التي رافقت هذا التغيير التاريخي فاجأت كثيرين، واستطاع عناصر إدارة العمليات العسكرية ضبط الوضع إلى حد كبير، لكن مع استمرار وقوع أعمال شغب والعمليات الانتقامية التي تتمثل في تصفية عناصر قيل إنهم تابعون للنظام.

لكن هل المطلوب في سوريا عن المحاسبة او عفوا عاما ام محاكمات عادلة تحدد المسؤوليات وتحاسب عليها وليس ترك الباب أمام حوادث انتقام وثأر.

رغم أن مناطق العلويين تعيش في فقر مدقع وأن النظام الحاكم لم يمنحهم سوى الفتات وفرض عليهم الولاء بالقوة، ومن كان يخرج عن النظام كان يخسر حياته ومستقبله، علاوة على ان الاحداث تركت البشر مدمرة نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، فالجميع بحاجة الى السلام والسلم الأهلي والعدالة الاجتماعية ليستمر الوطن، لكن وفي ظل وجود حكومة انتقالية تحتاج الى شهرين ونصف الشهر بعد لترسيخ أسس الدولة، تبدو هذه الفترة مقلقة، ما يستوجب إيجاد طريقة فعالة للتعامل معها.

ولا بد من الإشارة الى وجود المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة والذين يشكلون عقدة شائكة، في ظل تصاعد الأخبار عن تجاوزاتهم وارتكابهم الكثير من الانتهاكات، كما أن وجود هذا المكون الغريب بين السوريين لن يشعرهم بالطمأنينة بأي حال، خصوصا أنهم اختبروا دور المقاتلين الأجانب في سوريا منذ عام 2011، والدوافع الأيديولوجية التي تحرك نشاطهم، رغم أن هوية مرتكبي هذه الانتهاكات لم تحسم بشكل قاطع، وفي بعض الحالات تنفذ عمليات النهب والسلب من عصابات محلية، ففي بلدة بمحافظة اللاذقية، اعتدى أشخاص عدة على سيارة تابعة للهيئة، أشخاص معروفون لأهل المنطقة بنشاطهم الإجرامي.

أحد المخاوف الجدية، هو وجود مقاتلين يضعون علامات تشابه علامات التي يضعها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بعد ظهور مسلحين يرتدون الشارات نفسها عند بوابات السفارة التركية في دمشق هذا الأسبوع، ولم يتم التأكد بشكل قاطع من خلو الهيئة من مقاتلين سابقين في صفوف داعش.

سورية مدمرة وخراب وجوع وفقر، وهذا يلقي بمهام معقدة على إدارة العمليات العسكرية، لكن أبرزها وأكثرها إلحاحا هي ضبط الوضع الأمني وحماية الناس، إن هدف الثورة هو بناء دولة ديمقراطية، الأولوية فيها حماية وضمان حرية الرأي والتعبير، وحق المشاركة في صنع القرارات المصيرية، وحق القبول والاعتراض، والتوافق على عقد اجتماعي جديد، والتوجه الى بناء دولة القانون والمواطنة وفقاً لمبادئ العدالة الانتقالية التصالحية، لا الانتقامية، والعدالة التسامحية، لا الثأرية، ومحاسبة جميع المسؤولين عن الكوارث.