لكل السوريين

اللاجئون السوريون بين خوف وأمل مع استمرار أردوغان في سدة الحكم ؛ فهل سيفي بوعوده

حاوره/ مجد محمد

فضّل الناخبون الأتراك، الاسبوع المنصرم، الشعبوية على الديمقراطية الليبرالية، حيث أسفرت جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التركية، عن فوز واضح لرجب طيب أردوغان، وذلك نتيجة موافقة حوالي ٥٢٪ من الناخبين في تركيا على تعهد الرئيس أردوغان بجعل تركيا عظيمة مرة أخرى حسب زعمه، وعلى الرغم من سوء الإدارة الاقتصادية بشكل جلي، إلا أنهم يعتقدون بأن أردوغان سيسير بتركيا نحو العظمة الإمبراطورية كما كانت امجاد الدولة العثمانية.

ولمناقشة منعكسات وصول اردوغان إلى الرئاسة في تركيا للمرة الثالثة، عقدت صحيفتنا حوارا مطولا مع الاستاذ بشير اقطيني الحاصل على الماجستير في القانون الدستوري والعلاقات الدولية، ودار الحوار التالي:

*استاذ بشير مرحبا بك بداية، ما منعكسات وصول اردوغان إلى السلطة خصوصا فيما يتعلق بعلاقة انقرة مع واشنطن، خصوصاً في ضل تقارب تركي روسي في الفترة الماضية؟

اهلا بك، من حيث المبدأ، الامريكان والجهات الدولية كانت تتوقع فوز اردوغان بعد الجولة الاولى، وكان هناك نقاش ايضا في حال نجاحه وتداعيات ذلك، الآن هناك تأمل من اردوغان بالاستقرار في سياسته والمواقف لأنه هناك اعتقاد بأن جزء من هذه المواقف التي اتخذها ترجع بسبب الحملة الانتخابية وحاجته لأصوات الناخبين، فالموقف الامريكي منذ انتهاء الجولة الاولى بدأ يتقبل ويناقش آليات التعاطي مع تركيا بشكل ايجابي، فالأصداء الامريكية تتحدث عن انه لم يفعل اردوغان سلاح S400 ولكنه يستفيد من الضعف الروسي وحاجة روسيا الكبيرة لتركيا، والاصداء تشير إلى انه سيجري التسامح معه بخصوص ذلك، وفي المستقبل سيكون هناك متابعة امريكية لتركيا في هوامش المناورة التي تتعلق بالعلاقة وخاصة المادية والمالية، ولكن سوى ذلك حول قضية التحالف مع الولايات المتحدة الامريكية فهذا لا بد منه ستعود التحالفات في وجود ضمانات.

*ماذا بشأن العلاقة مع الدول التي لم تكن علاقتها جيدة مع انقرة فيما مضى، ولكن ايضا لا توجد مشاكل بينها، وخصوصا الدول العربية كمصر وشمال افريقيا؟

دعني اوضح لك امراً، اردغان صحيح انه انتصر لكنه انتصار مضعضع، ليس هو اردوغان كما كان في الولايتين السابقتين، هناك ملاحظة مهمة جدا انه اردوغان الذي هزم المعارضة، سوف يستعير منها مرة اخرى المقولة الشهيرة لوزير خارجيته الاسبق مقولة (صفر مشاكل)، فبعد هذا الانتخابات وانتصاره سوف يتجه إلى تحقيق صفر مشاكل، وفي ولايته الجديدة سوف يترك جانباً موضوع الايديولوجيا، فهو الآن رئيسا لدولة براغماتية تسعى وراء مصلحتها، الآن سينتبه إلى ازمته الاقتصادية ويقيم علاقات ويصفر المشاكل وخصوصا مع الدول العربية، فهو في مصر يتجه إلى مصالحة وكذلك دول المغرب العربي وليبيا وموريتانيا، ففي ولايته الاولى هو الذي فتح باب تركيا للعلاقات مع الدول الافريقية، واردوغان الآن كما قلت لك سيكون براغماتي، صحيح انه احرز كثيرا لتركيا لكنه فشل في دخول الاتحاد الاوروبي وفشل ان يقيم العثمانية الجديدة وفشل ان يقيم ما اسماه بالوطن الازرق، فهو الآن سيعيد علاقاته القوية بدءا من مصر إلى الدول العربية في شمال افريقيا، على اساس براغماتي ومعالجة الازمة الاقتصادية التركية الخانقة.

*منافسوا اردوغان في الانتخابات حصلوا على دعم وتشجيع اوروبي، ورغم ذلك نجح اردوغان، كيف سيكون حال العلاقة مع اوروبا؟

نعم، العلاقة متوترة مع اوروبا، فهو على خصام مع دول كثيرة في اوروبا، فهو على خلاف مع اليونان وقبرص والسويد وفنلندا وفرنسا وايطاليا لأسباب كثيرة تتعلق بالنفط والغاز وحلف الناتو وخلاف جزيرة ايجه، ففي المرحلة المقبلة لن تكون العلاقة مختلفة جدا عما كانت عليه في السابق، فهو مستمر في ذات السياسة ويدمج بين الايديولوجية والبراغماتية وهذا ما جعل نتائج الانتخابات الاخيرة في شرخ عميق مناصفة بين الشعب التركي، هذه السياسة لن تؤدي لمنافع اقتصادية لتركيا بالرغم من ازمتها ، فمساندة اوروبا لمنافسيه في الانتخابات تزيد التوتر الذي هو اساسا موجود وبكثرة، ولكن سيتم تصحيح بعض الامور في اطار الاستمرارية والدبلوماسية السياسية.

*تركيا دائما ما تكون دولة فضولية وتتدخل في دول الجوار كأذربيجان وليبيا والعراق وغيرهم وابرزها سوريا بحجج مختلفة، في ولايته الجديدة ماذا سيكون الحال وكيف ستكون العلاقة مع سوريا؟

نعم، في الآونة الاخيرة تحدث اردوغان عن دخول مناطق محددة في سوريا ولكنه لم يفعل، اردوغان يهدد كثيرا ويقف على حافة الهاوية لكنه لا ينزل بها ويعرف الحدود المسموحة له، وباعتقادي ان القضية الابرز والتي يجب المراهنة عليها هي علاقة اردوغان مع اكراد وعرب بلاده في المنطقة الجنوبية الذي يصل عددهم إلى اكثر من ١٩ مليون شخص، وهناك حديث انه بعد الانتخابات سيكون هناك مبادرات مع الاكراد خصوصا داخل بلاده، ومن حيث المبدأ كمناوراته العسكرية على شمال وشرق سوريا بحجة الاكراد فأنها لن تهدأ بتصوري، وفيما يتعلق بالنظام السوري فأنه في حال تم التطبيع معه فأنه سيؤدي إلى هجرة ملايين الاشخاص وخصوصا في غرب سوريا إلى اوروبا وبالتالي هو عمليا يسحب البساط من اسس التسوية التي تطلبها روسيا وهي الانسحاب التركي واعادة اللاجئين، ولكن اعادة اللاجئين كما تفهمها تركيا هي تبديلات فيما يتعلق بالبيئة الامنة لعودة اللاجئين وحياة المواطنين السوريين حتى الذي يقعون تحت سيطرة النظام, وهذا باختصار وفضول تركيا هو نابع من تاريخها واستذكارها لأمجاد الدولة العثمانية.

*في الوقت الذي رفضت فيه تركيا فرض عقوبات على روسيا، قامت ببيع اوكرانيا طائرات مسيرة من نوع بيرقدار، هذا العلاقة كيف ستكون مع الولاية الثالثة؟

هناك تناقض كبير في علاقة اردوغان مع روسيا، من ناحية يريد ان يبقي على صلة الوصل مع موسكو، ومن ناحية اخرى يريد ان يرضي اوروبا والغرب والولايات المتحدة الامريكية، وبالأمس وجهت موسكو انذار مبطن لأردوغان وصرحت بأن تركيا تمد اوكرانيا بالسلاح، ولم يكون هذا التصريح عبثا في هذا التوقيت، روسيا تريد ان تبني في تركيا وتركيا تريد ان تكون المصدر الرئيسي للغاز الروسي وغاز اسيا الوسطى إلى اوروبا، وانما اروبا لا تقتنع ان يلتف اردوغان على العقوبات المفروضة على روسيا وان يمد الغرب واوروبا تحديدا بالغاز الروسي، هناك نوعا من اتفاق الحظوظ الذي جرى ما بين اوكرانيا وروسيا برعاية تركيا، لقد خالفت تركيا الاتفاق عدة مرات واوقفت موسكو تصدير الحبوب مرتين بسبب الخلاف مع تركيا وتحديدا مع اردوغان وليس مع اوكرانيا، فهناك مجموعة تناقضات لأن اردوغان يريد ان يمسك العصا من النصف وانما لا تسير الامور كما يشتهي هو، فهو يعتبر نفسه في مصاف الدول الكبيرة بينما هو دولة متوسطة تحتاج إلى المحيط.

*اللاجئون السوريون في تركيا، ماذا بشأنهم؟

بالرغم من الانطباع العام ان سياسة اردوغان لن تتغير في الولاية الجديدة عن الإجراءات السابقة خاصة فيما يتعلق بموضوع اللاجئين، لكن ارى ان تعامله وحكومته بالولاية الثالثة سوف يختلف ويشهد العديد من التحولات، لأن هذه الانتخابات اظهرت الوجه القومي لتركيا سواء من طرف الاحزاب التي تحالفت مع اردوغان او الاحزاب المعارضة له فكلاهما كان ينتهج خطابا ولغة قومية تميل إلى اليمين بقوة، واعتقد ان اردوغان سوف يقلل من المزايا الممنوحة للسوريين مع عقد اتفاق مع نظام الاسد لإعادة عدد كبير منهم، وسيتم ذلك بطرق ناعمة لإعادتهم من خلال تحسين العلاقة مع الحكومة السورية والأمن في المنطقة الحدودية وخاصة في شمال وغرب سوريا، ولن تكون عودة السوريين إلى بلدهم دفعة واحدة، بل على دفعات وقد يستغرق الامر سنوات الولاية الثالثة لأردوغان.

*ختاماً، برأيك وبشكل مختصر ما هي انعكاسات فوز اردوغان داخليا وخارجيا بشكل عمومي؟ وكلمة تحب ان تضيفها المجال مفتوح لك…

مع انني شخصياً لا احبذه، ولم اكن اتمنى فوزه ولكن هذا ما حدث، ويجب علينا التمتع بلياقة سياسية عالية، ففوز اردوغان يعني ان حزب العدالة والتنمية لازال يحتفظ بشعبية واسعة في الداخل التركي رغم كل التحديات التي تواجه تركيا، والانتخابات اثبتت ايضا إن المعارضة استطاعت ان تحقق اختراقا كبيرا في الشارع التركي بالنظر إلى تقارب النتائج وبالتالي تمكن من التماهي مع تطلعات الشعب التركي بعدما كانت متخندقة في فكرها الايديولوجي، اما بالنسبة للانعكاسات الخارجية ففي تقديري ان اردوغان سيستمر في اقرار التماهي التركي مع المحور الشرقي مع استمرار الأنعطافة التركية اتجاه روسيا، والتهدئة في ملفات الشرق الاوسط وتعزيز العلاقات مع المحيط الاقليمي لتركيا، وسيكون ملف اردوغان الابرز هو ضبط التوتر الحادث مع القوى الغربية.