لكل السوريين

أزمة الزيت النباتي

عبد الكريم البليخ

تواجه الأسر السورية وضعاً اقتصادياً بالغ الصعوبة، إذ تتفاقم معاناتها بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الزيت النباتي، الذي يُعد من العناصر الأساسية لتحضير الطعام اليومي. في ظل تصاعد تكاليف المعيشة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية الأخرى، أصبحت هذه المادة شبه مستحيلة المنال بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، التي تعتمد على ميزانيات شهرية متواضعة لا تكفي لسد احتياجاتها الأساسية.

مع تجاوز أسعار الزيت النباتي حاجز 80 إلى 120 ألف ليرة سورية لليتر الواحد، أصبحت الأسر أمام خيارات صعبة، ما بين تقليل استهلاك الزيت إلى الحد الأدنى أو الاستغناء عن بعض الأطباق التقليدية التي تعتمد على استخدامه بكميات كبيرة.

لم تكن هذه الزيادة مجرد عبء مالي إضافي، بل غيرت بشكل جذري أنماط الحياة اليومية للأسر السورية. في المجتمعات الريفية والمدن على حد سواء، أصبح الزيت النباتي رفاهية لا يقدر عليها الكثيرون.

حتى في المناطق التي كانت تعتمد تاريخياً على زيت الزيتون المحلي، لم تكن الظروف أفضل. مع ارتفاع أسعار زيت الزيتون، أجبر الكثيرين على البحث عن بدائل أقل تكلفة، لكنها أيضاً لم تعد في متناول الجميع.

ارتفاع أسعار الزيت النباتي لم يؤثر فقط على المستهلكين، بل امتد إلى قطاع الأعمال والأسواق. تراجعت حركة البيع والشراء بشكل كبير، مع اكتفاء الكثير من الأسر بشراء كميات صغيرة جداً، بالكاد تغطي احتياجاتها اليومية. التجار الصغار يعانون من ركود الأسواق، حيث يواجهون صعوبة في تصريف بضائعهم بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى معظم الزبائن.

تعود أزمة الزيت النباتي إلى مجموعة من الأسباب المركبة. أولاً، تعتمد سوريا بشكل كبير على الاستيراد لتوفير هذه المادة الأساسية. مع تصاعد العقوبات الاقتصادية، وارتفاع تكاليف الشحن والنقل، باتت أسعار المواد المستوردة، بما فيها الزيت النباتي، ترتفع بشكل مستمر.

ثانيًا، تفشي التهريب في الأسواق المحلية نتيجة غياب الرقابة الفعالة، ما أدى إلى تدفق منتجات ذات جودة متدنية بأسعار مرتفعة. يضاف إلى ذلك غياب استراتيجيات حكومية واضحة لدعم الإنتاج المحلي أو تخفيف عبء الاستيراد عن التجار.

هذه الأزمة الاقتصادية لم تقتصر تداعياتها على الجانب المالي فقط، بل أثرت بشكل مباشر على الحياة الاجتماعية للأسر السورية. تزايدت الضغوط النفسية على الأسر التي أصبحت غير قادرة على توفير متطلبات أطفالها الأساسية. في بعض الحالات، لجأت الأسر إلى تخفيض عدد الوجبات اليومية، أو الاعتماد على أطعمة أقل تكلفة لكنها أقل جودة، ما يزيد من خطر سوء التغذية، خاصة بين الأطفال.

مع استمرار موجة الغلاء وغياب حلول ملموسة، تبقى الأسر السورية تواجه مصيرها بمفردها. لم تظهر حتى الآن أي مؤشرات تدل على وجود خطط حكومية فعالة للسيطرة على الأسعار، أو لتخفيف العبء عن الفئات الأكثر ضعفاً. رغم تصاعد الشكاوى والمطالب بإيجاد بدائل اقتصادية، تبقى الجهود المبذولة في هذا المجال متواضعة وغير كافية.

في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال مطروحاً: هل تستطيع الحكومة تقديم سياسات تسهم في كبح جماح الأسعار؟ وهل يمكن أن يكون هناك دعم حقيقي للأسر الفقيرة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة؟ الإجابة تبدو بعيدة المنال، ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة على مستوى السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

أزمة الزيت النباتي ليست مجرد قضية ارتفاع أسعار منتج واحد، بل هي جزء من مشهد اقتصادي عام يعكس عمق التدهور المعيشي في سوريا. مع غياب رؤية شاملة لحل هذه المشكلات، ستظل الأسر السورية تخوض صراعاً يومياً لتأمين احتياجاتها الأساسية، وسط مستقبل اقتصادي غامض يهدد بمزيد من التحديات.