لكل السوريين

بعد سقوط الأسد.. سوريون يفتحون أعينهم على انهيار سوريا، ويأملون بمستقبل أفضل

تقرير/ جمانة الخالد

بعد أكثر من عشرة أيام على سقوط نظام الأسد، بدأت ملامح الواقع الجديد تتكشف في العاصمة دمشق، المدينة التي لطالما كانت تعاني من شلل شبه كامل في الخدمات الأساسية تحت سيطرة النظام السوري وخاصة في السنوات الأخيرة.

اليوم، وبعد الانهيار المفاجئ للنظام، تواجه دمشق تحديات ضخمة تتمثل في استعادة أدنى مقومات الحياة اليومية، فقد انعكس انهيار المنظومة الإدارية والاقتصادية على قطاعات حيوية كانت تعاني الترهل كالمحروقات، والكهرباء، والرعاية الصحية، والنقل، والتعليم.

وما يزال الحصول على الاحتياجات اليومية في دمشق يشكل تحدياً مستمراً للأهالي، بدءاً من ارتفاع أسعار المحروقات، مروراً بأزمات الكهرباء وتراجع الخدمات الصحية، وصولاً إلى ارتفاع تكاليف النقل والخبز.

عند البدء بالنظر إلى وضع المحروقات في دمشق بعد سقوط النظام السوري والذي كان يشهد أزمات دائمة في ظل سيطرة حكومة النظام السوري؛ أفاد السكان بأن المازوت والبنزين متوفران حاليا، إلا أن بعض المناطق لا تزال تعاني من نقص في الإمدادات.

وأشاروا إلى أن البيع لم يعد يتم عبر نظام “البطاقة الذكية”، الذي يبدو أنه ألغي بشكل كامل، في حين أن أسعار المحروقات لم تشهد تغييرات كبيرة بالنسبة للفئة غير المشمولة بالدعم، والتي تمثل الشريحة الأكبر من المواطنين.

كما أكد بعض السكان وجود محطات وقود تقبل الدفع بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة السورية، وهو تطور كان يعتبر مستحيلاً في عهد النظام السابق، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011.

وكان السكان قد اعتادوا في السابق على وجود حد شهري للتعبئة، إذ لم يكن يسمح لهم بتجاوز كمية محددة من الليترات من المازوت أو البنزين. أما الآن، فأصبح بإمكانهم شراء المحروقات من محطات الوقود من دون أي قيود على الكميات.

وما يزال المازوت والبنزين يباعان على البسطات المنتشرة على الأرصفة، ويبلغ سعر اللتر نحو 22 ألف ليرة سورية ( ما يعادل 1.46 دولار أميركي).

في حين حدد ثمن تبديل إسطوانة الغاز بـ180 ألف ليرة إلا أنّ السعر يصل عند بعض المعتمدين إلى أكثر من 200 ألف ليرة سورية.

في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط النظام، شهدت العاصمة تحسناً ملحوظاً في واقع الكهرباء، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى ما كانت عليه، فقد أعيد تطبيق برامج التقنين المعتادة، مع تكرار الوعود بتحسين الأوضاع قريباً بمجرد وصول شحنات الفيول اللازمة لتشغيل محطات التوليد.

في المقابل، تغيب الكهرباء بشكل كامل عن بعض أحياء دمشق بسبب تعرض الأكبال الرئيسية للسرقة.

وكانت مناطق في أحياء العاصمة، تحظى بتغذية كهربائية مستمرة عبر الخطوط الذهبية، إلا أنها انضمت بعد سقوط النظام السوري إلى برنامج التقنين العام.

ويعزو سكان في هذه الأحياء سبب تراجع الكهرباء في تلك الأحياء إلى أنها كان يقيم فيها مسؤولون نافذون في النظام السابق، ويستغلون نفوذهم للضغط على شركة الكهرباء لتزويد مناطقهم بالطاقة بشكل مستمر. ومع انهيار النظام، فقدت هذه المناطق امتيازها لتصبح خاضعة لجدول التقنين كبقية الأحياء.

وفي الوقت ذاته، يؤكد معظم سكان العاصمة والمناطق المحيطة بها أن وضع الكهرباء تدهور بشكل أكبر بعد سقوط النظام، إذ باتت ساعات التقنين أطول وأعطال الشبكة أكثر تكراراً، ما أثقل كاهل الأهالي وزاد من اعتمادهم على وسائل بديلة باهظة الثمن لتأمين احتياجاتهم الأساسية من الطاقة.

على الرغم من التوتر الذي حصل ليلة سقوط النظام، إلا أن جميع المستشفيات الخاصة في دمشق استمرت في تقديم خدماتها دون توقف.

أما المستشفيات العامة، فكانت الخدمات سيئة بشكل واضح طوال السنوات الماضية إلا أنها تعرضت لانهيار مفاجئ ليلة سقوط النظام، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات في الساعات الأولى بعد سقوط النظام، تدعو أصحاب التخصصات الطبية للتوجه إلى المستشفيات لسد هذا العجز الكبير. حيث قدم أطباء أسنان وطالبات مدرسة التمريض، دعماً حيوياً للمشافي الحكومية.

كما أسهمت جمعيات المجتمع الأهلي ومتطوعون مدربون على الإسعافات الأولية في سد الفجوة. إضافة إلى ذلك، تطوع طلاب الدراسات الطبية للعمل كصيادلة لتلبية احتياجات المرضى.

وكان المدير الطبي لمشفى المواساة الجامعي قد قال إنّ انقطاع الاتصال وانتشار الفوضى في العاصمة أدى إلى تراجع عدد الممرضات في المستشفى إلى 10 فقط من أصل 800، مما شكل تحدياً كبيراً في تقديم الخدمات الصحية الأساسية.

إلى جانب نقص الكوادر، تواجه المستشفيات العامة عجزاً حاداً في المعدات الطبية، فضلاً عن انقطاع خدمات الطعام المقدمة للكوادر الطبية. لذا أطلق الأهالي مبادرات تمثلت في إعداد الطعام في المنازل ونقله إلى المستشفيات لدعم الأطباء والعاملين في الأيام الأولى التي أعقبت انهيار النظام.

توقفت حركة المواصلات بشكل كامل في اليوم الأول لسقوط النظام السوري، نتيجة لفقدان المازوت من محطات الوقود وتوقف عمليات نقل المخصصات إضافة إلى تخوف الأهالي من التحرك داخل العاصمة في ظل انتشار عمليات السرقة.

وخلال الأيام القليلة الماضية، عادت وسائل النقل تدريجياً إلى العمل بفضل توفر المحروقات في المحطات. ومع ذلك، شهدت أجور النقل ارتفاعاً كبيراً، فقد ارتفعت كلفة ركوب الحافلة الصغيرة (الميكروباص) من ألف ليرة إلى ما بين 4 و5 آلاف ليرة سورية. ويعود هذا الارتفاع إلى إيقاف جميع المخصصات المرتبطة بوسائل النقل.

لكن ارتفاع أجور النقل أدى في المقابل إلى تحفيز السائقين للعودة إلى العمل، نظراً للجدوى الاقتصادية الجديدة التي جعلت عملهم أكثر ربحية.

رفع أجور المواصلات بنسبة تصل إلى 350% أثّر بشكل كبير على الأهالي، فقد زادت كلفة التنقل اليومية بشكل يفوق قدرة العديد من الأسر، ما زاد من أعبائهم المعيشية في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى.

هذا الارتفاع الحاد أجبر البعض على تقليص استخدام وسائل النقل العامة أو البحث عن بدائل أقل كلفة.

ومع سقوط النظام، تخلص سكان دمشق من مشهد الطوابير الطويلة أمام الأفران، وذلك بفضل توفر الطحين الذي مكن الأفران من العمل لساعات أطول.

وفي حال حدوث تجمع للحصول على الخبز، بات من الملاحظ أن الأهالي يصطفون في طوابير منظمة للحصول على احتياجاتهم، وهو مشهد نادر الحدوث في الفترات السابقة، بسبب شح المادة وعشوائية تشغيل الأفران.

أما أسعار الخبز، فقد كانت ربطة الخبز تباع عبر البطاقة الذكية بـ400 ليرة سورية (7 أرغفة)، لكن مع سحب النظام السابق الدعم عن معظم السوريين، كان يضطر السكان إلى شراء الربطة بسعر 3000 ليرة خارج نطاق الدعم (وتشكل الفئة غير المدعومة الغالبية العظمى من السكان).

حالياً، ارتفع سعر الربطة إلى 4000 ليرة، مع زيادة عدد الأرغفة، ما يعني ارتفاع السعر بألف ليرة مقابل زيادة ملحوظة في الكمية.

توقف التعليم في جميع المدن السورية لمدة أسبوع عقب سقوط النظام، قبل أن يستأنف الدوام يوم الأحد الماضي، لكن سجلت نسبة غياب مرتفعة بين الطلاب في اليوم الأول، وسرعان ما بدأت تتحسن تدريجياً، وفقاً لما قاله مدرسون في مدارس ابتدائية في العاصمة دمشق.

ورغم استئناف العملية التعليمية، لا يزال الخوف على الأطفال من تداعيات الوضع الأمني يشكل هاجساً كبيراً لدى الأهالي، خاصة بعد انتشار أعمال سرقة وتجاوزات في العاصمة.

وفيما يتعلق بالمعاهد الخاصة، قرر العديد من الطلاب التوقف عن متابعة الدروس وسحبوا أموالهم المدفوعة. وأكد مدرسون في معاهد خاصة بدمشق أن التوتر في البلاد كان عاملاً أساسياً وراء هذا التراجع في الإقبال على التعليم الخاص والاحتفاظ بالأموال للاحتياجات الأكثر أهمية.

بالنسبة للإنترنت، شكلت خدمات الشبكة في دمشق مفاجأة غير سارة للسوريين الذين كانوا يقيمون خارج مناطق نظام الأسد وعادوا إلى العاصمة بعد سقوط النظام. فقد لمس هؤلاء العائدون فرقاً كبيراً في جودة الإنترنت، حيث كانوا في إدلب يعتمدون على خدمات “سيريا فون”، العاملة تحت إشراف حكومة الإنقاذ السورية، وقدموا خدمة إنترنت مقبولة نوعاً ما مقارنة بمعايير دمشق.

في العاصمة، الوضع مختلف تماماً، حيث يعتمد السكان على خدمات شركتي “سيريتل” و”إم تي إن”، والتي وصفها العائدون بأنها سيئة للغاية، خاصة إنترنت الهواتف المحمولة. وتعاني الشبكة من بطء شديد وتقطعات متكررة، مما يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات الأهالي.

وتتفاقم مشكلة الإنترنت بشكل خاص في أطراف دمشق، حيث تحدث سكان من تلك المناطق لموقع تلفزيون سوريا عن انعدام شبه كامل لتغطية الإنترنت في بعض الأحياء.

بعد توقف دام أكثر من أسبوع، عادت الصرافات الآلية للعمل في سوريا، فقد أعلن مصرف سوريا المركزي عن إعادة تشغيلها، مع إدخال خدمات الدفع الإلكتروني كجزء من التحديثات.

وأكد المصرف في بيان على فيس بوك أن الإجراءات المتبعة حالياً في إدارة العمليات المصرفية هي تدابير مؤقتة، تهدف إلى تيسير الخدمات في هذه المرحلة الانتقالية، موضحا أن هذه الإجراءات سترفع تدريجياً مع العمل على تطوير نظام خدمات مصرفية متكامل يلبي احتياجات العملاء بشكل أفضل في المستقبل.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد توثق ازدحامات كبيرة على الصرافات من قبل الأهالي في محاولة لسحب أجزاء من مدخراتهم التي بقيت لأكثر من أسبوع حبيسة البنوك من دون القدرة على سحبها.

ومعظم سكان دمشق أكدوا أنهم اعتادوا على الأزمات التي كانت تعصف بالعاصمة دمشق خلال سنوات سيطرة النظام، فقد أصبح التعايش مع نقص الخدمات والارتفاع المستمر في الأسعار جزءاً من حياتهم اليومية.

ومع ذلك، فإنهم يعربون عن أملهم في أن تكون هذه المرحلة الانتقالية بداية لنهاية هذه الأزمات، على أن يحصل السكان مبدئياً على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية بشكل جيد. ويرى السكان أن تحسن الأوضاع مرهون بتحقيق استقرار سياسي شامل في البلاد، مما قد يفتح الباب أمام إعادة الإعمار وتحسين الظروف المعيشية على المدى الطويل.