لكل السوريين

“أم فادي” وسيّارة “تاكسي” تُسيّرهما عجلةُ التحدّي!

السوري/ حماة ـ بصوتها الشجي الممزوج بالقوة والانكسار، وبنظرتها التي تحمل كل معاني الصبر والتحدّي، تروي “أم فادي” السوريّة، ٣٧ عاماً، تفاصيل رحلتها المتفرّدة في سبيل لقمة العيش، وهي التي لم تكن لتدري يوماً أنها ستُقِلّ صبرها وعنفوانها معها في سيارة “تاكسي” عمومي، في عمل قد يراه البعض غير مألوف في مجتمعنا، لكن “الظروف المريرة قد تجبرنا أن ننسى أنفسنا بهدف تأمين قوت اللقمة لأطفالك”.

هكذا بدأت أم فادي أول سائقة للتكسي في ريف حماة الشرقي قصة كفاحها قائلة: “بدأت رحلتي مع التاكسي بعد أن أصبحت المعيل الوحيد لأولادي عقب وفاة زوجي، علّمني والدي القيادة وهو سائق تاكسي عمومي، وكان له الفضل الأكبر في أن أكون شجاعة لدخول هذا المجال، ليصبح بعد فترة قليلة مصدر الرزق الوحيد لي”.

ثم تكمل تلك الأنثى التي أدهشت مَن حولها وحاولت بإصرار كسر احتكار الرجال لهذه المهنة الشاقة وتغيير نظرة المجتمع نحو عمل المرأة في جميع المجالات، لتستحق بجدارة لقب “ست بـ 100 رجل”: “بدأت العمل مع والدي على سيارة تاكسي بمدينة محردة، حتى أكسر حالة الرهبة في العمل الجديد، في وقت يُعتبر فيه خروجي بمفردي بالتاكسي لتوصيل الركاب، مخاطرة كبيرة، خاصة في ظل هذه الأوضاع”.

وأكدت “أم فادي”، أمّ لأربعة أبناء أكبرهم فادي في المرحلة الابتدائية، أن لوالدها الأثر الكبير في مواصلة عملها متابعة: “بعد عودتي من أول يوم لي في هذا العمل أخبرني والدي أنه فخور بي، هذه الكلمة التي كانت نقطة قوتي وعوني على متابعة العمل على التاكسي بكل تحدّي”.

وعن المصاعب التي قابلتها خلال عملها الجديد تحدثت “أم فادي” عن تعرضها لمضايقات كثيرة من السائقين في بداية عملها وصلت إلى حد التحرش اللفظي بسبب المنافسة على أسبقية تحميل الركاب، مضيفة: “الكل في البداية كان مستغرب من عملي بمهنة خاصة بالرجال واتهموني بمقاسمة رزقهم، ولكن بعد استقرار الحال تقبل الجميع الموضوع وبدأوا بمساعدتي عندما علموا بظروفي الصعبة”.

ومن جانبه، أعرب والد “أم فادي”، عن فخره بعمل ابنته، قائلاً: “العمل ليس عيباً، ولا يوجد لديّ فرق بين الولد والبنت في الشغل والعبرة بالكفاءة، والمرأة الأصيلة هي التي تبذل المستحيل للحفاظ على عائلتها وقت الأزمات”.

أمّا من وجهة نظر علم الاجتماع، أكدت أبحاث محلية أن المجتمع كان ينظر للمرأة ككائن رقيق ذي بنية ضعيفة لا تتناسب معها المهن الصعبة التي يتحملها الرجل، لكن النظرة تغيرت لصالح النساء منذ أعوام بعد إثباتهنّ جدارتهنّ في جميع المهن تقريباً.

ووصلت نسبة النساء العاملات في سوريا خلال سنوات الحرب الماضية إلى 60% بزيادة أكثر من 20% عمّا قبلها.

حيث عانت المرأة السورية الأمرّين خلال السنوات الماضية وإلى اليوم، بين مجتمع رافض ومحافظ، وظروف حرب قاسية، فرضا عليها في كل مرة واقع غير محبب صمدت أمامه بشجاعة فأصبحت العاملة والمعلمة والأم.

فأم فادي ليست الوحيدة التي أثبتت جدارتها في العمل بميادينٍ قرر مجتمعها يوماً ما أن تكون حكراً على الرجال، لكن يبقى لفجاجة الواقع وظروفه القاهرة كلمةٌ أخرى!

تقرير/ حكمت أسود