لكل السوريين

السريان والحضارة السريانية

محمد عزو

كان السريان يسمون بالآراميين، والتسمية حسب المصادر نسبة إلى آرام وهو يكون الابن الخامس لسام بن نوح الجد الأعلى لجميع الشعوب، التي يطلق عليها الشعوب السامية.

أما فيما يخص مصطلح السريان، فقد أطلقه المؤرخون اليونانيون على الآراميين بعد تركهم لعبادة الأوثان وتصديقهم للسيد المسيح عليه السلام، واعتناقهم للديانة المسيحية في القرنين الأول والثاني للميلاد.

وتاريخ السريان وتاريخ حضارتهم هو في مؤداه الأخير تاريخ الشعوب، التي نمت وتفاعلت وتقاتلت واندمجت وتقوقعت على هذه الأرض المشرقية، وهي حضارة ذهبت بعيداً حتى أقاصي الهند والصين وعمت فصائلها في العلوم والترجمة والمدرسة والمكتبات والتاريخ والجامعات والقيم الروحية، حتى قالوا إنك تجد أسفل كل حجر أثر سرياني.

والسريان هم الشعب السامي الثالث بعد الشعب الأموري والكنعاني، وقد دخل اسم سورية وسوريين والسريان على الآرامية قبل ولادة السيد المسيح عليه السلام وذلك في عهد السلوقيين الإغريق، وعطفاً على ما تم ذكره سابقاً نشير، إلى أنه أثناء ترجمة التوراة السبعينية للعهد القديم سنة280 ق.م قد استبدل المترجمون كلمة سورية بدلاً من إرام، وأخذ الاسم السوري يتغلب على الآرامي شيئاً فشيئاً، وانتشرت تسمية سوري مع توسع انتشار المسيحية على نحو ملحوظ حتى كادت تمحى التسمية الآرامية.

وتمسك الآراميون النصارى بتسمية السريان نسبة (إلى الرسل الذين بشروا باللغة السريانية، فتركوا اسمهم القديم “الآراميون” واتخذوا لهم اسما جديداً(السريان) ليتميزوا عن بني جنسهم الآراميين الوثنيين).

يبدو أن الآراميون قد انطلقوا من الصحراء بحدود عام/2000/ق. م باتجاه أعالي ما بين النهرين، حيث أنهم في بداية الأمر استقروا في “حران”، فأسسوا عدة ممالك مستقلة غير موحدة بين القرنين العاشر والحادي عشر ق.م، وقد دخلت هذه الممالك غير الموحدة في صراع مع الآشوريين والحيثيين والكنعانيين على الساحل، ثم مؤخراً مع العبرانيين، وفي نهاية المطاف تمكن الآشوريون من القضاء على معظم النفوذ السياسي للآراميين سنة /710ق.م/.

ورغم ذلك ظل النفوذ الثقافي والحضاري للآراميين قوياً، ولا سيما في الممالك الآرامية التي طلت حية مثل مملكة” الرها”، ومملكة” تدمر” في سورية ومملكة” الحضر” في العراق، ومملكة “الأنباط” في الأردن.

لقد طرح العلماء أفكار كثيرة حول تبديل التسمية من آراميين إلى سريان، وكما نوهنا سابقاً أن التسمية جاءت من لفظة سورية (Syria) الذي أطلقه الاغريق على بلاد الشام قديماً.

وقد اشتهر السريان بمدارسهم التي أسسوها في الأديرة والكنائس في المدن والقرى التي استوطنوها في كل من سورية والعراق، فكان لهم في العراق خمسين مدرسة علموا فيها علومهم السريانية والعلوم اليونانية، وكانت هذه المدارس مزودة بالمكتبات الخاصة بها، وكانت تحتوي على أشهر الكتب المترجمة في الفلسفة والأدب والشعر، وكتب أفلاطون وجالينوس وأرسطو وابقراط.

ولا شك أنه كان للسريان أثر طيب وبارز في نقل الثقافات السابقة وخاصة اليونانية إلى الفرس، ومن ثم ترجمة هذه الثقافة إلى العربية، ومن أهم المدارس السريانية نذكر مدارس دير باسوس والرها وطور عابدين ونصيبين، ودير مار زكا بالرقة وغيرها.