لكل السوريين

أودية “الرقة” الطبيعية خزان مائي كبير

محمد عزو

تصنّف “الرقة” ضمن المناطق الجافة أو شبه الجافة، وجاء هذا التصنيف تبعاً لمعدل الهطول المطري السنوي، الذي لا يتجاوز /150/مم في أغلب مناطق “الرقة” باستثناء منطقة الخط المطري الشمالية، وبذلك تصبح منطقة جنوب الفرات (الشامية) من “الرقة” أو أجزاء واسعة منها، جزءاً من “البادية” السورية، وضمن هذا التصنيف، لم يستطع قاطن “البادية” التأقلم مع بيئته؟ إلا جزئيا، ولا سيما بعد العناية بالبادية وما تحقق من سياسة التوطين، وخاصة إذا كانت المنطقة جافة، قليلة الأنهار والينابيع، كما هو حال منطقة “الرقة”، التي تقع معظم أراضيها في “البادية”، باستثناء الشريط الشمالي الضيق، وحتى الينابيع القليلة التي كانت تجري في أراضيها، جفت، وغاضت مياهها، وظلت المحافظة تعتمد في مصادر مياهها على نهر “الفرات” وحده.

عن علامات الحياة التي تختزنها الأودية في بادية “الرقة” نقول اشتهرت “الرقة” قديماً بالعديد من الأودية الهامة، وقد استخدمت هذه الأودية لمختلف الأغراض من قبل الإنسان الأول، الذي بنى حضارته على ضفاف الأنهار ومسارات الأودية، واستمر ذلك حتى أواخر نهوض الحضارة العربية الإسلامية، ومن أهمها الوادي “الحمر”، وادي “الفيض”، وادي “قره موخ”، “بوزيك”، وادي “الجلاب”، ويمكن القول أن هذا الوادي اصطناعي، وأودية “الطريفاوي”، ووادي “بئر محيسن”، ثم وادي “منكلان”، ووادي “العكلة” ووادي “الشراونة”، وادي “الجرنية”، وأخيراً وادي”الذئاب”، وكلها تقع في منطقة الجزيرة ولنقل المنطقة الجزرية.

واستفاد قاطنو هذه المنطقة من هذه الأودية عبر شق أقنية لنقل المياه وري الأراضي، وأقاموا عليها السكور، وأحياناً سدود سطحية.

أما أودية بادية “الشامية”، فقد كانت تقام عليها سدود تحصر المياه وتحولها إلى الحصون والمراقب القائمة فوق هضاب “البادية”، والمشرفة على سقي “الفرات”.

وتؤكد المصادر التاريخية أن العصرين الروماني – البيزنطي كانتا الفترة الذهبية لاستثمار مياه “البادية”، ونستدل على ذلك من بقايا الصهاريج الكبيرة المنتشرة في “البادية”، ومن خلال السدود السطحية التي أقيمت على مسارات الأودية، وانتشار الحصون والمراقب بجوارها، كحصون “العكيرشي” و”نخيلة” و”الجزلة”، التي ما زالت مياهها تتسرب من بين الصخور على شكل ينابيع، في معظم أيام السنة، وفي السنوات المطيرة تكون أكثر غزارة.

ولا شك أن الاهتمام بتطوير “البادية”، وتنمية مراعيها، سيسهم في تحسين الوضع الرعوي والمعيشي لسكان البادية، إلا أن الاهتمام بأودية البادية واستثمار آبارها ، لم يتم الاهتمام به لحينه، ولم يكن هناك مسعى لاستثمارها، مع أنها يمكن أن تغير حياة قاطني “البادية”، فيما لو استثمرت بالشكل الصحيح، لأن الاستفادة منها واستثمارها، يشكل أهم حصاد مائي في “البادية”، وأودية “البادية” تتنوع تبعاً لتضاريس المنطقة المحيطة، فمنها ما تنهض حافتاه عالياً كجدران من الصخر ويطلق عليها اسم “الشعب”، وهي عبارة عن انفراج بين جبلين، ومنها ما تتسع ضفافه تاركة مساحات خضراء واسعة تنمو فيها شجيرات “البادية”، وتبتعد حوافه العالية، وهذا ما يخصه أهل منطقتنا باسم “الوادي”.

ومن الأودية ما يجري في سهول واسعة، لذلك يتسع مجراها، ويتحدد بأجراف غير مرتفعة، كثيراً ما تتعرض للحت والتغيير، وفي حال الفيضان الواسع فإنها تغمر مساحات واسعة جداً من الأراضي والسهول المحيطة به، كما يحدث أحياناً في وادي “الخرار” في السنوات التي تشهد هطولاً مطرياً غزيراً، حيث يتحول الوادي إلى نهر حقيقي دافق، تهدر فيه المياه، غامرة الأراضي الزراعية على ضفتي الوادي في البادية، ومن شعاب البادية في “الرقة”، شعيب “محمد علي”، “الجزلة”، و”نخيلة”، ومن أشهر أوديتها الوادي “الكبير، الخرار، النهر، الجيري، ووادي رحوم”، وهذه الأودية تتنوع حسب طبيعة الأرض التي تمر بها.

فتضيق وتعلو إن كانت صخرية، وتتسع إن كانت ترابية أو رملية، واليوم ليس هناك من استثمار لهذه الأودية، فلا بد على الدولة حالياً من استثمار هذه الأودية وتلك الشعاب.