لكل السوريين

الاقتصاد وبعده السياسي في الأزمة السورية

حسن مصطفى

لا يختلف عاقلان على طبيعة العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، فهما مترابطان ويكمل كل منهما الآخر لأن أي نشاط اقتصادي هو ترجمة مادية لقرار سياسي، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا القرار السياسي مرتبط بالسياسة الداخلية أو الخارجية لبلدٍ ما، فقد يكون هذا القرار السياسي يخص قطاعاً خدمياً أو ثقافياً أو اجتماعياً أو اقتصاديا وربما عسكرياً.

وبالرغم من أهمية القرار السياسي إلا أن هذا القرار لا يمكنه أخذ مفاعيله وتأثيراته إذا لم يكن مرتكزاً على اسس وبنى اقتصادية قوية تسنده.

واليوم وفي ظل المتغيرات الهامة التي طرأت على الأزمة السورية مع تفعيل العقوبات المفروضة على الحكومة السورية جراء صدور قانون قيصر من جانب، ومن جانب آخر التحول المفاجئ في الرؤية تجاه مناطق الادارة الذاتية، والذي تمثل بدخول أولى الشركات النفطية المختصة بتطوير الحقول النفطية، وبمباركة من دوائر القرار الأمريكي، حيث تم ابرام اتفاق بهذا الخصوص مع الادارة الذاتية وهذا الأمر جرى إعلانه لوسائل الاعلام من قبل الجانب الأمريكي.

إن مثل هذا التطور الهام وإن كان ذو بعد اقتصادي في ظاهره إلا أنه يؤشر إلى تحول جدي وحقيقي في موقف الادارة الأمريكية تجاه منطقة شمال شرق سورية وإدارتها الذاتية، لأن مثل هكذا تطور يعني بداية لاعتراف سياسي بهذه الادارة التي استطاعت وبشهادة الأعداء قبل الأصدقاء وفي أصعب الظروف أن تثبت قدرتها على إدارة هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية من سورية وبنجاح، في ظل تحديات اقليمية ودولية خطيرة جعلت الكثيرين يراهنون وإبان الغزو التركي لشمال شرق سورية على انهيار الادارة وانفضاض شعوب المنطقة من حولها.

ومن المؤكد أن هذا الاعتراف السياسي لن يقتصر على الولايات المتحدة وحده، بل سيمتد ليشمل العديد من الدول التي تسير في الفلك الأمريكي، والتي تربطها بالولايات المتحدة علاقات تحالف أو شراكة اقتصادية أو سياسية إن جاز التعبير.

ومن الفهم العميق لمدلول هذا التحول في النظرة والموقف السياسي تجاه الادارة الذاتية في شمال شرق سورية وما يعنيه على أرض الواقع كترجمة سياسية هامة سيكون لها تأثير كبير على مستقبل المنطقة خاصة وسورية عامة، ندرك ونتفهم ردود الفعل المتشنجة والانفعالية والتي حملت معها بعض التهديدات المبطنة لمنطقة شمال شرق سورية، ومرد تلك الاتهامات والتهديدات هي الخشية من تطور تلك المواقف السياسية الدولية ونضجها تجاه منطقة الادارة الذاتية، بحيث تجد في هذه المنطقة النموذج الأنجح والأمثل الذي يجب أن يسود على امتداد الجغرافية السورية.

وبالتالي ستغدو احلام وتطلعات دعاة الحسم والقوة في مهب الريح، بعد أن أمسى من الماضي الذي لم يعد يتناسب وتطورات العصر ولا يتلاءم ويتوافق مع تطلعات وأهداف شعوب المنطقة التي قدمت الكثير والكثير من التضحيات على طريق تحقيق وبناء مستقبلها الجديد، مستقبل كل السوريين من سائر المكونات، حيث الأمان والاستقرار والعيش المشترك في ظل سيادة مبادئ العدالة والمساواة والحرية والكرامة الانسانية.