لكل السوريين

ظاهرة تهريب المخدرات تفتك بالجنوب السوري.. أرباح هائلة تحققها ميلشيات إيران، لبنان مصدر، وسوريا معبر

تعتبر ظاهرة انتشار تجارة الحشيش والمواد المخدرة، وتعاطيها والإدمان عليها، من أخطر الظواهر التي أفرزتها سنوات الحرب في مختلف أنحاء البلاد، وخاصة في الجنوب السوري. وصارت هذه الظاهرة تهدد المجتمع بشكل عام، ومستقبل وحياة الشباب بشكل خاص، وتفاقمت خطورتها بعد أن انتشرت بين المراهقين وفي الجامعات والمدارس بمراحلها المختلفة.

وفي ظل فوضى السلاح وحالة الفلتان الأمني السائدة، تتزايد هذه الظاهرة اتساعاً وخطورة وتساهم بانتشار الجريمة تحت تأثير المخدرات، إذ صار شبه مألوف أن ترى مجموعة من المراهقين المدمنين يتعابثون برمي القنابل الصوتية على بعضهم، وعلى المارة، أو يتبادلون رشقات الرصاص في الهواء وهو ما يهدد حياة الناس، ويزيد من توترهم الموجود أصلاً.

ولا تتوقف أضرار إدمان المخدرات على تدمير الوضع الصحي والنفسي للمدمن فقط، بل تتعدى ذلك إلى سلوكه العدواني على حياة وممتلكات الآخرين.

ترويج المخدرات

يعتمد تجار المخدرات أساليب متعددة لترويج بضائعهم المسمومة، فمنهم من يسوقها في بعض المقاهي والصالات المتعددة الأغراض والكافيتريات بالتنسيق مع أصحابها، حيث يتم وضع كميات قليلة من المادة المخدرة في “النرجيلة”،

ثم تتم زيادة هذه الكمية بالتدريج إلى أن يعتاد عليها المدخنون، ويستمرون في طلبها قبل أن يتحولوا إلى مدمنين.

ومنهم من يسوقها من خلال الأكشاك المنتشرة بشكل عشوائي في معظم الشوارع الرئيسية والفرعية بمختلف المدن والبلدات، حيث لا توجد تراخيص لهذه الأكشاك، ولا تخضع لأية رقابة من أي جهة حكومية أو أمنية.

ومنهم من يسعى لترويجها في أماكن تجمعات المراهقين الذين غالباً ما يدفعهم فضولهم إلى خوض التجربة، والاستمتاع بها قبل أن يقعوا فريسة الإدمان.

وفي المدارس تتضاعف الخطورة

ولكن الأكثر خطورة، والأشد فتكاً هو ترويج المخدرات في المدارس والجامعات، حيث يقدمها المروجون للطلاب مجاناً في البداية لتشغيلهم لاحقاً في مجال ترويجها مقابل إعطائهم جرعات مجانية، أو بسعر منخفض عندما يدمنون عليها.

وهذا ما أكده مدير مدرسة ثانوية في السويداء بعد الإمساك بخمسة طلاب يدخنون السجائر المحشوة بالحشيش في أحد مرافق المدرسة، وخلال تفتيش حقائبهم، وجد لديهم حبوب مخدرة وأقلام حبر مفرغة ومعبأة بالحشيش.

وكشفت التحقيقات الجنائية معهم عن رجل يأتي بسيارته كل صباح إلى مكان قريب من المدرسة، ويعطي الطلاب بعض الحبوب المخدرة والحشيش دون مقابل، بهدف تعاطيها، وترويجها بين زملائهم.

وفي مدارس البنات تم ضبط عدة حالات تؤكد على انتشار المخدرات بين الطالبات، حيث توزع الحبوب المخدرة على أنها حبوب مسكنة، إلى أن تتحول الطالبات إلى مدمنات يسهل استغلالهن في عمليات ترويج المخدرات، وبيعها.

تدمير للعقول.. وانتحار.. وجرائم 

يتزايد قلق سكان محافظة السويداء ودرعا، من ظاهرة تعاطي المخدرات التي باتت تهدد مستقبل أبنائهم، ويحاولون البحث عن حلول لتفادي خطورتها بعد أن تسببت في ضياع العديد منهم.

عن حالة الضياع يقول “سمير” وهو شاب في مقتبل العمر إنه يجتمع مع “ثلة من أصدقاء الكيف” بشكل دوري في منزل شرق مدينة السويداء يعود لأحد أفراد المجموعة التي تضم شباباً وفتيات ويدخنون الحشيش ويتعاطون الحبوب المخدرة.

ويضيف “أنا أدرك أننا في حالة ضياع، ولا نعلم إلى أين نمضي في التعاطي، وإلى أين ستوصلنا هذه العادات القاتلة والمدمرة للعقل والجسم”!

ويتحدث “أبو أحمد” عن انتحار ابنه الوحيد الذي يبلغ العشرين من عمره نتيجة لتعاطيه للحبوب المخدرة، ويقول “كان طالباً في كلية الاقتصاد بدمشق ويعزف على آلة البزق ببراعة، وفجأة بدأت تتغير تصرفاته معنا، ويتكرر غيابه الطويل عن المنزل، ويعود في حالة غير طبيعية، ويصبح عدوانياً في أجوبته إن سألناه ما بك”.

ويضيف “وجدت في جيبه كمية من الحبوب المخدرة، وحاولت البحث عن حلول”.

وقبل أن يجد الحل عاد ابنه إلى البيت مضطرباً، ودخل غرفته، وأقفل الباب خلفه، وبعد لحظات سمع والده صوت إطلاق نار داخل الغرفة، فخلع الباب ودخل ليجده غارقاً بدمه والمسدس إلى جواره.

وفي الصنمين بريف درعا، يعترف رجل بأنه قتل ابنة أخته الصغيرة تحت تأثير المخدرات لأن صوتها أزعجه، ودفنها في منزل مهجور، وغطى جثتها بكميات قليلة من التراب، وبقي أحد أطرافها ظاهراً ما ساعد على اكتشاف الجريمة.

محاولات خجولة للمكافحة

تقوم الجهات المختصة بين الحين والأخر بالتصدي لظاهرة تعاطي المخدرات، وتجارتها، وتنشر وسائل الإعلام المحلية عمليات ضبط المهربات والمهربين، وتعتبرها إنجازاً كبيراً.

وتحدثت هذه الوسائل قبل أيام عن إحباط عناصر فرع مكافحة المخدرات في درعا محاولة تهريب مواد مخدّرة من سوريا باتجاه الأردن.

وأعلنت وزارة الداخلية في بيان لها عن إلقاء القبض على شخص أثناء محاولته تهريب كمية من الحبوب المخدرة أثناء توجهه إلى الأردن على متن سيارة خاصّة على أوتوستراد دمشق ــ الأردن الدولي، “في وضح النهار وفي صندوق سيارته بدون إخفاء للمادة، وكانت تحتوي على 18.200 حبّة مخدرة”، حسب بيان الوزارة.

وفي الشهر الماضي ضبطت إدارة مكافحة المخدرات سبعة كيلوغرامات من مادة الحشيش المخدر في دمشق وألقت القبض على مروجيها وعلى شخص آخر يروج مادة الكوكائين.

وأوضحت وزارة الداخلية أنه بعد ورود معلومات حول قيام أشخاص بنقل مواد مخدرة من محافظة ريف دمشق إلى مدينة دمشق والمراقبة تمكنت إدارة مكافحة المخدرات من توقيف ثلاثة أشخاص على متن سيارة نوع بيجو في منطقة الصناعة بدمشق ومصادرة سبعة كيلوغرامات من مادة الحشيش المخدر وغرام من مادة الكوكائين المخدر وبندقية حربية ومسدس حربي مبينة أنه بالتحقيق معهم اعترفوا بحيازتهم المواد المخدرة وترويجها، حسب بيان الوزارة.

كما تمكنت الجهات المختصة في شهر كانون الثاني الماضي من إحباط أكبر محاولة تهريب مخدرات شهدتها مناطق الجنوب السوري، وضبطت شحنة ضخمة من المخدرات أثناء محاولة نقلها بواسطة سيارة شاحنة محملة بمادة البصل عبر الطريق الواصل بين محافظتي درعا والسويداء، وبلعت الشحنة التي تم ضبطها 1.5 طن من مادة الحشيش المخدر، وأكثر من نصف مليون حبة كتباغون، بحسب موقع الوزارة.

وعلى أهمية هذه العمليات إلّا أنها لا تتناسب مع سرعة تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات، وتجارتها، وعمليات تهريبها.

لبنان مصدر.. والجنوب السوري معبر

تتحدث مصادر عديدة عن وجود شبكات تهريب منظمة تنقل المواد المخدرة من الحدود اللبنانية إلى القصير في حمص ثم إلى ريف دمشق، ومنها إلى منطقة الَّلجاة في درعا، وهي المركز الرئيسي لتجارة المخدرات في الجنوب السوري، حيث يتم استلام الشحنات المخدرة فيها، وتوزيع قسم منها في مختلف مناطق الجنوب السوري، ويهرب الباقي عبر الحدود الأردنية.

وتذكر بعض المصادر أن عصابات التهريب في هذه المناطق ترتدي لباس الجيش خلال عملياتها، وتتهم عناصر من الفرقة الرابعة، وميليشيات تعمل لصالح إيران، بتسهيل عمل هذه العصابات خلال توزيع المواد المخدرة أو تهريبها، وتغطية عمليات نقلها إلى المنطقة عبر تزويدها بمهمات تمنع تفتيشها خلال مرورها على الحواجز العسكرية والأمنية.

وتتولى الميليشيات المنتشرة في الجنوب السوري، تهريب الشحنات القادمة من لبنان إلى دول الخليج والأردن وغيرها من الدول، بالاعتماد على مهربين محليين.

وتحقق هذه التجارة أرباحاً هائلة لهذه الميليشيات التي تدور في فلك إيران، ولعصابات التهريب المدعومة من قبلها.

وتتحدث مصادر من المنطقة عن وجود مراكز متخصصة بتصنيع حبوب “الكبتاغون “المخدرة، و”مكابس” خاصة لتصنيعها، في قرية خراب الشحم بريف درعا الجنوبي القريبة من الحدود الأردنية.

كما أن زراعة الحشيش في منطقة حوض اليرموك جعل المخدرات تنتشر بسرعة وبكثرة، وبأسعار منخفضة، وسهّل على عصابات التهريب المحلية تصنيعها وتوزيعها بأسعار زهيدة على الشباب في المحافظة، وعلى العناصر المتطوعة في صفوف النظام، وتهريبها إلى المدن والبلدات في درعا، والمحافظات الأخرى، ونقل الجزء الأكبر منها إلى منطقة قريبة من معبر نصيب الحدودي، لتهريبه إلى الأردن عبر السيارات التي تعمل على خط دمشق عمان.

وتتهم المصادر حزب الله اللبناني بالتورط في هذه العمليات لتمويل عملياته العسكرية وشراء الأسلحة.

تهريب بعلامات تجارية

يعمل المهربون أحياناً على تهريب المخدرات تحت أسماء شركات تجارية سورية معروفةـ

وفي نيسان الماضي، اكتشفت السعودية ملايين الأقراص المخدرة معبأة في علب المتة “خارطة الخضراء” التي تنتجها “مجموعة كبور الدولية”، لصاحبها رجل الأعمال السوري أديب كبور.

وتم اكتشاف أربعة أطنان من الحشيش المخدر مخبأة داخل علب الحليب “ميلك مان” الذي تنتجه إحدى شركات رامي مخلوف، في ميناء “بور سعيد” المصري.

ونفت مجموعة كبور مسؤوليتها عن العملية وقالت في بيان لها، إن “تهريب المواد المخدرة ضمن المنتجات الوطنية ذات السمعة العالمية يدمر سمعتها”، وطلبت من السلطات السورية الكشف عن الشبكات الضالعة في تصدير المخدرات، وقمع هذه الظاهرة التي تؤدي إلى تدمير سمعة المنتج الوطني.

كما نفى مخلوف مسؤوليته عن الشحنة التي صودرت في مصر، في بيان نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية.

وكانت أحدث الشحنات ذات المصدر السوري وأكبرها إلى إيطاليا، إذ أعلنت الشرطة الإيطالية، عن ضبط نحو 85 مليون حبة من أقراص “الأمفيتامين” المخدر قادمة من سوريا، ووصفتها بأنها “أكبر عملية مصادرة أمفيتامين على المستوى العالمي”، وقدرت سعرها بمليار يورو،

وكانت الشحنة مخفية في ثلاث حاويات تحوي أسطوانات ورقية للاستخدام الصناعي، وحمّلت الشرطة الإيطالية تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤولية الشحنة، بينما نفت صحف ووكالات أنباء أخرى عائديه الشحنة لـ “داعش”.

تحقيق/ لطفي توفيق