لكل السوريين

العثمانيون الجدد يقودون المنطقة إلى الهاوية.. والشمال السوري الضحية الأولى

التطورات المتسارعة في الشمال السوري، وفي ليبيا ومنطقة شرق المتوسط، تضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية بسبب استمرار تركيا بمحاولات التوسع على حساب الدول العربية تنفيذاً لحلم استعادة الإمبراطورية العثمانية البائدة، من خلال عودتها مجددا إلى البلدان والمناطق التي انسحبت منها بعد توقيع اتفاقية لوزان الثانية التي نظمت عملية تفكيك الإمبراطورية العثمانية، ورسمت حدود تركيا الحديثة.. وأكدت على تنازل الدولة التركية النهائي عن ادعاء أي حقوق سياسية ومالية، وأي حق سيادي، في الشام والعراق ومصر والسودان وليبيا وقبرص.

ولتنفيذ هذا الحلم احتل عرّاب العثمانية الجديدة رجب طيب أردوغان، مناطق من سوريا عبر عمليات عسكرية متلاحقة، وتحت مسميات مخادعة “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، ويسعى الآن إلى اقتطاع إدلب وما حولها، تحت ذريعة المنطقة الآمنة.

وقبل ذلك بسنوات أرسل قواته إلى العراق وتمركز جنوده في قاعدة بعشيقه قرب الموصل وجند منها مجموعات موالية له تحت اسم “قوات حماية نينوى” للمشاركة في الحرب تحت ذريعة إخراج قوات داعش من الموصل، وهدفه الفعلي السيطرة عليها.

وينشر الآن قواته في ليبيا، وبوارجه في البحر المتوسط، بموجب اتفاق مثير للجدل، مع حكومة فايز السراج في طرابلس، ويستفز القوى الإقليمية والدولية من خلال إعلان عن قرب عمليات التنقيب عن المشتقات النفطية، وهدفه الفعلي السيطرة على ليبيا وثرواتها.

التطورات في إدلب

يستمر الاحتلال التركي بتغيير الواقع في شمال غربي سوريا، وفرض واقع جديد يتناسب مع استمرار بقائه في إدلب والمنطقة المحيطة بها، وتنفيذ أطماعه التوسعية على حساب الأراضي السورية، وكل ما تقوم به قوات الاحتلال تحت مسميات المنطقة الآمنة، أو تأمين حدود تركيا، أو إيجاد مكان آمن لعودة اللاجئين السوريين، يؤكد النوايا التركية بهذا الاتجاه.

كما تؤكد ذلك تصريحات وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو، حول إعادة ترتيب قوات بلاده في إدلب بعد تحويلها إلى منطقة آمنة.

حيث قال أوغلو في لقاء له مع قناة “سي أن أن تورك”: من الممكن أن تجري ترتيبات جديدة حسب الوضع الجديد في المنطقة بعد إقامة المنطقة الآمنة هناك.

وتشير التعزيزات العسكرية التركية التي تصل إلى إدلب بشكل شبه يومي، والرسائل التي تمررها للجانب الروسي ومفادها أن المنطقة الآمنة ستتم بالطرق العسكرية إن لم تتم بالطرق السياسية، إلى أن الأتراك قد اتخذوا قرارهم باقتطاع جزء الأراضي السورية تحت ذريعة المنطقة الآمنة.

كما أن تزامن تصريحات الوزير التركي، مع زيارة قائد قوات حرس الحدود السوري إلى بلدة العريمة في الريف الشرقي لحلب على خط التماس مع القوات التركية والتنظيمات الموالية لها، يشير إلى أن الفاعلين في الشأن السوري يرغبون بتجميد الوضع على ما هو عليه لعدم تصعيد الخلافات بين تركيا روسيا في هذه القترة، فتركيا تتجنب الصدام مع روسيا، وموسكو لا ترغب في خسارة تركيا وقد تشابكت مصالحهما، وخلافاتهما، خاصة بعد الأوضاع المستجدة في ليبيا وشواطئها.

أطماع قديمة.. ومتجددة

الأطماع التركية في دول المنطقة ليست جديدة، ولم تبدأ مع الأحداث الجارية في سوريا، ففي عام 1939 استغلت تركيا الظروف الدولية المتوترة قبل بدء الحرب العالمية الثانية، واقدمت بالتعاون مع المستعمر الفرنسي على سلب لواء اسكندرون السوري، تحت ذريعة حماية الاقلية التركية المتواجدة فيه.

وفي عام ٢٠١٦ نشرت وسائل الاعلام التركية خريطة جديدة لتركيا تشمل الشريط الحدودي على طول الشمال السوري من حلب إلى مدينة كركوك العراقية، بما في ذلك مدينة الموصل،

وتزامن نشر هذه الخريطة مع حديث أردوغان عن ضرورة تعديل اتفاقية لوزان الثانية، التي جرى التوصل اليها بين مصطفى كمال اتاتورك والدول الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى بهزيمة دول المحور.

وقال أردوغان في خطاب ألقاه في ذكرى رحيل مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك “نتصدى للذين يحاولون تحديد تاريخ دولتنا وأمتنا بـ 90 عاما، يجب أن نتخذ كل أنواع التدابير بما فيها إعادة النظر في الكتب المدرسية، ابتداء من المدرسة الابتدائية”.

وأضاف: “إخواننا في القرم والقوقاز وحلب والموصل، يمكن أن يكونوا خارج حدودنا الطبيعية، لكنهم ضمن حدودنا العاطفية”.

ويبدو أن تركيا أردوغان، عازمة إعادة سيناريو احتلال مناطق جديدة تحت ذريعة حماية الاقلية التركية، كما حدث عندما ارسلت قواتها لاحتلال شمال قبرص عام 1974.

عمليات تتريك..  وتغيير ديمغرافي

بعد احتلال تركيا لمناطق في الشمال السوري بذريعة إبعاد القوات الكردية عنها، وإقامة مناطق آمنة فيها، مارست السلطات التركية عمليات تتريك شاملة في المدن والبلدات التي احتلتها، فغيرت الكتب المدرسية، وفرضت تدريس بعض المواد باللغة التركية، وأنشأت مدارس تدرس باللغة التركية فقط.

ورفعت العلم التركي معظم الدوائر الرسمية في هذه المدن، وغيرت أسماء الشوارع والميادين والمؤسسات العامة وأطلقت عليها أسماء تركية.

واستغلت الظروف القاسية التي تمر بها الليرة السورية لتغير وجه المنطقة في الشمال السوري، وتربطها بالاقتصاد التركي عن طريق فرض التعامل بالليرة التركية فيها.

وفرضت على المحلات التجارية في شمال غرب سوريا كتابة لافتات: التعامل أصبح بـالليرة التركية فقط، مما أثار غضب شريحة كبيرة من السكان في تلك المناطق.

كما أن إصرار تركيا على إعادة توطين أعداد من اللاجئين السوريين في هذه المناطق واستبدال سكانه بآخرين من الموالين لها، لتضمن استمرار نفوذها بعد انتهاء وجودها العسكري المباشر في الأراضي السورية، يؤكد رغبتها في تغيير البنية الديمغرافية فيها.

وفي محافظة إدلب تعمل تركيا على إلى استمرار إبقائها خاضعة للفصائل والتنظيمات السياسية والعسكرية التي تسير في فلكها ومعظمهم من غبر أبناء المحافظة.

من إدلب إلى سرت

تتصاعد التوترات في منطقة شرق المتوسط بعد أن قرر رجب طيب أردوغان اتخاذ اتفاقيته المثيرة للجدل مع حكومة الوفاق الليبية كذريعة لتنفيذ سياسته التوسعية وأطماعه الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط.

ويبدو الرئيس التركي مصراً على تثبيت أقدامه في ليبيا، ومن خلالها في المغرب العربي، وممارسة الضغط على خاصرة مصر، بعد أن نقل آلاف المسلحين المرتزقة، ودعمهم بالأسلحة والضباط وعناصر المخابرات التركية لاقتحام المناطق الخاضعة لسيطرة قوات خليفة حفتر.

ووصل الأمر به إلى استفزاز الفرنسيين عندما حذر سفينة حربية فرنسية تعمل ضمن مهمة الناتو لمنع وصول الأسلحة إلى ليبيا، من إطلاق النار عليها مقابل الشواطئ الليبية.

وكانت فرنسا قد اتهمت تركيا بالقيام بدور عدواني غير مقبول، وبخرق الحظر الأممي على تسليح ليبيا، وبزيادة وجودها البحري قبالة ساحلها، وهو ما يهدد جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، حسب وزارة الخارجية الفرنسية.

كما أعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن أي تدخل مباشر لبلاده في ليبيا بات شرعيا بعد التدخل التركي، وأعلن أن “سرت والجفرة خط أحمر”، وأكد على جاهزية القوات المصرية لمواجهة مخاطر التواجد التركي في ليبيا.

ورداً على المناورات العسكرية التركية قبالة سواحل ليبيا، أعلن الجيش المصري عن إجراء مناورات تحمل اسم “حسم2020” بما يحمله هذا الاسم دلالات لا يصعب فهمها.

معركة الغاز

تدفع تركيا بمنطقة شرق المتوسط إلى حافة الهاوية، عبر تعمدها استفزاز دول المنطقة بإجراءات تنقيب جديدة وفق اتفاقها مع حكومة الوفاق في طرابلس الليبية، حول ترسيم الحدود البحرية بما يمنحها حقوقاً في مناطق شاسعة في شرق المتوسط، إذ تستعد تركيا لإجراء تنقيبات جديدة في غضون شهور قليلة، حسب تصرح وزير الطاقة التركي فاتح دونماز الذي أكد أن تركيا تخطط لبدء عمليات تنقيب جديدة عن المشتقات النفطية في شرق البحر المتوسط.

وهو الأمر الذي قد يدفع إلى التحول من المواجهة الدبلوماسية إلى المواجهة العسكرية، في الصراع على حقول الغاز المكتشفة في مياه ليبيا وقبرص بالبحر الأبيض المتوسط، حيث يسعى أردوغان للاستئثار بها، بينما يسعى بوتين للحفاظ على حصة شركة غازبروم الروسية من هذه الحقول، كما يسعى ماكرون للحفاظ على حصة شركة النفط والغاز الفرنسية توتال.

ويبدو أن تحذيرات البلدين لتركيا قد استنفدت مفعولها، مع تعنت الرئيس التركي، وبحثه عن مواجهة خارجية جديدة، تعزز موقعه الداخلي على الصعيد الانتخابي.

الشمال السوري ضحية

الحرب التي تعصف بسورية منذ سنوات.. وتحول الأوضاع فيها إلى نزاع متشعب تعدد فيه اللاعبون داخل البلاد وخارجها، والتعقيدات المحيطة بالشأن السوري، وتداخل الملفات الإقليمية والدولية في سورية، وانخراط أطراف إقليمية لها مصالح في استمرار الصراع السوري، ولعبة شد الحبل بين روسيا والصين من ناحية، والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية  من ناحية أخرى، كل ذلك سيؤدي إلى تأخير الحل السياسي فيها، حيث يحاول كل طرف الاستفادة إلى أقصى حد من هذه الأوضاع لتحقيق مكاسبه الخاصة على حساب السوريين بشكل عام، والشمال السوري بشكل خاص.

كما أن الصفقات غير المعلنة بين اللاعبين الرئيسين على الساحة السورية، وتقاعس النظام عن التصدي للعدوان التركي على الأراضي السورية، سيؤدي إلى إطالة تواجد الكابوس العثماني في الشمال السوري بكل ما يمثله هذا التواجد من كوارث ومعاناة للشعب السوري في هذه المنطقة.

تقرير/ لطفي توفيق