لكل السوريين

محاكم الفصائل في إدلب …حُكم القويِّ على الضعيف

السوري/إدلب- في أواخر عام 2011 ومع ازدياد المناطق التي تخرج عن سيطرة الأسد كان لابد من البحث عن آلية لوضع حل لتلك الفوضى التي رافقت الثورة منذ بداياتها فكان لابد من خلق البديل لدور العدل في مناطق النظام لتكون النواة لحكم جديد بعيدًا عن المحسوبية والوساطة معتمدًا على العدل والمساواة، وحفظ حقوق وأملاك المواطنين.

تشكلت في أغلب المناطق محاكم اعتمدت على مبدأ الشرع الإسلامي قانونًا، وكل منطقة مدعومة بالفصيل المسيطر على تلك المنطقة، ومع مرور الوقت بدأت تأخذ تلك المحاكم دورًا هامًّا في تحقيق العدالة في تلك المناطق بالرغم من عدم توفر الكفاءات، وإقصاء كل من كان يعمل بهذا المجال في مكاتب النظام معتمدة بأحكامها على بعض النصوص الشرعية، وبعض الأحكام تأتي من القاضي باجتهاد شخصي، أو حسب أوامر من قائد الفصيل المسيطر. لاحقًا تطورت هذه المحاكم، ومسمياتها، وباتت تعرف بالمحاكم الشرعية تأكيدًا على تطبيقها لأحكام الشريعة الإسلامية، وقد بدأت اجتماعات، ومحاولات لتوحيد، وربط عمل تلك المحاكم، ولكن اختلاف سياسات الفصائل، واختلاف أقطاب الدعم حال دون التوحد.

في إدلب ومحيطها، ومنذ أواخر العام 2013 تشكلت محاكم سميت بمحاكم الهيئة الإسلامية موازيًا لتشكيل الجبهة الإسلامية مشكلة من عدة فصائل أبرزها أحرار الشام، والزنكي، وفيلق الشام، وقد تأسست وقتها إحدى عشر محكمة موزعة على مختلف المناطق في إدلب وريفها لتكون أول شكل من أشكال توحيد المحاكم، ولو بالحد الأدنى.

استمرت محاكم الهيئة الإسلامية للقضاء في عملها حتى عام 2017 بفعالية متفاوتة، ومع الكثير من الأخطاء التي تخلل عمل تلك المحاكم إلَّا أنَّها نجحت لحد ما بسد تلك الثغرة، وضبط الانفلات الأمني وقتها.

وفي أواخر العام 2017 تم الإعلان عن حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام، وعبر وزارة العدل بدأت بتنظيم عمل تلك المحاكم في المناطق التي تحت نفوذها، والتي كانت منتشرة بشكل واسع في إدلب، وأريافها ولها قوانينها الخاصة، ومرجعياتها القضائية والسلطوية.

جمال الشيخ عمر محام متمرس، ويعمل حاليًا في أروقة المحاكم مرافعًا أمام قضاتها يتحدث لصحيفة السوري عن عمل المحاكم في إدلب، ومرجعيتها القضائية إذ يقول: “إن شكل المحاكم اليوم اختلفت اختلافًا جذريًا عن المحاكم في الوقت السابق متماشية مع التغيير في السياسة التي تتبعها حكومة الإنقاذ، والتي تهدف بشكل، أو بآخر لإظهار نجاحها، وكسب الدعم، والتأييد الإقليمي”.

وأضاف: “إن حكومة الإنقاذ مدعومة ماليًا، وعسكريًا من هيئة تحرير الشام أي أن جميع الوزارات مسيطر عليها من قبل هذا الفصيل بحكم الدعم، وإن وزارة العدل، ورغم حساسيتها إلا أنها قولًا واحدًا مؤتمرة بأمر الجولاني، وقبضته الأمنية”.

وأردف الشيخ عمر: “هناك في المحرر ثماني محاكم بدائية متوزعة على المناطق تنظر في القضايا البدائية (معاملات-أحوال شحضية-جزائية) ومحكمة الجنايات المركزية(تنظر في القضايا الجنائية كالقتل، والحدود) ومحكمة الاستئناف المركزية (تنظر في القضايا المطعون فيها للاستئناف) وهناك محكمتان عسكريتان تختصان بالفصل، والنظر بالقضايا التي يكون فيها المدعى عليه عسكريًا مقاتلًا إضافة إلى المحاكم الإدارية التي تتولى النظر في الدعاوى الإدارية المرفوعة من قبل الهيئة.

وتعتمد هذه المحاكم على تحكيم الشرع الإسلامي، والفقه، ويقول الشيخ عمر أن تعيين القضاة في المحاكم التابعة للإنقاذ يتم بناء على الخبرة، والخضوع لدورات شرعية دون الأخذ بعين الاعتبار وجود المؤهل العلمي، ودون أن تخضع لأي قانون محدد، أو مرجعية بل تكون هذه الأحكام صادرة عن التشريع الإسلامي، وأجندات الهيئة، واجتهادات القاضي في بعض القضايا”.

أما الذراع التنفيذي المخول بتنفيذ الأحكام، وإجراءات التبليغ الخاصة بهذه المحاكم فهي وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ، واللافت للنظر والذي يعتبر نقلة نوعية في تاريخ المحاكم بالمحرر هو السماح للمحامين بمزاولة مهنتهم بالتوكل، والدفاع، ومتابعة قضايا موكليهم بعد أن كانت المحاكم السابقة تمنع هذا الأمر.

القاضي زياد الذي كان يعمل في محكمة معرة النعمان يتحدث عن صعوبات العمل في المناطق المحررة، وعن أبرز الصعوبات حدثنا قائلًا: “أبرز العقبات التي تعترض المحاكم في المحرر هي عدم استقلاليتها، وتدخل الفصائل العسكرية بعملها، وأن المحاكم كانت هدفًا للطيران الحربي الذي كان يتعمد المحاكم، والمشافي بشكل خاص لوجود تجمعات كبيرة كما حصل في عام 2016 حيث استهدف الطيران الحربي محكمة المعرة مما أدى لسقوط أكثر من خمسين قتيلًا، وعشرات الجرحى من الموقوفين، وعناصر المحكمة.

ابو أسعد من منطقة ريف أبو الظهور بدوره يرى أن القوانين في المحاكم الحالية لا تطبق إلا على الضعيف الذي لا يملك سندًا، وأن القوة الآن للذي عنده مقاتل بصفوف الهيئة، أو يملك مالًا ويشتكي ابو أسعد من حادثة اعتقال ولده من قبل عناصر قاطع البادية التابع لهيئة تحرير الشام والذي أدى لشلل نصفي بسبب عنف، وقساوة التحقيق دون تهمة محددة، وبناء على شكوى من أحد أصدقائه اتهمه بسرقة هاتفه اعتقل ولدي، وتوقف 6 أشهر، وعند إطلاق سراحه تفاجئنا بشلله، وعند الادعاء على القاطع لدى المحاكم العسكرية تفاجئنا بالتهديد من قبل المحقق الذي رفض تدوين الشكوى، واكتفى بقوله: “روحو من هون هلأ بتتوقفوا” نعم هذه المحاكم في ظل القبضة الأمنية.

لاشك أن بعض السكان استفادوا من وجود تلك المحاكم، ولكن الكثيرين هم مظلومين ويتعرضون للسلب باسم تلك المحاكم.

الاستاذ نزار مخلص معاملات، ويعمل في مجال الزراعة حيث كان له رأي آخر في إدارة المحرر، وقد حدثنا لصحيفة السوري عن أمر جدُ خطير، وظاهرة فريدة حيث قال: “يوجد في إدلب مكتب خاص بسلب أموال الناس باسم الغنائم، والذي يترأسه المدعو ابو خالد دركوشي هذا المكتب لا يمد للدين أو للإسلام بصلة، ولا يوجد سلطة تعلوا ابو خالد فهوا الحكم، وهو المنفذ وكل ما يهمه سلب أراضي الناس، وأرزاقهم بحجج واهية تعتمد على الكذب، والتدليس للسرقة فتارة يتهمون الشخص بالتشبيح لأن ولده عسكري عند النظام، وتارة أحد إخوته، أو أقربائه ضابطًا، أو عنصر أمن المهم السلب باسم الغنائم، وعندما تذهب لتشتكي يقال لك نحن لا سلطة لنا على ابو خالد اذهب، واشك همك لله.

إن التخبط، وعدم اعتماد القوانين الواضحة، والمعلنة، وإقصاء أصحاب الخبرة، والاختصاص القانوني لصالح المشايخ، والشرعيين الجدد ستكون له تداعيات كبيرة على مستقبل حياة الفرد من الناحية الاجتماعية، وستزيد من البغضاء، والكره وحالات القتل، وتصفية الحسابات لأنَّ العدل أساس الملك.

تقرير/ عباس إدلبي