لكل السوريين

المرأة ….. بشر أم سلعة ؟

المرأة مانحة الحياة ونصف المجتمع في كافة مراحل التطور البشري منذ نشوء المجموعات البشرية الأولى (الكلانات) مثلها مثل كل الكائنات الحية المتواجدة في الكون. وبما أنها مانحة الحياة كانت نواة لكل التجمعات البشرية التي تشكلت وصولاً إلى المجتمع البشري المستقر الأول في العصر النيوليتي (المجتمع المشاعي) حيث الإنتقال من الصيد والقطاف إلى الزراعة وتربية الماشية، وعندما تحقق المجتمع المستقر، كانت المرأة تتمتع بمكانة مرموقة وقدسية وصلت لمرتبة الألوهية كونها مانحة الحياة، ومحققة الاستقرار من خلال تطوير الزراعة وتدجين الحيوانات، ولكن عندما تطور فائض الإنتاج والقيمة مالت الكفة لصالح الذهنية الذكورية التي قامت بتطوير إحتكار السلطة والثروة.

العلاقة بين الجنسين تطورت حسب المراحل التاريخية التي مرت على البشرية والذهنية التي حكمت المجتمعات المختلفة ولكن التطور أو التغيير الذي حدث عبر تلك المراحل لم يكن لصالح المرأة. فمن طبيعة المرأة وتكوينها أنها تميل إلى السلام والإستقرار وحب المجتمع والعطف على أفراد الأسرة والمجتمع، بينما الذهنية الذكورية التي تطورت مع إحتكار السلطة والثروة كانت عكس ذلك تماماً. فقامت بتجريد المرأة من قدسيتها بما فيها الألوهية، فأصبح المجتمع محكوماً من طرف الملوك الآلهة، ثم استولت هذه الذهنية على فائض الإنتاج والقيمة وقامت بتطوير وسائل وأساليب القتال ودخلت في نزاعات وحروب مع الإحتكارات الأخرى في حروب الإ ستيلاء على الثروة وتوسيع النفوذ، وأسست لنظام ذكوري على شكل دول وإمارات وحكومات متنازعة وصولاً إلى يومنا الراهن.

لقد تحولت المرأة إلى سلعة تدريجياً في ظل حكم الذهنية الذكورية التي باتت تتحكم بالمجتمع والمرأة، فأحياناً يتعامل معها كطير جميل ويحبسها في قفص، أو يستخدمها كوسيلة للمتعة، أو كمفرخة لإنجاب الأطفال، أو حتى سلعة للإتجار بها كوسيلة لكسب الثروة وخاصة في حروب النزاع على السلطة والثروة. بينما المرأة ذاتها فلا حول ولا قوة لها، مستسلمة لما تقرره الذهنية الذكورية، وحتى بعض النسوة اللواتي ظهرن في التاريخ كفاعلات أو حاكمات أو ملكات فقد كن ضمن الحدود التي تسمح بها الذهنية الحاكمة وتعمل حسب المعايير التي تضعها الذهنية الذكورية، أي أنها كانت بعيدة عن العمل حسب معايير طبيعة المرأة المسالمة المائلة إلى الاستقرار والعدالة.

التعامل مع المراة في المجتمعات البشرية اختلف حسب نسبة تحكم وتسلط الذهنية الذكورية في كل مجتمع. فكلما زادت هيمنة وتحكم الذهنية الذكورية زاد القمع والإضطهاد والظلم على المرأة، فقد وصل الإضطهاد إلى درجة رؤية المرأة عاراً يجب التخلص منها، فمنهم من وأدها ومنهم من قتلها، وإذا أرادوا تحقير شخص ما نسبوه إلى أمه، إلى درجة أن بعض الذكور رأوا أن ذكر اسم أمهم أو أختهم عورة يجب عدم ذكره. أما المرأة ذاتها فقد باتت أسيرة لدى الرؤية الذكورية ترى نفسها من كماليات المجتمع، وقد خلقها الخالق لأجل خدمة وإمتاع الرجل ولتكون مفرخة لإستمرار سلالته، فباتت تفعل كل شيء بما في ذلك تجميل نفسها لتحظى برضى وإعجاب الرجل ولا شيء سوى ذلك، لدرجة أن أكبر طموح لدى بعضهن أن تكون كالرجل أي التسلط والحكم كما يحكم الرجل بعيداً عن روح وطبيعة المرأة وخصوصياتها الإنسانية.

هذه الأطوار التي مرت على البشرية تركت بصماتها على المجتمعات والمرأة بشكل خاص، وبقيت رواسب تلك الأحقاب عالقة بالمجتمعات والأقراد بشكل أو بآخر، وباتت لا تتناسب مع التطور الذي حققته البشرية في الزمن الراهن، وإذا كانت هناك أخطاء لا تتناسب مع أعراف وتقاليد المجتمع فذلك نابع من تخلف المجتمعات ومدى إرتباطها بالتقاليد البالية الموروثة، ويجب تخليص المجتمعات منها. فإذا كانت بعض العائلات تقوم بقتل طفلة لم تبلغ سن الرشد بسبب تهورها أو مخالفة الأعراف السائدة، فكامل المجتمع يتحمل مسؤولية هذه الجريمة التي هي نتيجة للعلاقات الاجتماعية غير السوية، فعندما ترغم الأسرة طفلتها على الزواج من شخص لا ترتاح إليه لايحاسبها أحد، ولكن عندما تقيم تلك الطفلة علاقة مع شخص متهور مثلها تقوم الأسرة بقتلها !!!. بل يتباهى بعض رجال تلك الأسر فخراً بغسل العار الذي لحق بهم، بينما العار الأكبر هو هذا الجهل الذي يتمرغون فيه، وفرض الإستعباد على نصف المجتمع دون العمل على توعية الفرد ومنحه حرية الرأي والإختيار وتقرير المصير، وتربية الأجيال على القيم النبيلة التي ترفع من شأن المجتمع وتؤسس لعلاقات إجتماعية سليمة تعتمد المساواة بين الجنسين، وتناول المشاكل والأحداث لحلها من جذورها وليس النتائج فقط.