لكل السوريين

إدلب.. بين مطرقة النظام وسندان تركيا

حين نتحدث عن سوريا وعن الأزمة أو الثورة أو الحراك الثوري  سمِّها ما شئت لا بدَّ من  أنْ يكون لإدلب حصة الأسد في هذا الحديث،  إدلب التي  تحولت إلى سوريا مصغرة بكلِّ ما فيها من تناقضات و صراعات وقضايا .

في البداية سأذكر النقطة الأساسية التي ساقت إدلب لهذا المصير، فبالعودة إلى بعض الأحداث الرئيسية  والمرتبطة بالصراع المسلح بين فصائل المعارضة وقوات النظام والمليشيات الداعمة له نجد أنَّ إدارة هذا الصراع أخذت شكلاً مختلفاً بعد التدخل الروسي المباشر واشتراك طيرانها في العمليات القتالية ، والنقطة الأساسية التي غيَّرت الأحداث  على الأرض هي حادثة إسقاط الطائرة الروسية سو ٢٤ عام  ٢٠١٥ من قبل تركيا  والذي أدّى إلى أزمة دولية كبيرة بين الجانبين وفرض عقوبات روسية على تركيا ومطالبتها بالاعتذار، و المفاجأة التي حصلت هي التحول في الموقف التركي فبعد حوالي ستة أشهر من الحادثة قدَّمت تركيا اعتذاراً رسمياً لروسيا عن الحادثة  فأردوغان الذي قال لن تعتذر تركيا عن إسقاط الطائرة قدم الاعتذار بنفسه، وبغض النظر عن الأسباب التي قادت إلى هذا الاعتذار نجد حدوث تحول مفاجئ في العلاقات التركية الروسية في ما يخص الملف السوري وهذا التحول بدوره غير السياسة الروسية في إدارة الصراع المسلح مع فصائل المعارضة على الأرض ليأخذ شكلاً مختلفاً، فبعد حملة عنيفة من القصف والحصار للمنطقة المستهدفة من قبل الطيران الروسي وقوات النظام  تبدأ المفاوضات، حيث يلعب الجانب التركي دور الوسيط والضامن في هذه المفاوضات، لتفضي العملية في النهاية إلى إجبار الفصائل على النزوح والتهجير تجاه إدلب ليشهد عام ٢٠١٦ أكبر عمليات التهجير لفصائل المعارضة مع عوائلهم، وحتى المدنيين المتخوفين من الاعتقال وعمليات الانتقام من قبل المليشيات الموالية للنظام، ودائماً كانت الوجهة إدلب والوسيط تركيا وقطر، وكلّ هذا بإشراف دولي من قبل فرق تابعة للأمم المتحدة حيث بدأت عمليات التهجير من داريا تلاها قدسيا والهامة ثم المعضمية وخان الشيح وزاكية والتل لينتهي عام ٢٠١٦ في حلب بتهجير نحو خمسين ألف مدني بينهم سبعة آلاف مسلح.

وفي عام ٢٠١٧ تم تطبيق ما سمي اتفاق المدن الأربعة (الزبداني ومضايا – كفريا والفوعة) والذي كان حزب الله شريكاً به وتم خلاله إخراج أهالي كفريا والفوعة إلى ريف دمشق وتهجير أهالي الزبداني ومضايا إلى إدلب.

والحصيلة النهائية تجميع أكبر عدد من مقاتلي المعارضة في إدلب المحاذية لتركيا، وكأنَّ المقصود من ذلك تسليم دفة قيادة المعارضة للجانب التركي، وهذا بالفعل ما حصل حيث بدأت تركيا ومن خلال التنظيمات التابعة لها “الإخوان المسلمين” و “هيئة تحرير الشام” ( جبهة النصرة) بإعادة هيكلة فصائل المعارضة، وتحييد الرافضين لسياساتها، وسحب سلاحهم أو مهاجمتهم بشكل مباشر من قبل جبهة النصرة، بالنتيجة سيطرت تركيا على فصائل المعارضة السورية ، والتي بدورها تحولت إلى مرتزقة مأجورة تديرها أجهزة المخابرات التركية، ليبدأ بعدها شكل آخر من التنسيق التركي الروسي  في ما  سمي مسار أستانة وذلك بمشاركة إيران الحليف الأول للنظام السوري.

فمن خلال مؤتمرات أستانا أصبح يدار الصراع، ويتبادل الرعاة المصالح، و المناطق ، وكلّ شيء في أستانا قابل للتفاوض.

والحصيلة النهائية تحول سوريا إلى كعكة يتم تقسيمها والتهامها كلٌّ حسب نهمه وقدرته، فمن خلال أستانا سمحت روسيا للفصائل التي تعتبرها إرهابية أنْ تحتل عفرين في مشهد كارثي أليم وبالمقابل تم تسليم  الغوطة للنظام وإخراج المعارضة تجاه إدلب ، لتتوالى كوارث أستانا على المشهد السوري، ويتسع نطاقها لتبحث قضايا ليبيا وأوكرانيا واذربيجان، بالنتيجة تحول التقارب التركي الروسي إلى كارثة حقيقية على آمال السورين الأحرار، هذا انعكس بصورة واضحة في إدلب التي تم تحويلها إلى ساحة صراع وتصفية حسابات، وتسليمها للمرتزقة التابعين لتركيا ليدفع أهلها فاتورة باهظة فيما بات يعرف هناك مسرحيات معارك الاستلام والتسليم التي اديرت من خلال ما تمَّ التفاوض عليه في أستانا، لتسلم بموجب هذه المفاوضات مناطق واسعة للنظام السوري دون أدنى مقاومة من فصائل المعارضة، وتحت إشراف ورقابة النقاط العسكرية التركية المنتشرة هناك ، تاركين أهالي هذه المناطق يواجهون مصيرهم المحتوم، ممّا أدى إلى تحول إدلب إلى مخيم كبير منتشر على الحدود التركية ينتظر قاطنيه المساعدات والاعانات من الخارج بعد أنْ تركوا بيوتهم و أرزاقهم ونزحوا، وما زاد الطين بلَّة في إدلب وقوعها على تقاطع أهم طريقين دوليين في سوريا وهما m5   و m4   وهذان الطريقان كانا محور المفاوضات التركية الروسية  حيث يطمح الطرفان إلى إعادة فتح الطرق التجارية الدولية من خلال هذين الطريقين تجاه الدول العربية، بالمحصلة ستمر قوافل هذه التجارة فوق جسد إدلب الذي مزقته ضربات النظام وروسيا بعد أنْ تحولت تركيا والتي تعتبر المتنفس الوحيد لإدلب إلى سندان لهذه الضربات، و أصبحت الضامن للمصالح المشتركة مع النظام وروسيا وإيران على حساب قضايا الشعب السوري.