لكل السوريين

الهجوم الإسرائيلي ضد إيران يُنذر بحرب شاملة في الشرق الأوسط

مثلت الضربة الجوية الواسعة التي نفذتها إسرائيل ضد منشآت نووية وعسكرية داخل إيران تحولاً استراتيجياً في مسار الصراع بين الطرفين، وسط مخاوف من انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة قد تعيد رسم توازنات القوى الإقليمية. الهجوم الذي استهدف مواقع يُعتقد أنها تشارك في تطوير القدرات النووية، أثار جدلاً واسعاً حول توقيته ودوافعه، في ظل رد إيراني محدود لم يرتقِ إلى مستوى التصعيد الإسرائيلي.

واعتبرت تطورات الساعات الأخيرة نقطة مفصلية في الملف النووي الإيراني، بعد أن تجاوزت إسرائيل حدود التهديد إلى التنفيذ العسكري المباشر، مستفيدة من واقع سياسي وأمني متغير على المستويين الإقليمي والدولي. العمليات استهدفت مواقع استراتيجية، من بينها منشآت تخصيب ومراكز أبحاث وأنظمة دفاع جوي، وأحدثت أضراراً ملموسة في البنية التحتية العسكرية الإيرانية.

وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتنفيذ الهجوم بعد فترة طويلة من التلويح بالخطر الإيراني، في ظل تقارير تحدثت عن إخفاق طهران في الالتزام بتعهداتها النووية. العملية جاءت بعد انتهاء مهلة أعطيت لإيران من أجل العودة إلى المفاوضات، في مؤشر على أن الخيار العسكري أصبح أداة للضغط السياسي. الهجوم ارتبط أيضاً بسياق متصل من التنسيق غير المُعلن مع قوى دولية فاعلة، رغم التصريحات الرسمية التي نفت أي مشاركة مباشرة.

ولم يكن توقيت العملية منفصلاً عن الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل، إذ جاء في وقت تواجه فيه الحكومة انتقادات متزايدة على خلفية ملفات فساد وأداء الحرب المستمرة في غزة. ورغم نجاح العملية في تحقيق صدى سياسي وإعلامي، تبقى تأثيراتها السياسية الداخلية غير محسومة.

والعملية العسكرية الإسرائيلية لم تكن ضربة تكتيكية محدودة، بل بدت كجزء من حملة منهجية تستهدف إضعاف القدرات النووية والعسكرية الإيرانية على المدى البعيد. المواقع التي جرى استهدافها شملت منشآت حيوية ومخازن أسلحة دقيقة ومقار قيادة، مما يعكس توجهاً واضحاً نحو فرض وقائع جديدة في الميدان، بعيداً عن منطق الردع المتبادل.

أما الرد الإيراني الذي أعقب الضربة تمثل بإطلاق عدد من الصواريخ باتجاه العمق الإسرائيلي، بعضها سقط في محيط تل أبيب، دون أن يُحدث أضراراً كبيرة. رغم نبرة التصعيد في الخطابات الرسمية الإيرانية، إلا أن طبيعة الرد الميداني عكست حسابات دقيقة لتفادي توسع رقعة المواجهة. التصريحات الرسمية ركّزت على “الاحتفاظ بحق الرد”، لكنها لم تترجم إلى تصعيد واسع النطاق، وهو ما اعتُبر إشارة على حرص طهران على احتواء التصعيد وعدم الانجرار إلى حرب مفتوحة.

ورسخ الهجوم الإسرائيلي من جديد تفوّق إسرائيل في المجالين العسكري والاستخباراتي، وأظهر أن إيران، رغم تعاظم قدراتها، ما تزال عاجزة عن خوض حرب تقليدية واسعة مع خصم يملك تفوقاً جوياً وتقنياً كبيراً. الفجوة في موازين القوى أضعفت من قدرة إيران على فرض معادلة ردع متكافئة، ما يفتح المجال أمام مزيد من الضغوط السياسية والعسكرية خلال الفترة القادمة.

كما بدت المواقف الدولية منقسمة، حيث أبدت بعض القوى الغربية تفهماً لما وُصف بـ”حق الدفاع عن النفس”، بينما اتسم موقف قوى أخرى بالتحفظ والدعوة إلى التهدئة. في المقابل، لم تُسجّل تحركات حاسمة في مجلس الأمن الدولي، ما يعكس تردداً في تحويل التصعيد إلى ملف دولي فاعل حتى اللحظة.

وتُجمع التحليلات على أن الضربة الإسرائيلية قد تكون بداية لتحول أكبر في المشهد الإقليمي، وربما مقدمة لصدامات أوسع إذا لم يتم احتواؤها سياسياً. ما جرى لا يُختزل في كونه عملية عسكرية ناجحة، بل يندرج في إطار إعادة رسم معادلات الردع، وقد يؤدي إلى فتح أبواب مرحلة جديدة من الصراع، في ظل غياب أفق تفاوضي واضح بين الطرفين. الأيام القادمة ستكشف ما إذا كان الطرفان سيختاران التصعيد، أو سيتجهان إلى جولة جديدة من التهدئة الهشة.