لكل السوريين

سوريون يعودون إلى منازلهم… ليواجهوا الأنقاض والموت الصامت

تقرير/ بسام الحمد

في مشهد يعكس مفارقة موجعة، يعود آلاف السوريين إلى مدنهم وقراهم في ريفَي حمص وحماة الشمالي بعد سنوات من النزوح، لكنهم لا يجدون سوى منازل مهدمة، وبنى تحتية مدمرة، وخدمات معدومة، وسط مخاطر حقيقية تهدد حياتهم. فالقصف الذي طال المنطقة لسنوات خلّف دماراً واسعاً، وأدى إلى انهيار آلاف المنازل كلياً أو جزئياً، فيما يعاني العائدون من غياب التقييم الهندسي والمساعدة التقنية في ترميم ما تبقى من مساكنهم، ما أدى إلى سقوط ضحايا جراء انهيارات مفاجئة خلال محاولات إصلاح عشوائية.

وأوضح سكان أن “الأهالي باشروا عمليات الترميم والإصلاح للمنازل غير المنهارة بالكامل بالاعتماد على مشاهداتهم فحسب، من دون اللجوء إلى جهات متخصّصة في التقييم، وتوفي شاب كان يعمل في الهدم جراء انهيار أحد المنازل”.

تابع: “عدنا إلى المنزل أخيراً ورممناه بجهدنا الخاص، ثم بدأت لجنة متخصّصة مركزها في مدينة خان شيخون بالريف الجنوبي لإدلب في العمل، لكن معظم العائدين لا يهتمون بتقييم منازلهم قبل ترميمها حتى تلك القابلة للانهيار”.

وأظهر مسح أُجري على أكثر من 100 عائد، أن ما يقارب نصف المشاركين قالوا إن منازلهم “مدمرة بالكامل أو غير صالحة للسكن”، بينما أفاد 40% منهم بأنهم “لا يملكون منزلًا أو إثبات ملكية”. وكانت الأوضاع أشد سوءًا في ريف حماة، حيث قال نحو 70% من المشاركين إن منازلهم تعرضت للدمار.

ونقل التقرير عن سكان محليين في حماة وحمص ودمشق قولهم إن البعض “يعودون إلى منازلهم ليُصدموا بما يجدونه ويقرروا المغادرة مجددًا”. وسُجّلت حادثة وفاة امرأة جرّاء انهيار سقف متضرر أثناء محاولتها تنظيف منزلها، في حين اشتكى آخرون من غياب الرعاية الطبية ومخاطر الذخائر غير المنفجرة.

وفي محافظات أخرى مثل حلب، حمص، درعا، وريف دمشق، عبّر المشاركون عن معاناتهم في الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والتعليم. ونقلت الدراسة عن عائلة عائدة إلى إدلب أنها اضطرت للعودة إلى مكان نزوحها بعد أن اكتشفت انعدام الكهرباء في منطقتها الأصلية.

وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد أفادت بأنها سجلت انخفاضًا طفيفًا في عدد النازحين داخليًا، حيث بلغ في نيسان/أبريل نحو 6.6 مليون شخص، مقارنة بـ6.7 مليون في آذار/مارس الماضي.

كما أوضحت الدولية للهجرة أن الفترة الممتدة منذ كانون الثاني/يناير 2024 وحتى اليوم، شهدت عودة أكثر من 1.3 مليون نازح داخلي، إلى جانب نحو 730 ألف وافد من الخارج.

ومع إعادة تثبيت وجودها في دمشق، أكدت الدولية للهجرة أنها تسعى إلى “تلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية واحتياجات التعافي، وتعزيز بيئة مواتية لعمليات العودة السلمية والطوعية والمستدامة”.

وتشمل هذه التدخلات “إعادة تأهيل المساكن، وتوزيع مواد الإغاثة المنقذة للحياة، وتوسيع قاعدة بيانات سجلات الملكية لدعم التوثيق الآمن، ورد الحقوق، وتسوية المنازعات”، بما يخدم مصلحة السكان النازحين والعائدين في عموم المناطق السورية.

وسلّط “المجلس النرويجي للاجئين” الضوء على التحديات المتفاقمة التي يواجهها السوريون العائدون إلى مجتمعاتهم بعد سنوات من النزوح، محذرًا من أن غياب الخدمات الأساسية وتدمير البنية التحتية يهدد بإجهاض فرص التعافي ما لم يتم التحرك بجدية لتوسيع الدعم الدولي.

ووفقًا لبحث ميداني أجراه المجلس في عدد من المحافظات، فإن أبرز التحديات التي تواجه العائدين تشمل “الدمار واسع النطاق، وانعدام الأمن، ونقص الخدمات وفرص العمل، وتدهور التعليم، وعدم توفر وثائق ملكية، إلى جانب العديد من التحديات القانونية الأخرى”.

واعتبر المجلس النرويجي أن هذه العوامل أسهمت منذ وقت طويل في إطالة معاناة السكان، وسط تباطؤ في جهود إعادة البناء ونقص مزمن في التمويل.

وفي هذا السياق، قالت مديرة مكتب استجابة المجلس النرويجي للاجئين في سوريا، جولي فيبس: “لدينا فرصة حاسمة لتغيير هذا الواقع، للانتقال من الأقوال إلى الأفعال، ودعم السوريين في تمهيد الطريق نحو مستقبل أفضل”.

وأضافت “يعود الكثيرون ليجدوا منازلهم مدمرة أو بالكاد تصلح للسكن، ولا وجود للمدارس أو غيرها من الخدمات الأساسية”، مؤكدةً أنه في حال “لم تتحسن هذه الظروف، سيواجه السوريون المزيد من التوترات التي قد تزعزع استقرار مجتمعاتهم وتقوض أي فرص للتعافي طويل الأمد”.