تقرير/ اـ ن
تشهد أسواق الساحل السوري ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار مواد البناء الأساسية، في ظل تصاعد التكاليف الإنتاجية والنقل، وتزايد الطلب بعد عودة آلاف النازحين إلى مدنهم المدمّرة جزئياً أو كلياً. وأدى هذا الارتفاع إلى شلل شبه كامل في حركة العمران، وتفاقم معاناة السكان العائدين في ترميم أو إعادة بناء منازلهم المتضررة.
وبحسب مهندسين، ارتفع سعر طن الحديد من 610 إلى 670 دولاراً، وسعر طن الإسمنت من 103 إلى 123 دولاراً، فيما بلغ سعر متر الرمل أو البحص نحو 15 دولاراً، وسط نقص حاد في هذه المواد. كما قفزت أجور العمال بشكل كبير، من 4 دولارات يومياً إلى ما بين 15 و20 دولاراً، في حين تطلب بعض الورش مبالغ قياسية نتيجة النقص الحاد في الأيدي العاملة، وتوجه كثير من الفنيين للعمل في القطاع الحكومي.
وأكد المهندس حازم ديوب من اللاذقية أن سعر صب البيتون من نوع “هوردي” ارتفع من 15 إلى 30 دولاراً للمتر الواحد، و”البلاطة” من 10 إلى 20 دولاراً، مما ضاعف تكاليف البناء، وقلّص قدرة الأفراد والمقاولين على تنفيذ مشاريعهم
ويرجع خبراء هذا الارتفاع إلى التعديلات الأخيرة في تعرفة الجمارك المفروضة على مواد البناء المستوردة من تركيا، لا سيما الحديد والإسمنت، والتي تدخل إلى الشمال السوري عبر معابر “باب السلامة”، و”الراعي”، و”باب الهوى”، و”الحمام”.
وأشار جابر العبود، مساعد مهندس من طرطوس، إلى أن كلفة إعادة بناء المباني الطابقية باهظة جداً، وتتطلب إزالة الأنقاض بحذر لتفادي الأضرار على الأبنية المجاورة، ثم إعادة إنشاء هياكل جديدة وفق الكود السوري، وهو ما يزيد من الأعباء المالية على المواطنين.
في المقابل، ينصح مختصون بتقليل المساحات غير الضرورية في التصميم، وجعل المطابخ ودورات المياه متقابلة لتقليل تكاليف التمديدات، والاعتماد على مواد بديلة أقل تكلفة مثل البلوك الخفّان بدلاً من الخرسانة، واستخدام الطلاء بدلاً من السيراميك في بعض الأماكن.
ورغم الحاجة الماسة إلى الترميم، إلا أن الكثير من العائلات التي عادت إلى مناطقها ما زالت بلا مأوى، عاجزة عن تغطية التكاليف المرتفعة في ظل تردي الأوضاع المعيشية، وغياب الدعم الكافي من المنظمات والجهات الإنسانية.
وتختلف كلفة الترميم وإعادة الإعمار من منزل إلى آخر حسب درجة الضرر وجودة البناء السابق، لكن تبقى مرهقة في جميع الحالات، خاصة بعد أن فقد كثير من الأهالي كل ما يملكون نتيجة القصف الذي طال مناطق واسعة في ريف اللاذقية، وجبلة، وبانياس، والقدموس.
وكان كثير من العائدين إلى مدنهم قد وجدوا منازلهم مدمّرة أو منهوبة بالكامل، من الأبواب والنوافذ إلى الأسلاك الكهربائية والتمديدات الصحية، ما أجبرهم على البدء من الصفر في أعمال الإكساء، أو على الأقل إجراء إصلاحات جزئية ريثما يتمكنون من تأمين المال اللازم.
وأكد أصحاب معامل البناء أن أسعار المواد الخام المستخدمة في صناعة مواد البناء، مثل الحديد والحديد الزهر، شهدت ارتفاعاً كبيراً خلال الأشهر الأخيرة، ما انعكس على المنتجات النهائية. كما ساهم ارتفاع أسعار الوقود في رفع تكاليف النقل، مما ضاعف من كلفة المواد في الأسواق.
ويؤكد متابعون أن هذه الأزمة بدأت تتفاقم منذ سقوط النظام المخلوع، ثم تصاعدت مع عودة النازحين وارتفاع الطلب، في حين بقي الدعم الدولي والإقليمي لجهود إعادة الإعمار محدوداً، ما عمّق من معاناة السكان الذين فقدوا بيوتهم ومواردهم.
ومع استمرار ارتفاع الأسعار وتدهور الوضع الاقتصادي، يبقى الأمل معقوداً على تدخل المنظمات الدولية للمساهمة في تخفيف العبء، وتمكين الأهالي من إعادة ترميم منازلهم أو إعادة بنائها، بما يعيد الحياة تدريجياً إلى المدن المتضررة في الساحل السوري.