لكل السوريين

الإئتلاف وإنتهاء الصلاحية

مصطلح إنتهاء الصلاحية يطلق على المواد الإستهلاكية والأدوية القابلة للفساد وتنتهي صلاحيتها عندما تلحق الضرر بمن يستخدمها، ولهذا يجب التخلص منها بشكل مناسب. ولا شك أن التخلص منها يعني خسارة لمن إستفاد من انتاجها ولمن إستفاد من تسويقها، ولهذا السبب نجد أن منتجها أو المنتفعين منها يعيدون تسويقها بعد تزوير تاريخها أو ملصقاتها الدالة على صانعها، ولكن هذا لا يعني أن ضررها على مستخدمها قد زال.

الإئتلاف السوري جاء نتيجة لتركيبة المجلس الوطني السوري مع قوى الثورة والمعارضة، أي تركيبة ضمت الكثير من المجاهيل في بنيتها. فالمجلس الوطني السوري تأسس مع بداية ثورة الشعب السوري من شخصيات معارضة كانت تعيش في الخارج على الأغلب، ومن شخصيات انشقت عن النظام السوري وأخرى كانت في الداخل وهربت إلى الخارج مع وجود أتباع لها في الداخل. كهيئة سياسية لتمثيل المعارضة السورية. أما النواة فكانت قد زرعت في دمشق عام 2005 بإعلان دمشق من مجموعة من الشخصيات الوطنية، وانضم إليهم تنظيم الإخوان المسلمين في اليوم التالي للإعلان ولم يشارك في الإعلان والتأسيس لإخفاء علاقاتهم المباشرة تجنباً لبطش النظام بالشخصيات المشاركة. وبدأت هذه المجموعة بتأسيس وسائل الإعلام وتنظيم الصفوف وتحريض الشعب السوري على مواجهة النظام بالنضال السلمي كالتظاهر والإحتجاج والإضراب وتأسيس التنسيقيات الشبابية، واستطاعت هذه المعارضة تأمين التمويل اللازم وجاءت قطر على رأس الممولين بالإضافة إلى السخاء الخليجي.

من جانب آخر عندما لجأ النظام إلى إستخدام العنف ضد المتظاهرين كان لا بد من الرد بالمثل، وكان تنظيم الإخوان المسلمون أكثر إستعداداً لهذه الخطوة نظراً لخبراتهم السابقة، فانتشرت تلك المجموعات في البيئات المناسبة، كما انشق بعض الجنود والضباط من الجيش ووقفوا إلى جانب المجموعات المسلحة مما فتح المجال أمام النظام ليطلق سراح السلفيين المحجوزين لديها وانضمام آخرين كانوا ينتظرون الفرصة المناسبة ليمارسوا جهادهم. فتشكلت الفصائل المسلحة بأسماء كل الصحابة والخلفاء والمشاهير والسلاطين، وبدأنا نتحدث عن المناطق المحررة، إلى أن بدأت هذه الفصائل بحصار دمشق والمناطق الحساسة، مما أثار خوف النظام وحلفائه مثل إيران وحزب الله فاستنجدوا بروسيا التي تدخلت مباشرة في الصراع السوري مما كان سبباً في الكشف عن حقيقة الصراع الدولي الدائر على سوريا.

الأمر الملفت هو أن المعارضة السورية في الخارج أسست منظمات مجتمع مدني ومراكز بحوث ودراسات كلها تنادي بالديموقراطية وحقوق الإنسان والمعاهدات والوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الأفراد والشعوب والأقليات وماشابهها، وعلى أساسها تشكل مؤيدون دوليون وقوى ديموقراطية. ولكن أحداً من هذه المعارضة لم يجدا في نفسه الجرأة لخطو خطوة واحدة نحو المناطق المحررة التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، نظراً لأن تلك الفصائل تعتبر الديموقراطية كفراً والخروج عن طاعة الخليفة والأمير شركاً، وتقوم بتطبيق حدود الله على العباد في كل المناطق التي يحكمون بها، وترى في القوى الدولية المؤيدة للمعارضة السورية أنها قوى صليبية تريد غزو أرض المسلمين.

هذا الوضع المزري بين المعارضة السياسية والفصائل المسيطرة على الأرض أدى إلى إستنزاف الدول والأطراف الداعمة للمعارضة السورية حيث تسبب هذا الثقب الأسود في ضياع مئات مليارات الدولارات والإمكانيات المتوفرة، بالإضافة إلى تدمير سوريا ومواردها وشعبها. وكان لا بد من إيجاد وسيلة أخرى أو سبيلاً لسد هذا الثقب الأسود. وهكذا تولدت فكرة خلق تركيبة جديدة قد تساعد على الخروج من هذا المأزق، فكان “الإئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة” بين الخارج والداخل. ونظراً لعدم وجود خامات جديدة أو مبتكرة بين أيدي القوى المهيمنة اضطرت إلى إستخدام الخامات القديمة المتوفرة لديها من خامات صالحة وأخرى غير صالحة مع عللها وفسادها ونزاعاتها وارتباطاتها. وعندما يتم خلط الصالح بالطالح، ونظراً لعدم توفرإمكانية إصلاح الفاسد فإن الصالح أيضاً يصيبه الفساد وهكذا تصبح كل التركيبة فاسدة ويجب التخلص منها، وهذا ما يجري لتركيبة الإئتلاف الراهنة.

هناك الأطراف التي استفادت من هذا الوضع بأشكال مختلفة مثل تجار الحروب أو الذين استغلوا هذا الوضع لتمرير مخططاتهم الخبيثة، ولن ترضى بالتخلي عن هذه السلعة الفاسدة، فإما ستحاول تزوير تاريخ إنتهاء صلاحيتها أو أنها ستحاول تغليفها وتعليبها وتسويقها من جديد. بينما الشعب السوري الذي من المفروض أن يستخدم هذه السلعة لا يعلم بما يدور خلف الستار وفي دهاليز السياسة المظلمة وسوق بيع وشراء الشعوب ومقدراتها.

بعد هذه المأساة الأليمة التي أصابت الشعب السوري ليس أمامه سوى أن يسعى إلى صنع التركيبة التي تناسبه بأيديه، وأن يكون قادراً على فصل الصالح من الطالح والسليم من الفاسد، فقد أعياه الوصفات والتركيبات التي قدمها الآخرون، ونتمنى أن يكون المواطن السوري قد استنبط الدرس من الثمن الذي دفعه من دماء أبنائه نتيجة التضليل والتحريف وشراء الضمائر والنفوس الضعيفة، وليس أمامه سبيل آخر.