“ورثت مهنة التطريز وحياكة ألبسة الصوف من أمي وهي ورثتها من جدتي، استغنيت عنها في فترة من الفترات وعدت لامتهانها منذ سنوات”، هذا ما قالته السيدة الأربعينية ميادة الحماد، تقضي الحماد أغلب وقتها في غرفة أشبه بمرسمٍ زُيِّن سقفها بأقمشة عليها رسومات وأشكال هندسية بألوان مختلفة، وانتشرت في أرجائها الملابس والأقمشة المشغولة يدوياً إلى جانب الوسائد والمفارش المطرزة.
وتقول السيدة وحدة وهي تمسك “المسلة” في يديها: “إن إنجاز قطعة صغيرة بهذه الأداة يحتاج إلى ساعات طويلة من العمل المتواصل، لكن من يحب هذا العمل يتحمل مشقته من دون تذمر ويبدع فيه، فأنا أحب التطريز منذ صغري”.
الفراغ الذي خلفه وفاة زوج وحدة منذ ١٢ عاماً، وكونها لم ترزق بأطفال، دفعها للعمل في مهنة التطريز والحياكة بهدف كسب الرزق والتسلية في الوقت نفسه، تقول: “أجلس وحيدةً كل اليوم في منزلي، لا شيء يشغلني سوى الإبرة والخيط”.
لا تكتفي السيدة الأربعينية بتطريز الرسومات والأشكال الهندسية على الوسائد والملابس فقط، إنما عملت على تطريز الإكسسوارات والحقائب النسائية واللوحات الجدارية، وتتابع بشكل مستمر الرسومات والأشكال الهندسية المعاصرة المنتشرة على المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الافتراضي.
تقول ميادة: “استفدت في تصنيع عدد من الأشكال الجديدة من رسومات حديثة حصلت عليها من الأنترنت، وهنا بدأت بتوسيع عملي بشكل أكبر والاشتغال على مشاريع مختلفة وأصبحت محلات الإكسسوارات والهدايا ومحلات تزيين السيارات تشتري مني قطعاً قماشية مطرزة برسومات أو بعبارات معينة، حسب طلب الزبون”.
لكل فصل متطلباته، ومع دخول فصل الربيع يزداد الطلب على ألبسة الأطفال والكنزات المطرزة إلى جانب “التنانير” والجوارب.
وتبيع ميادة كنزات الأطفال الذين يبلغون من العمر ما بين 2 لـ 6 أعوام بـ٣٠ ألف ليرة سورية، وتستهلك كل قطعة ملابس عدداً معيناً من الكرات ويبلغ سعر البكرة الواحدة ٩ ألاف ليرة، وتتراوح أجرة يد السيدة، نحو دولارين يومياً، حسب حجم القطعة ووقت إنجازها والجهد المبذول بها.
وتحرص السيدة الأربعينية على أن تكون الرسومات المطرزة على القماش واضحة وجميلة تقول: “للحصول على قطعة فنية مطرزة يجب أن أكون بكامل تركيزي أثناء العمل وللتطريز عدة أنواع؛ أهمها “الغرزات” ولها أشكال عديدة، منها غرزة “الراية الخلفية” و”السلاسل” و”الفرع البسيط” و”القرية الفرنسية” و”البطانية” و”الريشة” و”الورد”.
الشاب محمود التمر، أحد زبائن السيدة ميادة، يملك محلاً لبيع زينة السيارات، يقول: ”في البداية تواصلت مع السيدة ميادة عبر واتس أب، وطلبت منها أقمشة مطرزة لكراسي السيارات لكثرة الطلب عليهم وسرعة بيعها في المحل”.
ويضيف: “لدي زبائن يحبون تزيين كراسي سياراتهم بأقمشة مطرّزة يدوياً ويطلبون مني أشكالاً وألواناً متنوعة، وأحياناً قطعاً مطرزة خاصة لوضعها على “تابلو” السيارة وعليها كتابات محددة، ورغم أن الأقمشة المطرزة يدوياً مكلفة لصاحب السيارة إلا أنهم يفضلون الأقمشة المشغولة يدوياً”.
وما زال أبو حسن، 78 عاماً، يتذكر الأقمشة المطرزة التي كانت تحيكها والدته، يقول: “كان التطريز يعكس هويتنا وكانت والدتي تطرز البساطات والستائر وأغطية الوسادات التي كنا نجمعها بشكل متناسق فوق قطعة خشبية نقول لها “المحمل”، وتُغطى بقطعة قماشية كبيرة، مطرّز عليها وردة وأغصان في منتصفها، وكذلك أغطية الكراسي والطاولات وحتى التلفاز والراديو وكنا أيضاً نطرز أقمشة لكؤوس الشاي ونقدمها للضيوف”.
ترتسم على وجه أبو حسن ابتسامة عفوية ويختم حديثه بقوله: “كانت أياماً جميلة، إذ نالت مهنة التطريز قسطاً كبيراً من الاهتمام والشهرة في القرن الماضي، ومن الجميل أن نجد بعض النساء في هذا الزمن ما زلن مهتمات بتعلم هذا المهنة وكسب الرزق من خلالها”.
في الوقت الذي تُثمن الصناعات والحرف اليدوية حول العالم تشهد الكثير من الحرف اليدوية السورية، ومنها التطريز والحياكة تراجعاً كبيراً، أو اقتصار العمل بها على عدد قليل من الأشخاص اتخذوا من هذا الحرف هواية لهم أو لكسب الرزق بأجور زهيدة.