لكل السوريين

هيمنة أنقرة على حكومة هيئة تحرير الشام.. تقود سوريا إلى المجهول

منذ بداية الأزمة السورية، بدأ تدخل تركيا بالشأن السوري من خلال الدعم العسكري والسياسي واللوجستي لفصائل المعارضة المسلحة التي تتماشى مع سياساتها.

ومع سقوط نظام بشار الأسد وتسلم حكومة هيئة تحرير الشام السلطة في دمشق، يتزايد النفوذ التركي على الهيئة، مما أثار جدلاً واسعاً حول تأثير هذا النفوذ على استقلالية القرار الوطني السوري ومستقبل البلاد بشكل عام، حيث يقوم نظام أردوغان بدور كبير في توجيه السياسات العامة لهذه الحكومة من خلال فرض قرارات تتماشى مع المصالح التركية في المنطقة، ومنع اتخاذ أي قرار قد يتعارض مع الأجندة التركية، كما يتحكم بالتعيينات الإدارية الرئيسية، إذ لا يتم اختيار أي مسؤول دون موافقة أنقرة، مما يقوّض استقلالية هذه الإدارات.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تهيمن تركيا على القطاعات الاقتصادية في المناطق التي تديرها حكومة هيئة تحرير الشام، حيث تستخدم الليرة التركية كعملة رئيسية في التعاملات، مما يعزز نفوذها على اقتصاد البلاد.

وعلى الصعيد الثقافي والاجتماعي يفرض نظام أردوغان تغييرات ثقافية وتعليمية، مثل إدخال اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية، وتشجيع الروابط الثقافية مع تركيا بشكل يجعل السكان المحليين يعتمدون بشكل كبير على الدعم التركي.

أوهام أردوغان العثمانية

قبل كل انتخابات تجرى في تركيا، كان أردوغان يعتمد شعارات قومية للتغطية على هدفه المتمثل بإحياء الامبراطورية العثمانية البائدة.

ولطالما سوّق لهذا الهدف بدعم من العواصم الغربية التي أوصت الأحزاب والقوى السياسية في العالم العربي بالاستفادة من تجربة حزب “العدالة والتنمية” ذي الأصول الإسلامية، بعد أن استلم السلطة عن طريق الانتخابات في “دولة مسلمة ونظامها علماني”.

وساعدت هذه التوصية حزب أردوغان في الانفتاح بسرعة على المنطقة عبر البوابة السورية، إذ زار عبد الله غول بصفته رئيس الحكومة الأولى لحزب العدالة والتنمية، دمشق بعد شهرين من استلامه السلطة في تركيا.

وساهمت هذه الزيارة بفتح أبواب المنطقة العربية أمام تركيا بعقيدتها ذات الطابع الإسلامي،

وفتح رئيس النظام التركي أبواب بلاده أمام ملايين اللاجئين السوريين، وقدّم لهم الدعم المادي والمعنوي، على أمل أن يشكلوا مع أقربائهم في الداخل السوري حاضنته الشعبية التي يريد لها أن تقوم بالدعاية له ولأفكاره الدينية والقومية.

وها هو يعمل الآن على تحقيق أحلامه بالعثمانية الجديدة، من خلال الهيمنة على حكومة هيئة تحرير الشام والتحكم بقراراتها.

هيمنة على الإعلام الجديد

منذ اندلاع الثورة السورية وتطور أحداثها وتشعبه، برزت الحاجة إلى إعلام مستقل يمثل صوت المعارضة السورية، ويواجه هيمنة الإعلام الرسمي التابع للنظام، وسارعت تركيا إلى دعم الإعلام السوري الجديد من خلال توفير التمويل والبنية التحتية، وقدمت بشكل مباشر أو عبر منظمات غير حكومية وشركاء دوليين، دعماً مالياً كبيراً لإنشاء وسائل إعلام سورية معارضة مثل القنوات التلفزيونية والإذاعات والمواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي،

واستضافت معظم هذه المؤسسات على أراضيها، مما جعل معظمها مرتبطة بالسياسية التركية، وخاصة تلك التي تعمل من تركيا، إذ وجدت نفسها مضطرة لتجنب أي محتوى قد يتعارض مع المصالح التركية، وحاولت تهميش الأصوات المستقلة أو المعارضة للسياسات التركية، مما أدى إلى تآكل مصداقية الإعلام السوري الجديد لدى شريحة واسعة من السوريين، وأثر سلباً على استقلاليته ومصداقية تمثيله لتطلعات الشعب السوري.

وعلى الاقتصاد السوري

في سعيها للهيمنة على الاقتصاد السوري، اتفقت أنقرة مع حكومة هيئة تحرير الشام على البدء بمفاوضات إحياء اتفاقية التجارة الحرة المعلقة بين البلدين منذ عام 2011.

وذكرت وزارة التجارة التركية أن مسؤولين فيها عقدوا لقاءات مع السلطات السورية لبحث الخطوات الواجب اتخاذها في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والجمركية.

وأشارت الوزارة في بيان، إلى لقاء جمع بين وفد فني متخصص من الوزارة برئاسة نائب وزير التجارة التركي، مع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السوري ورئيس هيئة المنافذ البرية والبحرية، ومسؤولين في الخارجية السورية.

وتم الاتفاق خلال اللقاء على التعاون في مجالات تجارة المنتجات الصناعية والزراعية ونقل الترانزيت والنقل الثنائي والمقاولات.

ووفق بيان الوزارة “سيتم التنسيق مع الإدارة السورية لضمان عمل الشركات التركية التي كانت تقدم خدماتها في مناطق معينة في سوريا، لتشمل كافة أنحاء البلاد، بالإضافة إلى تقييم فرص الاستثمار في المرحلة الجديدة”.

وأكد البيان أنه “تقرر تعزيز التنسيق القائم مع سوريا بشكل أسرع وأكثر كفاءة في إدارة حركة المرور المكثفة في المعابر التجارية”.

وأشار إلى أن المنتجات التركية أصبحت قادرة على الوصول إلى كل أراضي سوريا، وليس فقط إلى المناطق الشمالية.

يذكر أنه مع تسلم حكومة هيئة تحرير الشام السلطة بدمشق، تزايد تدخل تركيا بالإعلام السوري، مما أدى إلى تقسيمه بين مؤيد للنفوذ التركي ومعارض له، مما يعمّق الانقسامات داخل المجتمع السوري، ويهدد دوره كرافعة لمطالب السوريين في الحرية والكرامة.