حاوره/ مجد محمد
أكد نبيه ديب، أنه على جميع القوى الفاعلة في سوريا الاتجاه إلى عملية الحوار للاستقلال في القرار وبناء دولة تحترم من قبل جاراتها ومن جميع الدول، مشيراً إلى العمل بجد وبشكل فعال لوضع دستور يضمن حقوق جميع المكونات، والابتعاد عن كافة الأنظمة الشمولية.
بعد إسقاط نظام بشار الأسد تقف سوريا على أعتاب مرحلة تاريخية تتطلب إعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس ديمقراطية تعكس تطلعات الشعب السوري بكل مكوناته، وفي هذا السياق يبرز ملف الدستور والانتخابات كركيزتين أساسيتين لتحقيق العدالة والتغيير وضمان التمثيل الشرعي والحقيقي لكافة أطياف الشعب السوري، ومع سقوط النظام السابق أصبحت الحاجة لتغيير الدستور أمراً لا يقبل التأجيل ويجب أن يعكس هذا الدستور مبادئ الثورة ويضع قواعد لبناء دولة ديمقراطية عادلة، وأبرز متطلبات الدستور الجديد تشمل التعددية الثقافية والقومية والفصل بين السلطات وضمان حقوق الإنسان والمواطنة، الانتخابات القادمة ستكون اختباراً حقيقياً للديمقراطية الناشئة في سوريا، ولضمان نزاهتها وشفافيتها يجب اتخاذ الخطوات التالية، ومنها إشراف دولي ومحلي مستقل وإشراك اللاجئين والنازحين والتمثيل العادل للمكونات، سوريا الجديدة لن تحقق استقرارها ما لم تضمن حقوق جميع مكوناتها القومية والدينية بشكل عادل، الاعتراف بحقوق الكرد الثقافية والسياسية وتوفير إدارات ذاتية في المناطق ذات الأغلبية الكردية وضمان تمثيلهم في البرلمان ومؤسسات الدولة، أما بالنسبة للسريان الأشوريون فيجب حماية حقوقهم الثقافية والدينية ومشاركتهم في صياغة الدستور ودعم المبادرات التي تحافظ على تراثهم ومناطق وجودهم التاريخي، بالإضافة إلى تمكين التركمان والشركس من المشاركة في الحياة السياسية وضمان تمثيلهم في الدولة الجديدة والاعتراف بلغاتهم وثقافاتهم كجزء من الهوية السورية الجديدة، هذا كله إلى جانب حماية الأقليات الدينية وضمان حرية المعتقد الديني أمام القانون وإنهاء سياسة التهميش.
وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا السوري حواراً مطولاً مع الأستاذ المحامي نبيه ديب والحائز على الماجستير في القانون الخاص، ودار الحوار التالي:
*إلى أي درجة بالفعل الدستور والانتخابات هما ركيزتين أساسيتين لضمان حقوق جميع المكونات؟
لا تبنى الدول ولا تتفعل طاقات الشعب إلا من خلال الدستور الذي ينظمها، ومن خلال الانتخابات التي ستفرز الاشخاص الحقيقيين الذين يمثلون الشعب، وليس كما جرت العادة في عهد النظام البائد الذي كان يعين أشخاص على أساس ولائهم للسلطة وليس على أساس كفاءتهم أو إحساسهم بمعاناة المواطن، لذلك اليوم نحن أمام فرصة كبيرة لصياغة دستور حقيقي يراعي كل حقوق الشعب سواء كانت الحقوق الفئوية أو الحقوق على مستوى الكفاءات، وبالتالي هذه العملية ليست بالسهلة، نظراً للتراكمات التي أحدثها النظام البائد على مدى ستين سنة، اتسم هذا النظام بالحكم الشمولي الذي يعطل الدستور ويعطل الانتخابات على الرغم من أنه يرفع شعار ممارستها، إذاً نحن أمام استحقاق صعب جداً وهذا الاستحقاق يتطلب دراسة متأنية.
*ما هو المعيار أو الضمان لإيجاد آلية مناسبة لكتابة الدستور، من أين يجب أن نبدأ؟
أنا أتحدث من منطلق إنسانية الإنسان، أن تكون الكفاءة والعدالة والمساواة بين كل الناس، وهو منطلق أساسي لبناء دستور جديد يحاكي تطلعات الناس للانطلاق إلى مرحلة جديدة، ويجب أن ننطلق لتفكيك الدولة الشمولية، فمسألة الفوضى فعلياً الحاصلة الآن ربما تكون هذه مسألة عادية على اعتبار الانتقال من مرحلة بعد ستين عاماً بغض النظر عن حكم الرئيس وما كانت عليه من مساوئ، ولكن أنا أتحدث عن تطلعات جديدة يرغبها الشعب السوري وترغب كل شعوب المنطقة أن يكون لها حرية في التعبير، ولكن ضمن الذي يجري الآن حتى هذه اللحظة ليست واضحة، فالعدو الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وقضية تطلعات الشعب السوري ومزاج الشعب السوري كيف يمكن أن يقرأ بعد ستين عاماً في ما يتعلق بتطلعاته إلى مرحلة جديدة بالتحديات التي تواجهه، إن كانت الأطماع الصهيونية في المنطقة والأطماع التركية كذلك، فكل ذلك يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لتكوين دولة قوية بغض النظر هناك تحديات الآن ولكن يجب أن يكون كل هذا الموضوع أمام الرأي العام السوري، لبناء منطلقات جديدة تأخذ بالاعتبار كل هواجس مكونات الشعب السوري فيما يمكن أن يحقق الاستقرار والهدوء والطمأنينة والمواطنة الحقيقية التي تضمن العدالة، وأيضا الفصل بين السلطات والمساواة بين كل الناس وهذه منطلقات أساسية لبناء دولة حديثة متطورة يراهن عليها الجميع حتى دول المنطقة المرتبطة بسوريا جغرافياً.
*كيف يمكن تحقيق التوازن بين الأعراف والقوميات والاثنيات ضمن دستور سوري، آخذاً بعين الاعتبار وحدة سوريا أرضاً وشعباً؟
عندما نتحدث عن المكونات السورية بغض النظر عن أعدادهم، فيجب تثبيت حقوقهم ضمن الدستور السوري وعند هذا لن يكون هناك خوف في المستقبل، ما نشاهده اليوم هو فرحة لكل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم فالنظام البائد كان كابوساً لجميع الأطراف، ولكن حالة الخوف الموجودة من ردة الفعل التي حصلت وما زالت إلى اليوم تحصل من انتهاكات من الإدارة الجديدة فإنها ستولد مزيد من العنف في المستقبل، فعندما نجد أنه تمت ترقية اشخاص غير سوريين ليقودوا سوريا بمجالها العسكري فهذا يضع في مكان خوف كبير لمستقبل سوريا ككل، إن لم نقفز إلى الأمام ونتجاوز المراحل السابقة التي وجدنا أنفسنا فيها، وإن لم يكن هناك تغيير في بنية هذا الدستور فسنجد أننا أيضاً في مشكلة، ولكن هنا أيضاً جديد بالذكر هو تطبيق الدستور فالدستور السوري سابقاً كان ككل دساتير الوطن العربي ولكن مشكلته في عدم التطبيق من قبل النظام البائد ناهيك عن أنه يأخذ صيغة الحزب الواحد حتى وجدنا أنفسنا أمام المافيا العائلة.
*المؤتمر الوطني المزعوم بالنسبة للدستور والانتخابات، ما رأيك؟
نحن الآن نأخذ إشارات واضحة وجلية أن الوضع نوعاً ما مبشر بالخير حتى الآن، فمؤتمر الحوار الوطني هو من الأساسيات التي يجب أن ينطلق منها الشعب السوري في كتابة الدستور والتهيئة للانتخابات، وما يزيدني ثقة إننا نمشي على الطريق الصحيح بغض النظر مع اختلافي مع أبو محمد الجولاني على المدة الطويلة، فأننا نحتاجها إلى حد ما ولكن ليست بهذا الطول، المؤتمر الوطني تم تأجيله ثلاثة مرات وهذا يعني أنهم يحاولون تحري الوصول إلى نتائج سريعة تخدم الشعب السوري من حيث اختيار ممثلي المؤتمر، واختيار الكفاءات فيه، وكذلك من حيث المواضيع التي سيناقشها المؤتمر وعلى رأسها تشكيل لجنة لصياغة دستور لسوريا، وبالرغم من أنه حتى الآن لا أعرف ولا شخصية من الذين سيكونون في المؤتمر، وأنا أضع عدة نقاط استفهام حول كل الشخصيات التي سيتم دعوتها، فهل سيمثلون شخصيات أو تكتلات أو هيئات، فهذا كله محط انظار واستفهام ولكن لا يمكننا الحكم عليه بالنجاح أو الفشل لأنه لم تبين ملامحه حتى الآن.
*ختاماً، كيف يمكن معالجة تأثير التدخلات الإقليمية حتى لا تكون عامل مؤثر على الاستقلالية الوطنية؟
هذا عامل هام ومهم جداً، صحيح أن نظام الأسد البائد ترك لنا كشعب وللقيادة التي تحكم دمشق الآن إرثاً ثقيلاً لا نستطيع أن نعالجه بغاية السرعة ولا بالإمكانات الموجودة، اليوم هناك احتلالات أجنبية ومن دول قوية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لا زالت موجودة وكذلك تركيا، وبالتالي أن عملية الاستقلال في القرار بالرغم من أنه هدف سوري مشترك للقيادة والشعب إلا أنه يصعب تطبيقه إلى حد ما، تحتاج سوريا تقنياً للتعاون مع أطراف دولية أخرى مثلاً نحتاج لتركيا أن تعيننا تكنولوجياً ولكن لا نحتاج إلى خبراء أتراك لأننا نمتلك خبراء، فيفترض أن يكون الخبراء السوريين هم المشرفين على التقنيات التي ستساعدنا بها تركيا، فأمامنا استحقاق كبير وهو طرد الاحتلالات وعلى رأسهم تركيا وكذلك التخلص من إرث الأسد لنتجه إلى عملية الحوار للاستقلال في القرار وبناء دولة تحترم من قبل جاراتها ومن جميع الدول.