حاورها/ مجد محمد
أكدت انجي كورو أن المرأة السورية عظيمة عبر الدهر، وإن الضبابية الآن التي تعتم المشهد أمام نيل حقوقها وقيادتها للمجتمع، يجب أن تنجلي في إطار دستور يكفل حقوق الجميع، والثورة السورية لا يمكن أن تصل إلى جوهرها بدون إخراج المرأة من الأنظمة القمعية.
عاشت المرأة السورية خلال عقود حكم نظام الأسد البائد واقعاً مؤلماً من التمييز والقمع، ورغم دورها الريادي في مختلف مراحل الحراك الشعبي بقيت مشاركتها مقيدة بسياسات النظام التي وضفتها كأداة دعائية بينما بقيت حقوقها مسلوبة على أرض الواقع، فتحت نظام الأسد عاشت السوريات ضحايا العنف الممنهج من اعتقال وتشريد بالإضافة إلى هيمنة القوانين الجائرة التي كرست التمييز ضدهن في مجال التعليم والعمل وحقوق المواطنة، ومع تصاعد الحرب واجهت المرأة السورية أزمات مضاعفة بدءاً من النزوح وانتهاءً بدورها في إعالة عائلات مزقتها الحرب، بسقوط نظام الأسد تجد سوريا نفسها على أعتاب مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات والفرص، فالمشهد الحالي يحمل الكثير من الضبابية في ضل غياب رؤية موحدة وتنافس قوى داخلية وخارجية على صياغة مستقبل البلاد، وفي خضم هذا الوضع يتساءل الكثيرون عن موقع المرأة السورية في المعادلة الجديدة، وأحد المحاور الجديدة للمرحلة المقبلة هو صياغة دستور جديد يمكن أن يكون حجر الأساس لبناء دولة قائمة على الحقوق والمساواة ولكن يبقى السؤال هل يمكن لهذا الدستور أن يعكس طموحات المرأة السورية وتضحياتها، ومن المتوقع أن تشمل النقاشات الدستورية قضايا أساسية مثل المساواة الجندرية، بتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين في كافة المجالات بما يضمن حقوقاً متساوية في مجال العمل والتعليم والمشاركة السياسية، إلى جانب تمثيل المرأة بتخصيص نسبة من المقاعد البرلمانية والإدارية للنساء لضمان وجودهن الفعلي في مراكز صنع القرار.
وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا “السوري” حواراً مطولاً مع الأستاذة انجي كورو الباحثة في مركز دجلة للدراسات الاستراتيجية، ودار الحوار التالي:
*إلى أي درجة كانت هناك معاناة للمرأة في حقبة النظام البائدة في سوريا، وما هي الأسباب؟
بالنظر لتاريخ فاعلية المرأة بالشأن السياسي يمكننا التأكيد بداية إلى أن هذا الامر لا يتعلق فقط بمنطقة الشرق الأوسط، وإنما هو نتاج شكل المنظومة السياسية العالمية في المرحلة السابقة وبشكل خاص بعد الحروب العالمية التي اعتمدت على تقاسم القوى بناءً على القوى العسكرية بشكل أساسي، وليس على إمكانية النهوض بالمجتمعات وبناءها على شكل سليم، فجاءت هذه المعضلة بشكل عالمي ومن ثم في منطقة الشرق الأوسط كان هناك العديد من الثقافات الغير أصيلة في المنطقة، لأن الثقافات الأصيلة للمنطقة فكانت المرأة فيها تلعب دور مركزي ومحوري، ولكن فعلياً كان هناك تراكمات سلبية أدت إلى عدم وجود دور فاعل في بناء المجتمع، أما في فترة حكم النظام البائد في سوريا فقط كان هناك بروز أكبر لهذا الدور أو الديكور الذي استخدم، ولكن أيضاً هذا الدور بوضوح أو الموقع الذي وضعت فيها هذه المنظومة المرأة ضهر في التشكيلات المعارضة والتيارات المقابلة لمنظومة بشار الأسد، والتي هي بشكل بديهي ناتج عن المنظومة الهمجية ذاتها، فبالتالي كان هناك استمرارية لعدم إعطاء السيدات في المجتمع السوري دورهن الطبيعي بالدرجة الأولى والمستحق بالدرجة الثانية.
*بالحديث عن السوريات والتحول السياسي بين فرص التمكين ومخاطر التهميش، بين الحقبة التي مضت والآن، هل المعطيات تبعث على التفاؤل أم هناك شكوك ترافق هذا المشهد؟
بالتأكيد أن المستقبل إلى اليوم لا يزال ضبابياً، فحكومة اليوم هي حكومة أمر واقع، فرأينا الكثير من التصريحات والتصريحات المضادة بما يتعلق بالمرأة، ولكن قياساً بالمرحلة السابقة فلا شك إن المرأة وغير المرأة من مكونات المجتمع السوري لن تنال كامل حقوقها، رغم إنه وفق الدستور أنه بحسب المواطنة فأنه الجميع متساوون بالحقوق والواجبات، ولكن حكومة الجولاني لا تبشر بالخير مطلقاً، فهم لا يؤمنون بقدرة المرأة ولا حتى يسعون لتمكينها وبالتأكيد هم يسعون لتهميشها قدر الإمكان حتى وإن صرحوا إعلامياً بغير ذلك، فهؤلاء لا يستبشر منهم خيراً أبداً.
*بفترة الاستبداد ومن ثم الثورة وبعدها الصراع والنزاع، إلى أي درجة هناك مساهمة فعلية من المرأة السورية، وكيف يمكن أن نحافظ في الأيام المقبلة على حقوق المرأة وقدسيتها في المجتمع؟
بداية كي نحفظ حقوق النساء السوريات يجب أن نتوجه بمصداقية للشعب السوري، فاليوم هذه الجهات الحاكمة هي عبارة عن جهات فصائلية دينية متشددة انتشرت في عدة مناطق من سوريا ولكنها لم تشكل دولة، وبالتالي كل التصريحات والتطمينات بشكل أو بآخر هي فعلياً خارج سياق المرأة وزائفة، فبالتأكيد إن الدستور اليوم هو الإطار الوحيد الذي يمكن أن يضمن حقوق النساء في مستقبل البلاد وذلك عبر تثبيت هذه الحقوق بإطار دستوري واضح.
*ما هو المرجو الآن في هذه الفترة كون الحديث عن حوار ومن ثم الحديث عن تكوين دستور، هل هذه مع هذه النقطة في ضل هذه المعطيات أم إنه يجب أن يكون هناك بحث بالحديث عن تمكين المرأة؟
مع أي جهات سيتم الحوار؟ هل سيتم مع تيارات متشددة أساساً لا تعترف بوجود المرأة في المجتمع، وللتأكيد على ذلك لننظر على الانتهاكات التي جرت في المناطق التي كانت تسيطر عليها قبل حكمها لسوريا، فالفصائل في إدلب مارست انتهاكات جرت في ثلاثة محاور، محور المرأة بالدرجة الأولى وهو موثق عبر جميع الشاشات، والمحور الثاني هو محور الانتهاكات اتجاه المكونات والمحور الثالث هو انتهاكات اتجاه البيئة، وبناءً على هذه المحاور الثلاث لا يمكن تأسيس دولة، فاليوم لا توجد جهة للحديث معها في الدستور السوري.
*أكبر تحدي الآن في المشهد السوري، هل هو تحد الإسلام السياسي أم التحدي الثقافي الاجتماعي، وكيف يمكن التغلب عليه؟
طبعاً التحدي الأكبر هو محاولات إعادة تدوير المنظومة القديمة بأشكال أخرى، وهنا أود أن أؤكد أن الاعتراف أو الترويج أو محاباة سلطة الأمر الواقع في سوريا هي ذاتها بذات المشهد كان مع سلطة الأسد البائد، ولكن منظومة الأسد انتهت لأنها فعلياً لا تحقق طموحات الشعب السوري ولا تحقق متطلبات هذه الحقبة والتغير السياسي في الإقليم والعالم، إذاً المعيار للترويج يشبه تماماً محاولات إعادة تدوير أو التطبيع التي كانت تجري مع منظومة الأسد البائد، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال بأن هناك اعتراف بشكل أو بآخر لسلطة الأمر الواقع، وهذه النقطة أساسية لحفظ حقوق المرأة لذلك يعني نستغرب فعلياً أي جهة تتحدث بحقوق المرأة أو حتى بحقوق الإنسان، ونرى اليوم الكثير من منظمات المجتمع المدني تذهب للمناطق التي تتواجد بها هذه الفصائل وهي فعلياً تتغافل بشكل متعمد عن الانتهاكات الإنسانية التي قامت بها هذه الفصائل، إذاً لا يمكن جمع هذه المتناقضات، إما أن تدافع عن حقوق المرأة وبالتالي نحن ندافع فعلياً عن بناء دولة سوية وسليمة لجميع المواطنات والمواطنين، وأما إننا ندافع عن سلطة الأمر الواقع مع كل الانتهاكات التي ارتكبتها بحق النساء من جميع المكونات والانتهاكات التي ارتكبتها بحق التنوع الثقافي السوري.
*ختاماً، برأيك المرأة السورية إلى أين في ضل الحديث عن التحول السياسي؟
في الواقع إذا لم يكن موقع المرأة السورية في مستقبل سوريا هو على درجة ندية واحدة، فهذا يعني أن الثورة السورية لم تصل للهدف الحقيقي لها، وهو النهوض الإنساني وليس الانتقال من منظومة قمعية لمنظومة قمعية أخرى، فبالتالي على النساء السوريات اليوم أن يؤمن بأنفسهن وأن يؤمن بأن هذه الثورة جزء كبير جداً منها نهضت به السيدات السوريات، وعدم القبول بما يفرض بشكل أو بآخر بأن تكون نظم الحوكمة في سوريا هي نظم شمولية وقمعية وتشوه أساساً صورة الهوية السورية، وإما أن تبقى سوريا بهذا الحال مفككة ودولة ضعيفة وغير قادرة على النهوض بشعبها.