شهدت مشاركة واسعة للرجال.. شمال شرقي سوريا تحتفل باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، ونساء تؤكدن على المواظبة ضد التعنيف
صادف يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني الحالي، ذكرى اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في ظل تزايد وتيرة العنف الممارس بحقها، فيما ترى ناشطات ونساء سوريات بأن السبيل للقضاء على ظواهر العنف هو بنشر الوعي وسن القوانين الصارمة لتحقيق ذلك.
وأعلنت الأمم المتحدة عن تخصيص يوم لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني في العام 1981 تخليداً لذكرى الاغتيال الوحشي للأخوات (ميرابال) وهن ناشطات نسويات تم اغتيالهن في جمهورية الدومينيكان بناء على أوامر الحاكم المستبد رافائيل ترخيو في العام 1960.
وبرزت ظاهرة العنف ضد المرأة كظاهرة عالمية تعاني منها كل المجتمعات ومنها مجتمعاتنا، وقد تزايدت وتيرة العنف ضد المرأة في المنطقة خلال السنوات الأخيرة في ضوء سياقات عدم الاستقرار الأمني والنزاعات في عدد من الدول، ومنها مناطق إقليم شمال شرق سوريا التي تشهد حركة نسوية نشطة عبر المنظمات النسوية كمؤتمر ستار ومنظمة سارة، ولجان المرأة في المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا الأمر الذي حد من ظواهر العنف بشكل كبير.
وفي هذا الصدد تقول الناشطة النسوية من مدينة عين عيسى نائلة محمد علي لصحيفتنا، خلال مشاركتها في محاضرة بمناسبة يوم مناهضة العنف ضد المرأة: “هنالك نضرة مغلوطة عن طبيعة المرأة وهي العمل على استضعافها في مجتمعاتنا بسبب جملة العادات والتقاليد الخاطئة من قبيل جعلها الأضعف على سلم الحقوق والأقل امتلاكا لمصادر القوة الاجتماعية سواء الرمزية أو المادية”.
وأضافت “نسعى كمنظمات نسوية في المنطقة توجيه مزيد الاهتمام لقضية مناهضة العنف ضد المرأة في جميع مراحل حياتها، وفي المجالين العام والخاص، عبر بث الوعي بالقضية وأبعادها المختلفة، وآثارها الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية على حاضر ومستقبل مجتمعاتنا، وكذا عبر تحديد الأدوات والآليات التي يمكن استخدامها لردع العنف ضد المرأة ومنعه عبر عدة خطوات وجعل القوانين فيما يتعلق بهذا الموضوع أكثر صرامة بما يحقق العدالة الاجتماعية”.
ولفتت “نائلة” إلى وجوب تمكين المرأة بما يؤدي إلى تقليص الهشاشة التي تكتنف وضعها الاجتماعي في كثير من السياقات، لاسيما في البيئات الفقيرة والمهمشة. ومن ثم تعزيز درجة صمودها وقدرتها على التعامل والاستجابة الايجابية لما تواجه مناطقنا من أزمات مختلفة، سواء أمنية أو صحية أو كوارث طبيعية، والعمل على تمكينها اقتصاديا عبر تفعيل التعاونيات النسائية والمجتمعية مما يحقق أهداف منع الاستغلال والتعنيف بأشكاله.
وختمت الناشطة النسوية نائلة محمد علي حديثها “بوجوب العمل على تكوين كوادر فعالة في مجال محاربة العنف ضد المرأة قادرة على نشر الوعي حول هذا الموضوع، وتشكل جزءاً من منظومة الردع للعنف ضد المرأة في المنطقة، وجعل مناطقنا نموذجاً للتطور الفكري والتوعوي بما يحقق النهوض بمجتمعاتنا التي تواجه ويلات الحرب وتراكمات من العادات والتقاليد المجتمعية السلبية المؤثرة”.
وكانت قد أطلقت الأمم المتحدة في العام 1991 حملة الـ 16يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، وهي حملة عالمية بهدف مناهضة جميع أشكال العنف الموجه ضد النساء والفتيات حول العالم. وقد تم تخصيص اللون البرتقالي لوناً لهذه الحملة في دلالة إلى مستقبل أكثر إشراقًا وعالم خالٍ من العنف ضد النساء، وتبدأ الحملة من 25 تشرين الثاني، وهو اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة إلى 10 كانون الأول، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
إلى ذلك، أكدت فاطمة العلي، التي تشغل مركز الناطقة باسم مجلس المرأة العام في حزب سوريا المستقبل، أن الثورة النسوية أصبحت بمثابة بارقة أمل لجميع النساء في المنطقة، وذلك في ظل التصدي للذهنية الذكورية والسياسات التمييزية التي تهدد وجودهن.
وتابعت قائلة “هذا اليوم هو حق لجميع النساء ودعاه الحرية والديمقراطية والسلام لتوحيد وتطوير رؤيا مشتركة لحل قضية المرأة عبر تعزيز إرادتنا وقوتنا الذاتية ومواقفنا الإنسانية وتنظيم صفوفنا والاستمرار في ترسيخ فلسفة المرأة الحياة الحرية في جميع انحاء العالم”.
وأوضحت “تجمعت نساء في كافة مقاطعات إقليم شمال وشرق سوريا لدعم هذه الفعاليات، من خلال تنظيم فعاليات ونشاطات للتنديد بالاعتداءات التي تتعرض لها النساء، في كافة أنحاء العالم وخاصة في إيران، ومناطق سيطرة المحتل التركي ومرتزقته”.
وعن تفاصيل الفعاليات، تشير إلى أن حملة مناهضة العنف ضد المرأة بدأت في أيلول الماضي، في كافة مقاطعات شمال شرقي سوريا، لافتة إلى أنها تضمنت محاضرات فكرية وتوعوية للتعريف بأهمية هذه المناسبة، معتبرة أن هذه المناسبة تشكل رد اعتبار لكافة نساء العالم اللاتي يتعرضن للظلم والعنف بشكل مستمر.
وخلال حديثها لمراسلتنا، تنوه قائلة “يجب أن يبدأ من كل فرد في المجتمع، حيث يتعين علينا جميعاً العمل معاً لنشر الوعي وتقديم الدعم لضمان حياة كريمة وآمنة لكل امرأة. يجب أن نكون جميعاً سفراء للتغيير ونرفع شعار المرأة، الحياة، الحرية، للدفاع عن حقوقنا”.
وتوضح “نسعى من خلال هذه الحملة إلى إلهام النساء وتمكينهن لحماية أنفسهن، مع التركيز على حق كل امرأة في حياة آمنة ومستقلة، حيث أن الحرية تشمل التحرر من كل أنواع الاستغلال والعنف”.
وتابعت كل عام نشاهد تقدم عند النساء وزيادة في الوعي وعلى الرغم من التحديات، أثبتت المرأة قدرتها على التغيير، حيث تزايد عدد المنتسبات إلى القوات الأمنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا، مما يعكس حرية المرأة ودورها الفعال في المجتمع.
وأكدت “فاطمة العلي” إن جميع كُتب القائد عبد الله أوجلان كانت تركز على ضرورة حرية المرأة وكيف تتخلص من العادات والتقاليد الباليه التي مارستها الذهنية الذكورية والسلطوية لتقييد المرأة، وبإرادة المرأة الحرية استطاعت إدارة نفسها بنفسها لتتخلص من جميع القيود، وأصبحت عنصر فعّال في المجتمع في جميع مجالاته.
واختتمت “نحاول تشجيع النساء على المشاركة في الانتخابات وتمثيل أصواتهن الذي يعتبر هو جزء من هذا المسعى لتحقيق المساواة والعدالة. ومن خلال هذا العمل الجماعي، يمكن تحقيق تغيير حقيقي نحو مجتمع أكثر عدلاً وشمولية”.
وفي سياق متصل، وتجسيدا لمدى انفتاح المجتمع الذكوري في شمال شرقي سوريا على المشاركة في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وتحت شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، خرج عدد من رجال الرقة في مسيرة راجلة احتفالا بهذه المناسبة.
وتجمع المئات من المؤسسات المدنية ورجال الرقة وشيوخ العشائر، أمام مركز تنظيمات المجتمع الديمقراطي وسط مدينة الرقة رافعين صور تعّبر عن قدسية المرأة في شمال وشرق سوريا، وصور الشهداء، ولافتات دون عليها “المرأة، الحياة، الحرية”، “بفلسفة المرأة الحياة الحرية أحمي ذاتكِ”.
وفور وصولهم، وقف المشاركون دقيقة صمت تلاها القاء كلمة باسم الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الرقة، مشلب التركان، أوضح فيها قائلا “على مر العصور، كانت المرأة هدفاً للظلم والتهميش في مختلف انحاء العالم، وفي منطقتنا تحديداً، عانت النساء من قسوة الأنظمة الاستبدادية المتمثلة في الذهنية الذكورية والتي سلبتها حقوقها وحاولت فرض قيود على حياتها، سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي في ظل الظروف التي سادت المنطقة”.
ولفت إلى أن “التحديات التي تواجهها المرأة في منطقتنا اليوم، هي تحديات تعكس واقعاً اجتماعياً وحقوقياً مؤلماً، حيث تعرضت لعدة أشكال من العنف والتمييز على مختلف الأصعدة، ففي ظل أنظمة قمعية أو قومية أو راديكالية دينية متطرفة، كان الكثير من النساء يعانين من الانتهاكات المستمرة لحقوقهن الإنسانية”.
ويشير “منذ النضال النسائي في مقاطعة الرقة، ظهرت بوضوح قوة الإرادة التي تحلت بها النساء في مواجهة هذا الظلم. فقد خاضت المرأة معارك عدة، ليس فقط ضد الأنظمة القمعية ولكن أيضاً ضد الأعراف والتقاليد التي كانت تحد من دورها في المجتمع”.
واختتم بالقول “المطالبة بحقوق المرأة قضية مصيرية ترتبط بمستقبلنا جميعاً، وإن حرية المرأة هو تمكين وحرية للمجتمع بأسره، لأن المجتمع القوي هو الذي يحتضن كل فرد فيه، ويكفل له حقه في الحياة الكريمة، المرأة ليست نصف المجتمع، بل هي أساسه وعموده الفقري”.