لكل السوريين

قساوة الظروف المعيشية تقنن مؤونة الشتاء عند نساء الساحل

طرطوس/ ا ـ ن

خلقت فوضى الأسعار والغلاء الذي أصاب كل شيء، خلق تحديات وصعوبات حقيقية ومعاناة في تدبير أمور معيشة وحياة القسم الأكبر من المواطنين السوريين، ومن جملة هذه المشاق والصعوبات، هو محاولة معظم الاسر في الساحل السوري، تجهيز المؤونة بكميات تناسب احتياجاتهم خلال الشتاء، بعد أن صار هناك أنواع عديدة وكثيرة ومتنوعة، لكن بأسعار جهنمية، فالعين بصيرة واليد قصيرة.

السيدة الهام أم محمود تلتقي مع ابنتها وشقيقتيها وابنتي شقيقتيها من أجل تصنيع مؤونة المكدوس لها ولشقيقتيها من قرية أوبين في ريف طرطوس، أخبرونا قصتهم الطويلة مع سردية المكدوس لهذا العام.

وقالت أم محمود “الأسعار ارتفعت بطريق مرعبة والغلاء أجبرنا على أن نقلل من مونتنا هذه السنة واكتفينا بنصف الكمية, فانا لدي أربعة أولاد بالمدرسة وهذه ابنتي سمر تساعدنا, وأخواتي أيضا نقصوا الكميات الى النصف تقريبا”.

وتضيف “اشترينا ثلاثتنا 100 كغ باذنجان وسعر الكلغ الواحد 1100 ليرة سورية, واشترينا 50 كلغ فليفلة حمراء بسعر الكلغ 2500 ليرة سورية, واشترينا 5كلغ جوز بسعر الكلغ الواحد 50000 ليرة سورية, يكلفنا تقريبا حوالي ال500000 ليرة سورية , وهذا المبلغ نتقاسمه الثلاث عائلات, ماعدا الزيت”.

وتوضح “سنضطر الى شراء زيت نباتي ونقوم بخلطه بزيت الزيتون, ولا يوجد سعر واحد لزيت الزيتون ولا الزيت النباتي, وكل واحدة تضيف الكمية التي تراها مناسبة, يعني يكلفنا ما يقارب المليون ليرة, أي كل واحدة تدفع ثمن مونة المكدوس ما يقارب 350 الف ليرة, وهذا يخرب بيوتنا, ونضطر الى الاستدانة من الدكاكين , ونوفي كل شهر بشهره, واحيانا بيخلصوا المكدوسات قبل ما تخلص الديون, فأزواجنا موظفين ونحن موظفات , ولولا ذلك لما غامرنا بصناعة المكدوس ومحاولة تموينه لأولادنا في الشتاء”.

أم ليث وهي مهندسة وموظفة قالت لنا: تعمل العائلات السورية على صناعة المونة المنزلية للاحتفاظ بها في أيام فصل الشتاء, ازداد العرض على البقوليات مثل البازلاء والفاصولياء والثوم وبعض المربيات التي تعتمد على أنواع من الفاكهة.

وتضيف “ويبدو أن أسعار خضار المونة مثل غيرها من السلع قد ارتفعت بشكل غير مسبوق هذا العام, أن الارتفاع طال أنواع المونة المفرزة لدى البائع حيث أظهرت ارتفاعا مضاعفا عن العام الماضي, فمثلا ارتفع سعر البازلاء المفرزة للكيلو الواحد وصل إلى 16 ألف ليرة سورية، لان سعر البازيلاء أساسا مرتفع حيث سجل بين 3500- 4500 ليرة للكيلو إضافة لأجور اليد العاملة فالكيلو مفرز يحتاج لـ 3 كيلو منها”.

وتوضح “وسجل سعر كيلو الفول 2500 ليرة سورية والمفرز بـ8  آلاف ليرة والثوم بيع حسب النوع بين 1500- 2500 فيما سجلت فاكهة الفريز التي تستخدمها ربات المنزل لصناعة المربى 5 آلاف ليرة و كيلو السكر الذي يضاف إليه 4 آلاف ليرة, ويبدو أن ارتفاع الأسعار وسط تراجع القوة الشرائية ، نتيجة عدم تناسب رواتب ومداخيل المواطنين مع الواقع المعيشي الصعب، وهذا ما أدى الى تراجع حصة المؤونة إلى حدودها الدنيا لدى أغلب العائلات في الساحل السوري, نتيجة ارتفاع أسعار خضار وفواكه المونة , وكذلك بسبب شبه الغياب التام للكهرباء”.

أم جوني وهي محامية من ضهر صافيتا بطرطوس، اخبرتنا بما يلي: ان تكلفة المونة هذا العام تضاعفت عن الأعوام السابقة بسبب ضعف القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وكذلك المخاوف من ساعات التقنين الكهربائي خلال أوقات الذروة في فصل الصيف, ربما لعبت دورا سلبيا موجات الصقيع المتلاحقة، ومن بعدها دخول شهر رمضان وعيد الفطر أسهموا جميعا في موجة الغلاء التي ضربت الأسواق السورية في الفترة الماضية, وعلى ما يبدو أن مواسم الإنتاج لم تكن حسب التقديرات المتوقعة، إضافة الى ان موجة ارتفاع جديدة في أسعار الخضار والفواكه كانت قد انتشرت خلال النصف الأول من شهر رمضان الماضي، وبعد ذلك استقرت الأسعار حتى حملت أيام عيد الفطر فوضى غير معقولة في أسعار الخضار والفواكه خلال مواسم الأعياد، مما أدى الى ان القصة تبهدلت.

ام جعفر وهي سيدة بيت وزوجها موظف ولديها بنت وشاب موظفين وولدين اخرين وهي من ريف اللاذقية اخبرتنا عن قصة المونة هذه السنة وقالت: معظم البيوت في الساحل السوري وخاصة في القرى، تتحول إلى ورشات عمل حقيقية خلال مواسم المؤونة السنوية , لأننا توارثنا من اهالينا,  ورغم ارتفاع أسعار الخضراوات نتيجة ارتفاع أجور نقلها إلا أن اكثر العائلات في الساحل, لا تزال تحافظ على عادة عمل المؤونة الموجودة في السوق , مثل البازلاء والفول الأخضر وورق العنب والثوم والأرضي شوكي, ومن جديد من سنوات قريبة الملوخية,  لكن هذه كانت الأسعار غالية جدا ,البازلاء مثلا كان سعر الكلغ  بين3000 الى 4500ليرة ,والمفصفصة وصل سعر الكلغ الواحد الى حدود ال16000ليرة , والأرضي شوكي (أنغينار) المقشر 10 قطع 5000 ليرة والقطعة الواحدة دون قشر وصلت الى حدود700ليرة أما ورق العنب البلدي فتراوح سعر الكيلوغرام منه بين 3500 الى 4500ليرة والفرنسي 4000ليرة والمبلول الى 3000 ليرة والثوم البلدي 3500 ليرة والبذرة الصينية 2500 ليرة, ورغم كل شيء, اننا مستمرين في عمل المؤونة بالرغم من ارتفاع أسعارها , لأنها تخفف علينا شوية مصاريف بالشتوية.

السيدة حليمة ام حسين وعائلتها مكون من 6افراد, سردت لنا رايها بقصة المؤون وقالت:  أنها مثلها مثل غيرها من سيدات البيوت في قرى الساحل ,لقد ورثت انا وكل واحدة من جيلي انو لازم نسوي مؤونة للشتوية لأولادنا , ولا يمكننا العيش بدونها, ومن اجل التقليل  من شراء هذه المواد في الشتوية لان بتصير غالية جدا.

ميس ام غسان وهي أيضا سيدة منزل من قرية الحويز في ريف جبلة, أوضحت لنا: أنها لم تلجأ هذه السنة لتفريز المؤونة في الثلاجة لسببين الأول غلاء الأسعار والثاني عدم الانتظام في التيار الكهربائي والانقطاع المتكرر له، واختارت التوجه إلى طريقة التيبيس (التجفيف) للحفاظ على المؤونة التي لا يمكنها الاستغناء عنها.

ام هيثم سيدة فاضلة زوجت ثلاث أولاد من أبنائها ويعيشون معها بنفس المنزل مع أولادهم وكل منهم في طابق في قرية سيانو في ريف اللاذقية، عندما سألناها عن قصة المؤونة لدى العائلات الساحلية اوضحت لنا وبينت  ما يلي: سطح بيتنا  واسع جدا , وتستطيعي الصعود اليه وسترينه مغطى تما بكل انواع المونة لنا ولأولادي ونسوانهم واولادهم, رغم ارتفاع الأسعار والغلاء, لكن هذه عادة عندنا وصار لي اكثر من ثلاثين سنة بعمل مؤونة لكن هذه الأيام مختلفة كثيرا عن أيام زمان , كان الخير متوفر والاسعار رخيصة وعندنا قدرة نشتري كل شيء, لكن هذه السنة مختلفة عن كل السنين التي مضت,  الغلاء كتير كبير, وما عندنا قدرة نشتري متل أيام زمان ولا متل حتى السنة الماضية, نقصنا كتير الكميات الى حوالي الثلث, فالمخللات والملوخية والثوم والبصل والبازلاء والفول والفاصولياء والفليفلة والباذنجان ودبس البندورة, طبعا والمربيات واللبنة المد عبلة المنقوعة بالزيت والشنكليش وهي اكلة شعبية عندنا وضرورية, فالمصاريف مرتفعة ، ونحن بالويل نؤمن المصاريف اليومية , ويوجد عندنا بالضيعة كتير من العائلات طلعوا السنة بلا مؤونة وبعض العائلات سويت نوعين او ثلاثة او اربع أنواع بالكثير, لانهم لا يستطيعون تحمل مصاريف اليومية تبعهم, والله الحياة صعبة جدا.

وقمنا بزيارة احد البائعين ويدعى أبو يوسف، وله محل كبير لبيع الخضار والفواكه في مدينة اللاذقية، وسألناه عن قصة الأسعار وطريقة تعامله مع المواطنين وتدبيرهم للمؤونة الشتوية، واخبرنا: ان السوق والغلاء كل يوم شكل وعند كل تاجر شكل ولا احد يمكنه ضبط الأسعار، فالقصة اكبر منا، وانا مضطر ان ابيع بالدين للعالم, لا احد معه نقدي ويدفع لك, واحيانا اقبل بالربح القليل , ليكون البيع أكبر , واحيانا ابيع لبعض المطاعم والفنادق باللاذقية لكن بربح قليل مقابل ان انهي البضاعة عندي ولا تبيت عندنا, هذه السنة الاقبال على الشراء كان قليلا , الناس ما معها مصاري , وهذا يخيفنا بدنا نشتغل ونعيش , واذا مشينا مع الأسعار وبأرباح مقبولة بدها تتجمع البضاعة عندنا وتنتزع , وبعدين بدنا نبعها بنصف ثمنها لأصحاب المطاعم.