لكل السوريين

عودة ترامب إلى البيت الأبيض.. تثير قلق أوروبا وتلفّ الوضع في أوكرانيا بالغموض

جاءت نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية على غير ما توصلت إليه استطلاعات الرأي التي توقعت فوز المرشحة الديمقراطية بفارق ضئيل على المرشح الجمهوري، وفي هذا الاتجاه ذهب كثير من المتابعين للانتخابات في أكبر بلد مؤثر على سياسة العالم واقتصاده.

وجاء فوز دونالد ترامب على منافسته كامالا هاريس وسط استقطاب سياسي حاد داخل الولايات المتحدة، وبعد حملة انتخابية شرسة تصدرها شعار ترامب “أمريكا أولاً”، ودعمها عدد من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولقد تضافرت عوامل عديدة لإعادة ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، من بينها تراجع شعبية إدارة بايدن بسبب تعاملها مع العديد من الملفات السياسية الداخلية والخارجية، وموقفها من الحرب التي تشنّها إسرائيل في المنطقة، وامتعاض الناخبين الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية وجزء كبير من شريحة الشباب، من دعم بايدن لهذه الحرب، مما دفعهم إلى حجب أصواتهم عن المرشحة الديمقراطية وصبّها لصالح ترامب.

ويتوقع المراقبون أن تكون لعودة ترامب إلى منصب الرئاسة تداعيات واسعة على الصعيدين الأوروبي والدولي.

فعلى الصعيد الأوروبي قد تتزايد التوترات في ظل حكم رئيس لا يتسامح مع حقيقة أن الميزان التجاري لبلاده مع أوروبا مختلّ لصالح الأوروبيين، ولن يكفّ عن السعي لتعديل ذلك، تنفيذاً لوعوده الانتخابية، وتكريساً للنهج الذي باشره في ولايته الأولى.

وقد يتزايد قلق الأوروبيين من التعامل مع ترامب باعتباره شخصية إشكالية يصعب تقدير تصرّفاتها، وتصعب معرفة ما تنوي الإقدام عليه، فقد سبق أن تمادى في نقض اتفاقات دولية أو إقليمية دون مقدمات، كما فعل مع اتفاقية المناخ.

وعلى صعيد الحرب الروسية في أوكرانيا، قد يدخل تعهد ترامب بإنهائها “خلال 24 ساعة”، الوضع فيها إلى مرحلة غموض قد تطول، لأن هذا التعهد ليس واقعياً، وقد يضعه أمام خيارات متعددة للتعامل مع هذا الملف.

قلق أوروبي

أثار فوز ترامب الثاني قلق قادة أوروبا بسبب تركيزه على شعار “أمريكا أولاً”، مما يهدد التعاون عبر الأطلسي في قضايا التجارة والأمن، حيث يعتمد ترامب سياسة قومية تقودها مصالح الولايات المتحدة كما يراها، مما قد يدفع بعض الدول الأوروبية إلى تعزيز دفاعاتها المستقلة عن حلف الناتو، ويزيد من احتمال تصاعد التيارات اليمينية المتطرفة فيها.

كما يتزايد القلق من أن يحفّز صعود ترامب الشعبويين واليمينيين المتطرفين في أوروبا لإيجاد نموذج مشابه له في القارة التي تحصد الأحزاب اليمينية المتطرفة في معظم دولها أصوات معظم الناخبين.

ويرجح أن يحدث ذلك انقسامات في أوروبا، ويعزّز الأصوات المناهضة للاتحاد الأوروبي والمنادية بأولوية المصالح الوطنية على التعاون الأوروبي.

ويرى محللون سياسيون أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستدشّن مرحلة حرجة بالنسبة لقادة أوروبا قد لا تنتهي بختام ولايته الثانية، حيث لم يتوقف طوال السنوات التي أمضاها في البيت الأبيض عن استثارة أعصاب شركائه الأوروبيين.

وأن بايدن سيغادر البيت الأبيض، تاركاً أوروبا بمواجهة ترامب الذي سيستعيد هوايته المفضلة في توتير أعصاب الشركاء الأوروبيين الذين ساروا خلف إدارة بايدن في تصعيدها ضد روسيا، وسيتعيّن عليهم أن يتعاملوا مع استدارة عكسية قد تطوي ملف حرب أوكرانيا، إذا نفّذ ترامب وعوده بإنهاء هذه الحرب.

وغموض في أوكرانيا

تعهد ترامب غير مرة بإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا “خلال 24 ساعة”، عبر التفاوض بين الطرفين، مما سيضعه في موقف حرج عند دخوله مجدداً إلى البيت الأبيض، وقد يضطره إلى الاختيار السريع بين مقترحات مختلفة من مستشاريه بشأن وقف تسليح كييف.

وكان ترامب قد حذّر خلال حملته الانتخابية من أن كييف “نهبت الولايات المتحدة بالحصول على أسلحة بقيمة مليارات الدولارات مجاناً”.

وقد تدفعه رغبته بإنهاء الحرب إلى النظر في قطع أو تقليص الإمدادات العسكرية لأوكرانيا،

ولكن أي خطوة من هذا النوع قد تواجه معارضة شديدة من الكونغرس الأمريكي، حيث يرى عديد غير قليل من المشرعين ضرورة استمرار دعم أوكرانيا لردع التوسع الروسي.

ولكن في حال سيطرة الجمهوريين على الكونغرس وهي متوقعة، من المرجح أن يجد ترامب دعماً أكبر لموقفه، وأن يواجه معارضة خجولة من قبل الجناح التقليدي في الحزب الذي يعتبر دعم أوكرانيا جزءاً من الحفاظ على الاستقرار الأمني في أوروبا.

ومن بين الأفكار المقترحة داخل مكتب ترامب الانتقالي التي نشرت مؤخراً، أن تتعهد كييف بعدم الانضمام إلى حلف الناتو لمدة عشرين عاماً على الأقل، وتتعهد الولايات المتحدة بضخ الأسلحة إلى أوكرانيا لردع أي هجوم روسي في المستقبل.

وبموجب هذه الخطة، سيتم تثبيت خط المواجهة الحالي، وسيتفق الجانبان على منطقة منزوعة السلاح تشرف عليها قوة لحفظ السلام لا تشمل قوات أمريكية، ولا هيئة دولية تمولها أمريكا مثل الأمم المتحدة.