لكل السوريين

إدلب بين أمرّين.. تعقيدات المشهد السياسي وتحديات الواقع المفروض من حكومة الإنقاذ الجولانية

تعدُّ إدلب واحدة من المناطق الأكثر تعقيداً على الساحة السورية، وخاصة في ظل سيطرة مرتزقة هيئة تحرير الشام عليها بقيادة ما يسمى بـ “أبو محمد الجولاني”، وهي دون أدنى شك امتداد لتنظيم القاعدة الإرهابي.

يرزح أهالي إدلب تحت سيطرة ما يسمى حكومة الإنقاذ التي شكلها الجولاني، كشكل من أشكال الحكم الخاص بإدلب ليتجنب البوح الصريح بإعلانها إمارة إسلامية.

في ظل هذه السيطرة تبرز تحديات كبيرة أمام الأهالي، على الصعيد الإنساني والاقتصادي، حيث تعيش إدلب أزمة إنسانية متفاقمة، إذ يعاني السكان من نقص حاد في الموارد الأساسية، مثل الغذاء والدواء وخاصة في المخيمات والتجمعات السكانية، والتي يقدر عددها حسب التقارير الأممية بـ 199 تجمع.

تعاني الأسر من ارتفاع الأسعار وعمليات احتكار السلع، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية، حيث تفرض الهيئة ضرائب ورسومًا مرتفعة، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على المدنيين الذين يعانون بالفعل من الفقر والبطالة علاوة على ذلك، فإن التضييق المفروض على الأنشطة الاقتصادية من قبل الهيئة يساهم في تفشي الفساد، مما يعيق القدرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

إن استمرار الاحتجاجات من قبل الأهالي هناك على ممارسات حكومة الإنقاذ، يؤكد دون أدنى شك على عجزها في إدارة المنطقة، وافتقارها إدارياً وتنظيمياً، ناهيك عن ممارسات القمع والتنكيل بحق كل من يرفض سياساتها المالية والاقتصادية والسياسية، وتتضمن هذه الممارسات حملات اعتقال وتضييق على حرية التعبير، مما يجعل من الصعب على الناشطين والمواطنين التعبير عن آرائهم، أو المطالبة بحقوقهم، كما يشير عدد من الناشطين أن أي شكل من أشكال المعارضة يُقابل بقسوة من قبل الهيئة، اعتقال تعذيب ومصادرة أملاك …الخ

تسعى ما تسمى هيئة تحرير الشام إلى تقديم نفسها كقوة محلية شرعية، ليكون لها دور في مستقبل الحل السوري، متناسية حقيقة أنها جزء من مشروع خارجي انفصالي وإرهابي، وتبقى ممارساتها القمعية أكبر دليل على ذلك.

وعلى الرغم من محاولاتها التقرب من المجتمع الدولي، تظل الهيئة مصنفة كجماعة إرهابية، مما يعقد فرصها في الحصول على الدعم الخارجي أو إدماجها في أي حل سياسي قادم.

ومع استمرار سيطرة هذا التنظيم على إدلب تستمر الضغوط العسكرية من النظام السوري وحلفائه بهدف السيطرة على المنطقة، وهذا أدى إلى نزوح عدد كبير من المدنيين من مناطق التماس، وفتح المجال أمام التوترات الداخلية بين مختلف الفصائل، مما ينعكس على السكان هناك وخاصة في ظل التنوع السكاني هناك، مع وجود عدد كبير من النازحين من مختلف المناطق السورية، والذين قدموا إلى إدلب وفق تسويات وانسحابات للمعارضة تمت ضمن تفاهمات رعتها تركيا في مؤتمرات أستانا.

تنتهج تركيا سياسة حذرة تجاه هيئة تحرير الشام، وتتذرع أن سياساتها تهدف إلى الحفاظ على استقرار الحدود ومنع تدفق اللاجئين، ومع ذلك تبقى العلاقات بين تركيا والهيئة مشبوهة ومعقدة، إذ ترفض أنقرة تقديم دعم سياسي علني لها نظراً لتصنيفها كمنظمة إرهابية، ولكن في ذات الوقت الهيئة هي التي ترعى المصالح التركية، من حماية نقاط المراقبة التركية، ومرافقة الارتال العسكرية التركية إضافة إلى أنها فرضت التعامل بالعملة التركية ومنعت التداول بالعملة السورية، وهذا ما يفضح المخططات الانفصالية التي تسعى لها تركيا من بوابة التنظيمات الإرهابية.

إضافة إلى كل هذا لا توجد مواقف دولية ورؤيا واضحة من سيطرة الإرهابين على إدلب، حيث هناك ضغوطات غربية واضحة لمنع تجدد المعارك هناك بين قوات النظام السوري وهيئة تحرير الشام، وذلك خشية تجدد موجات النزوح وتدهور الأوضاع الإنسانية.

وفي ذات الوقت يصنفون الهيئة كتنظيم إرهابي، مع غياب مخططات بشأن تحرير المنطقة من هذا التنظيم كما جرى مع تنظيم داعش الإرهابي، فيما تعتبره بعض الدول أنه مختلف عن تنظيم داعش وربما هذا يعود إلى التكتيك الذي يتبعه  الجولاني في الفترة الأخيرة من محاولات تحسين صورة التنظيم أمام المجتمع الدولي، مستغلاً الوضع الإنساني الصعب في إدلب، والتجاذبات السياسية بين الغرب وروسيا التي تدعم القوات الحكومية السورية، وذلك في ظل وجود إرادة غربية للضغط على روسيا بسبب معارك أوكرانيا، وغياب الرؤية السياسية الدولية الواضحة لحل الأزمة السورية، في ظل تضارب المصالح الدولية في المنطقة.

في الختام يظل السكان في إدلب ضحية سيطرة المجموعات الإرهابية، والتعقيدات السياسية الدولية بما يخص الملف السوري بشكل عام وملف إدلب بشكل خاص.