لكل السوريين

هجرة الكثير من الشباب والخبرات باللاذقية بحثاً عن لقمة العيش

 تقرير/ سلاف العلي

بعد سنوات الحرب ونتيجة للضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تجبر الشباب بالساحل السوري، على البحث عن فرص عمل تؤمن لهم مستقبلهم وتقيهم شر البطالة والرواتب التي بالكاد تكفي احتياجاتهم الشخصية لأيام معدودة في الشهر، وهو ليس الإعلان الأول بل يوجد مثله الكثير.

السيد عادل وهو سبعيني، لديه ولدين وبنتين سافروا جميعا إلى العراق يقول: الآن نعيش أنا وأمهم وأتمنى لهم التوفيق، صحيح نشعر بالاشتياق لهم، ولكن وضعنا الصحي لا يسمح لنا بالخروج من المنزل، وهم يأتون إلى سوريا في الصيف، لكن لو لم يسافروا لكنت الآن أشكي القلة وعدم القدرة على تزويجهم أو حتى إطعامهم، على أمل أن يستطيعوا العودة قريبا مع تحسن الظروف.

السيد جلال وهو ستيني أخبرنا: أنه لديه شاب تخرج مهندس معلوماتية سافر إلى دبي وبعد سنة لحقته أخته الممرضة والآن يعملان في دبي نتيجة غياب فرص العمل هنا وقلة الرواتب والتي لا تسمح لهما ولا كل الشباب أن يجهزوا بيتا ويتزوجوا، ونحن نحتاجهم معنا ولا نريد المال رغم حاجتنا له للعيش وللأدوية لكن تخربط مستقبلهم كله، ولا نعرف متى يأتي نصيبهم ويتزوجوا، لكن الفشل الحياتي والمعاشي هنا دفعهم للبحث والتنقيب عن أية فرصة عمل أخرى.

السيدة هند المعلمة المتقاعدة أخبرتنا: أن زوجها متوفي وهي في الستين من عمرها ولديها بنتين إحداهما تعمل بالتجميل والأخرى تعمل بالطبخ سافرتا إلى عمان منذ ثلاث سنوات وبقيت لوحدها وبقيت وحيدة وتعاني من عدة أمراض السكر والضغط، دفعتها ابنتيها للبحث عن امرأة تجلس وتنام عندها وتعتني بها، ويتصلان بها كل يوم ويطمأنا عن والدتهما، لكن كل ذلك لا يعوضها غياب ابنتيها، رغم إن المرأة جيدة ونظيفة ومهتمة بأكلها وأدويتها وحركتها، وابنتيها يرسلان لها مرتبها الشهري وأغراض أخرى، لكن ببساطة لم تتزوج البنتين، وسيصبحن عوانس وماذا سيفيدهن كل أموال الأرض، فقد خسرن عمرهن، وخسرتهن أنا.

أما أبو ماهر وهو في عمر الخامسة والستين وزوجته في الستين، وهما مريضان ومتعبان بالحركة، واتفقا مع ولديهما المسافران إلى العراق للعمل، على إيجاد عائلة تجلس عندهما ويعتنيان بهما مع راتب شهري جيد، شرط وجود شخص بالغ بشكل دائم مع هذين المسنين، وبعد البحث المضنى توفرا على عائلة مؤلفة من امرأة وزوجها وافقا على النوم بالمنزل والأشراف على المسنين وعلى الشروط المطلوبة في العائلة، وعن إمكانية قبول أن يعيشا مع المسنين بلا عائلة، وكان الخوف أن يأتي الرد ممن يعانون في تأمين مساكن تؤويهم في ظل الأرقام المليونية المطلوبة هذه الأيام لتأجير المنازل.

السيدة أم منذر المريضة والوحيدة وتملك ثلاث أولاد شاب وفتاتين سافروا إلى الخليج للعمل، فالشاب يعمل بقطر منذ ثلاث سنوات وبنت تعمل بالشارقة منذ أربع سنوات، والأخرى بجدة منذ سنتين، أخبرتنا بكل ألم وحزن: لقد فرطت عائلتنا بحثا عن الرزق وإيجاد سبل للعيش الكريم، فقد خسرنا كل شيء ولا أعلم متى نلتقي، لقد كانت التحولات الاجتماعية خطرة في بنية المجتمع وخاصة بسنوات الأزمة، وخاصة هنا باللاذقية لم يعد بالإمكان العيش لا كهرباء ولا ماء ولا خبز ولا مستقبل، فاضطروا أولادي للبحث عن المستقبل بالخارج لقد رهنوا حياتهم لمستقبل سحب منهم كل شيئ حتى الأمل بشيئ ما، نعم إنهم حولوا حياتي إلى شكل آخر ومقبول لكن ببحثهم عن مستقبل سيخسرون كل شيء مع كل أسف.

السيد أبو مأمون وهو في بداية الستين من عمره وزوجته توفيت العام الماضي سافر أولاد الأربعة إلى دبي وتركوه وحيدا، ودفعوا مبالغ كثيرة من أجل السفر بعد أن استدانوا، والآن يعيدون ما استدانوه ولا يستطيعون إرسال مبالغ كبيرة لي، لكن يساعدوني بالعيش الكريم وتأمين أدويتي، وأتمنى لهم مستقبلا أفضل، وأضاف بكل حسرة وحزن على مغادرة أولادهم وتركه وحيدا وقال نحن نعمل على إيجاد المبرر والعذر لمن يهاجرون حتى يؤمنوا أنفسهم ويكون بمقدورهم إعالة أهلهم أفضل من البقاء في البلد والتحسر على كل شيء.

السيد أبو علاء سافر أولاده وأمنوا فرص عمل والآن قدم استقالته من وظيفته حتى يلتحق بهم مع والدتهم، يؤكد أن ظروف البلد حاليا طاردة للشباب ومن حقهم البحث عن الأفضل.

لكن الدكتور زاهر أشار إلى أن الجميع بحاجة للسفر والبحث عن طريقة للعيش أفضل فالأمور لم تعد تحتمل، إن سوريا مقبلة على اختلال بنيوي كبير واقتصادي خطر، لأن التفكير بالهجرة لا يقتصر على الشباب بل هو حلم الأطفال والكبار، لأن الدخول لا تكفي لسد رمق العائلات ولا تسمح لأحد أن يفكر بالبقاء، لذلك هاجر كل العلماء وأغلب الأطباء والصناعيين والحرفيين وحتى العمالة الماهرة، واستقطبتهم كل دول العالم التي تعرف من هو السوري ومدى إخلاصه لمهنته وإبداعه في عمله.

لكن الطبيبة النسائية مريم أضافت: في المقابل أصبحنا نلحظ أن نسبة كبار السن تنزاح نحو الازدياد على حساب الشباب، وأصبحنا كالدول الأوروبية شعبا كهلا، وحاليا نسبة كبيرة من غلاء كل شيء يمكن إعادته إلى ندرة العمال والخبراء، فأصبحت قوة العمل مكلفة كغيرها من باقي مدخلات الإنتاج.

وأوضح الدكتور زاهر: في حال استمرينا على هذا المنوال ستزيد معاناتنا الاقتصادية والاجتماعية، ومواجهة الأمر تتطلب تضافر جهود الجميع من جهات حكومية ومجتمع أهلي لخلق المناخ الملائم حتى نقنع الشباب بالبقاء، عن طريق تذليل العقبات أمام تأسيس المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتطمين شبابنا على مستقبلهم ومكافحة الهدر والفساد والاستغلال.