في ظل الانهيار الأمني وانتشار الفقر بعد سقوط النظام السوري السابق، تشهد البلاد موجة غير مسبوقة من نهب وتهريب الآثار، وسط تحوّل مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها “فيسبوك”، إلى منصات لبيع الكنوز الثقافية المنهوبة من قلب الحضارة.
من تدمر إلى سلمية، تتعرض المواقع الأثرية السورية لعمليات حفر غير مشروعة ونهب منظم، يقودها لصوص مسلحون ومجهزون بأجهزة كشف معادن متطورة. يقول محمد الفارس، أحد سكان تدمر وناشط في منظمة “التراث من أجل السلام”: “حين تُخلط الطبقات الأثرية القديمة بهذه الطريقة، يصبح من المستحيل على علماء الآثار فهم تسلسل التاريخ”.
وتعرضت مدينة تدمر، التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، لأضرار جسيمة خلال سيطرة تنظيم “داعش” عليها في 2015. إلا أن موجة النهب الحالية تفوق ما شهدته المدينة خلال الحرب، بحسب ما تؤكده شهادات محلية وخبراء في مجال التراث.
ووفقاً لمشروع “ATHAR” المعني برصد الاتجار غير المشروع بالآثار، فقد وقعت نحو ثلث حالات التهريب السوري المسجلة منذ عام 2012 – والبالغ عددها 1500 – خلال الأشهر الستة الأخيرة فقط، وتحديداً بعد سقوط النظام في كانون الأول الماضي.
يقول الدكتور عمرو العظم، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة شوني ستيت الأمريكية والمدير المشارك في مشروع ATHAR: “انهيار جهاز الأمن السوري أطلق العنان لحمى نهب غير مسبوقة. ما نراه اليوم هو انهيار كامل للقيود التي كانت تحد من هذه الأنشطة سابقاً”.
ويُقدَّر أن أكثر من 90% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، ما يجعل بيع الآثار وسيلة للبقاء لدى كثيرين. في دمشق، تنتشر محال بيع أجهزة الكشف عن المعادن، وتُعرض على فيسبوك قطع أثرية مثل فسيفساء وتماثيل وقطع نقدية، في مجموعات عامة وخاصة تضم مئات الآلاف من الأعضاء.
رغم إعلان “فيسبوك” حظر بيع الآثار عام 2020، إلا أن التقارير تشير إلى أن المنصة ما تزال تستخدم بشكل واسع كوسيلة لتصريف القطع المسروقة. وتقول كاتي بول، المديرة المشاركة لمشروع ATHAR: “فيسبوك يدرك تماماً حجم الجريمة التي تُرتكب من خلاله، ومع ذلك فإن التزامه بتطبيق سياسته لا يزال ضعيفاً للغاية”.
وأظهرت تحقيقات المشروع لقطات لفسيفساء من الرقة بيعت خلال أسبوعين فقط، مقارنة بفترات بيع كانت تستغرق عامًا في السابق. ويشير الباحثون إلى أن شبكات التهريب تنقل الآثار من سوريا إلى تركيا والأردن، ثم تُهرّب إلى أوروبا والولايات المتحدة عبر وثائق مزورة، لتصل لاحقاً إلى صالات المزادات الدولية.
في مواجهة هذه الظاهرة، أصدرت سلطة دمشق تهديدات بالسجن تصل إلى 15 عاماً ضد من يثبت تورطه، إلى جانب تقديم مكافآت مالية لمن يُسلم القطع بدلاً من بيعها. إلا أن هذه الجهود تُقابل بضعف الإمكانيات وقلة الموارد، وسط الفوضى التي خلفتها سنوات الحرب.
ويحذر الباحثون من أن الجهود يجب أن تركز أيضًا على كبح الطلب في الغرب، وهو السوق الرئيسي لهذه الآثار. “ما لم يتوقف الطلب في أوروبا وأمريكا، فلن تتوقف هذه التجارة”، يؤكد العظم.
أما في تدمر، فيحاول السكان المحليون تنظيم أنفسهم لحماية ما تبقى من تراث مدينتهم، حاملين على عاتقهم عبء الدفاع عن حضارة يمتد عمرها آلاف السنين.