حماة/ جمانة الخالد
يبرز شارع ابن رشد وسوق الطويل كمشهدين متناقضين يعكسان واقع مدينة حماة الاقتصادي والاجتماعي، فمن جهة، تحتضن الشوارع الراقية متاجر فاخرة تجذب ميسوري الحال، في حين تزدهر أسواق شعبية تلبي احتياجات محدودي الدخل.
غير أن تلك المعادلة التي حافظت على توازنها لسنوات، تعرضت للتغيير مع انتشار ظاهرة البسطات، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المشهد اليومي للمدينة بعد عام 2011، ما أثار جدلاً بين من يرى في البسطات مصدر رزق ضروري لأصحابها وملجأ لزبائنها، وبين من يطالب بإزالتها حفاظاً على جمالية المدينة.
خلال الأسبوعين الماضيين، نفذت محافظة حماة حملة لإزالة البسطات والإشغالات غير النظامية من الأرصفة والطرقات في أسواق وشوارع المدينة بدأتها في شارعي ابن رشد والدباغة، بالتنسيق بين قيادة الشرطة ومجلس المدينة، معتبرة أن تلك البسطات تسبب ازدحاماً واختناقات مرورية في شوارع المدينة وأرصفة المشاة.
ويشترك شارع ابن رشد مع شارع الدباغة وسط مدينة حماة بوجود محال تجارية ذات بضائع فاخرة، والتي يرتادها ميسورو الحال من أهل المدينة غالباً، فيما اختص سوق الطويل، وهو سوق مغطى يقع على الجهة المقابلة للسوقين، بوجود البضائع الشعبية المنوعة، ذات الإنتاج المحلي غالباً، والتي تغطي احتياجات الشريحة العظمى من الحمويين ذوي الدخل المحدود.
شارع ابن رشد، الذي يمتد من قلعة حماة وصولاً لحي الدباغة طولاً، توسع مع مرور الزمن ليشمل سوقين مجاورين، هما الحدادين والنجارين وصولاً لحي المغيلة، حيث انتشرت في تلك الأسواق العديد من المحال التجارية التي تختص أيضاً ببيع البضائع الفاخرة من مختلف الاحتياجات.
ظاهرة حديثة قديمة، حيث لم يخل منها الشارع يوماً، وخاصة في أيام الأعياد، ولكنها كانت تقتصر على بعض أنواع الموالح والحلويات محلية الصنع أو الجوارب والحقائب وغيرها من بضائع يمكن لأصحابها نقلها بسرعة في حال داهمتهم دورية من التموين أو البلدية، إلا أن تلك البسطات الخفيفة تحولت إلى ظاهرة قائمة ودائمة مغيرة وجه الشارع بالأكمل، كما تغير كل ما في المدينة بعد عام 2011.
وازداد عدد البسطات في السنوات العشر الأخيرة بشكل ملحوظ في الشارع، وأصبح السكان يجدون صعوبة في تمييز المحلات والوصول إليها.
في حين يرى آخرون أن هناك العديد من المظاهر غير الحضارية في المدينة كان الأجدى أن تطولها قرارات الإزالة أو التغير، إذ كان بإمكانهم تزفيت الشوارع أو تنظيفها من القمامة المتراكمة، أو أن يتلافوا رائحة العاصي التي أصبحت نتنة.
كانقسام الأسواق، انقسم الحمويون مع بقاء تلك البسطات كمصدر رزق لأصحابها وملاذاً للمستهلكين من ذوي الدخل المحدود، أو إزالتها بحثاً عن مظهر حضاري للمدينة.
وأصبح الشارع مكتظاً على صفيه بالبسطات، التي تضم كل أنواع البضائع من ملابس مستلزمات منزلية ومأكولات محلية الصنع وموالح وفواكه وحقائب، وكل ما يحتاجه المستهلك.
حتى أن أصحاب البسطات اهتموا بتطوير شكل بسطاتهم مؤخراً، فلم تعد الملابس تفرش على الأرض مثلاً، بل أصبح لها حوامل (ستاندات) تعلق عليها بشكل مرتب فتشعر وكأنك في محل بالهواء الطلق.
ويرى سكان أن قرار إزالة البسطات قد أثر على حركة البيع والشراء في الشارع مؤخراً، واعتبر غالبية الحمويين أن هذا القرار نوع من الاستعراض “فرد عضلات” لمحافظ جديد كسابقيه، حيث لابد لهم من إصدار قرارات مباشرة أو فورية في حال تسلمهم المنصب كنوع من الاستعراض للفت الأنظار.
ويؤكد أحد أصحاب البسطات أنه “لا داعي للخوف والقلق، فهذا أمر مؤقت غالباً، بإمكاننا الانتظار قليلاً ريثما نجد طريقاً للدفع وإعادة فتح البسطات، فكل شيء في البلد يُحل بالدفع”.
في مقابل ذلك، كشفت موظفة في محافظة حماة، أن القرار “جدي هذه المرة”، مضيفة أن “هناك قرارات لإزالة البسطات من شارع 8 آذار تُدرس على الطاولة”، وبين معارض لوجود البسطات ومؤيد لها، رفقاً بأصحابها وزبائنها من محدودي الدخل، يتمنى الغالبية من أهالي حماة اليوم أن تجد الدولة مكاناً يُخصص لأصحاب البسطات كافة، حفاظاً على أرزاق أصحابها وسعياً لتأمين مستلزمات الغالبية من أهل المدينة الذين تغطي تلك البسطات احتياجاتهم.
وربما يأتي ذلك تيمناً بسوق التنك، وهو سوق جديد أقامته محافظة حمص في حي الإنشاءات قرب دوار النخلة، بعد أن انتشرت البسطات بشكل كبير في الحي ذو الطابع الراقي، عقب نزوح أهالي حمص القديمة إليه وإقامتهم لتلك البسطات، فسعياً للحفاظ على رقي الحي اعترض أهاليه مقدمين طلباً بالحفاظ على أرزاق هؤلاء المتعيشين مع عدم المساس بمظهر الحي، وكانت النتيجة سوق التنك.