لكل السوريين

في ظل حرب الجنوب.. اللاجئون السوريون يعانون في لبنان والسلطات لا تسهّل عودتهم

يعاني اللاجئون السوريون في لبنان من ظروف صعبة للغاية، حيث يعيش العديد منهم في مخيمات غير رسمية تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، وتشدد السلطات اللبنانية القيود على حركتهم، وتصعّد حملاتها لإعادتهم إلى بلادهم رغم أن الظروف في سوريا لم تتحسن بما يكفي لضمان عودة آمنة لهم.

وتفاقمت معاناتهم بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، وارتفاع الأسعار بشكل جعل من الصعب عليهم تأمين احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والمأوى.

وأدى هذا الوضع إلى تزايد التوترات بينهم وبين السكان المحليين الذين ينظرون إلى اللاجئين على أنهم عبء على الموارد الشحيحة في لبنان.

وبعد تصاعد المواجهات في الجنوب اللبناني مع العدو الإسرائيلي، تزايدت معاناة السوريين في المنطقة وما حولها، وفقد كثيرون أرواحهم بفعل القصف، كما حدث في بلدة يونين بمنطقة البقاع حيث استهدفت غارة إسرائيلية أحد المباني، مما أسفر عن مقتل أكثر من عشرين لاجئاً سورياً معظمهم من عائلة واحدة.

وتشرد كثيرون منهم في مناطق الجنوب والبقاع بين الحدائق العامة وتحت الجسور دون مأوى.

اللاجئون في ظل حرب الجنوب

يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان لتأثيرات متعددة بسبب حرب الجنوب، بدءاً من التهديدات الأمنية المباشرة ووصولاً إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

وشكّلت الاشتباكات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله تهديداً مباشراً للاجئين السوريين المقيمين في مناطق الجنوب، حيث يعيش العديد منهم في مخيمات قريبة من مناطق المواجهة، مما جعلهم عرضة للقصف خلال الاشتباكات.

وضاعفت الحرب في الجنوب أعباءهم الاقتصادية الصعبة، وقللت من فرص العمل أمامهم، حيث يعتمد العديد منهم على الأعمال اليومية المؤقتة.

وأدت التوترات المتواصلة في الجنوب إلى تنامي الشعور بالاستياء من اللاجئين السوريين من قبل بعض فئات المجتمع في الجنوب، حيث الموارد محدودة والأوضاع الاقتصادية متدهورة.

كما ضاعفت الحرب الضغط على منظمات الإغاثة الدولية والمحلية التي تعمل على دعم اللاجئين، فتراجعت الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدمها لهم، حيث اضطرت بعض هذه المنظمات إلى تقليص نشاطها، أو نقل عملياتها إلى مناطق أكثر أماناً.

واضطر بعض اللاجئين السوريين إلى النزوح داخل لبنان نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية في مناطقهم، مما زاد وضعهم الإنساني تعقيداً، وأدي إلى تشتت أسرهم.

نزوح مزدوج

قالت الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان “إن المفوضية تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بحرمان أسر اللاجئين من الوصول إلى الملاجئ الجماعية”.

وأضافت “تعمل المفوضية وشركاؤها مع السلطات المعنية على إيجاد حلول عاجلة”.

وأشارت إلى أن “الأعمال العدائية تخلق تحديات لجميع الفئات السكانية والمجتمعات المحلية التي تستحق جميعها الوصول بشكل متساو إلى الأمان والكرامة”.

وأوضحت أن “اللاجئين الذين فروا من وطنهم بحثاً عن الأمن والأمان، يواجهون حالياً واقعاً صعباً مع اضطرارهم إلى النزوح مرة أخرى في لبنان جرّاء الأعمال العدائية المستمرة”.

وحذرت المفوضية من أن “حالة النزوح المزدوج تؤدي إلى تفاقم جوانب ضعفهم”.

وذكرت أن “انعدام الخيارات أمام اللاجئين السوريين وضعهم في حالة سيئة إلى أبعد الحدود، قسم منهم في الحدائق العامة بينما قرر الكثير من الرجال إرسال النساء والأطفال إلى سوريا، بعدما أغلقت جميع الطرق أمامهم”.

كما أشارت عدة تقارير إلى وجود عائلات سورية دون مأوى تحت جسر خلده وعين المريسة، وفي الحدائق العامة.

لا تسهيلات لعودة اللاجئين

قدمت السلطات السورية تسهيلات كثيرة للاجئين اللبنانيين القادمين إلى سوريا، فيما اعتبر دعماً لحلفائها في لبنان، وخطوة في إطار التحالفات السياسية الإقليمية، ومحاولة لتعزيز موقفها كداعم للمقاومة ضد إسرائيل، وتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، في ظل الانتقادات التي تواجهها بسبب طريقة تعاملها مع الأوضاع الداخلية.

ورغم ترويج هذه السلطات لعودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وغيرها، ولكنها لم تقدم لهم أي تسهيلات تشجعهم على العودة، مما يعكس قلقها من زيادة الأعباء الاقتصادية الداخلية في ظل معاناة البلاد من أزماتها الحادة، إضافة إلى أنها لا ترغب في عودة أعداد كبيرة من اللاجئين المعارضين لاعتقادها بأن عودتهم ستفاقم التوترات الداخلية القائمة.

وتستخدم السلطات السورية هذا التناقض في التعامل مع اللاجئين السوريين واللبنانيين كوسيلة لإظهار قدرتها على استيعاب لاجئين من الخارج، وإرسال رسالة للمجتمع الدولي تفيد بأنها قادرة على لعب دور مهم في إدارة الأزمات الإقليمية، ولكن العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الدولية تضر بقدرتها على تحقيق الاستقرار والقيام بمثل هذا الدور.

جهات أممية تحذر من تأثير الحرب في لبنان على السوريين

مع تصاعد وتيرة القصف في لبنان واستمراره، حذّر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، من تأثير تصاعد الصراع الإقليمي على سوريا، بما في ذلك استمرار الضربات الإسرائيلية.

وجدد المبعوث الأممي دعوة الأمين العام للأمم المتحدة من أجل وقف إطلاق النار في غزة، ووقف الأعمال العدائية في لبنان، وقال في بيان إن ذلك يأتي “بعد أن حذر مراراً وتكراراً من تداعيات تصعيد الصراع الإقليمي على سوريا والسوريين”.

وأعرب بيدرسن عن “قلقه العميق” إزاء الارتفاع الحاد في التوترات في المنطقة في الأيام الأخيرة، بما في ذلك استمرار الضربات الإسرائيلية على سوريا، وأكد على “هشاشة وضع عشرات الآلاف من السوريين، الذين تم تهجيرهم عدة مرات، والذين يفرون مرة أخرى طلباً للنجاة، يواجهون موجات جديدة من المعاناة”.

كما أعرب بيدرسن عن “قلقه بشكل خاص إزاء التأثير الشديد الذي قد يخلفه أي عنف إضافي على المدنيين السوريين، الذين تحملوا بالفعل معاناة لا يمكن تصورها”، موضحاً أن “مثلهم كمثل جميع المدنيين العالقين في الصراع، والذين يجب حمايتهم أينما كانوا”.

وطالب المبعوث الأممي “باحترام سيادة سوريا وجميع الدول في المنطقة”، مشيراً إلى أن “الحاجة إلى أعلى درجات ضبط النفس والهدوء أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، بما في ذلك خفض التوتر عبر المنطقة بأكملها، وكذلك داخل سوريا وصولاً إلى وقف إطلاق نار شامل وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254”.

في سياق ذلك، حذّر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” من تأثير استمرار الأعمال العدائية في المنطقة على سوريا، مطالباً جميع الأطراف باحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي.

وفي تقريره اليومي، ذكر “أوتشا” أن الغارات الإسرائيلية على دمشق، منتصف الأسبوع الماضي، كانت على بعد نصف كيلومتر من عدة مكاتب للأمم المتحدة، وأسفرت عن مقتل مدنيين في دمشق، كما سقط صاروخان على بعد 120 متراً من مكاتب الأمم المتحدة في دمشق.

وأشار إلى الهجوم الذي طال المناطق المحيطة بالعديد من المعابر الحدودية في محافظتي حمص وريف دمشق، موضحاً أن أحدها يقع على بعد كيلومتر واحد من فرق الأمم المتحدة وشركائها التي تستجيب لتدفق العائلات السورية واللبنانية العابرة إلى سوريا.

وأضاف التقرير أن الغارات الجوية الإسرائيلية على محافظتي درعا والسويداء جنوبي سوريا، الأربعاء الماضي، أدت إلى حدوث اضطرابات مؤقتة في بعض الأنشطة الإنسانية.

وطالب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي جميع الأطراف باحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، مؤكداً على جميع الأطراف المعنية بضرورة تجنب الهجمات التي قد تلحق الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية.

الأمم المتحدة: السوريون العائدون متضررون

قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن اللاجئين السوريين العائدين من لبنان يذهبون إلى منازل مدمرة وبنية تحتية متضررة وخدمات أساسية معطلة، مشيرة إلى أن 60 بالمئة منهم هم من الأطفال والمراهقين.

أوضحت مستشارة الاتصالات في مفوضية اللاجئين، رولا أمين، في تصريحات صحفية مطلع الأسبوع الجاري، أن معبر المصنع أصبح خارج الخدمة أمام حركة المرور، إلا أن المعابر الحدودية الثلاثة الأخرى مفتوحة وتعمل، مضيفة أن المفوضية تعمل جنباً إلى جنب مع “الهلال الأحمر السوري” وشركاء إنسانيين آخرين على المعابر الأربعة لدعم الأشخاص الذين يعبرون إلى سوريا.

وذكرت أمين أن الأشخاص الذين يعبرون إلى سوريا كانوا في الغالب سوريين ولبنانيين، ولكن بينهم أيضاً بعض اللاجئين الفلسطينيين ومواطنين عراقيين ومهاجرين من جنسيات أخرى، مشيرة إلى أن المفوضية تقدم المساعدة القانونية للعائدين السوريين، بالإضافة إلى مواد الإغاثة الأساسية.

وأفادت المسؤولة الأممية أن نحو 60 بالمئة من الأشخاص الذين يصلون إلى سوريا من لبنان هم من الأطفال والمراهقين، وبعضهم وصلوا غير مصحوبين بذويهم، مضيفة أن الأسر “تصل مرهقة جسدياً ونفسياً، وهي بحاجة ماسة للدعم، وبعضها تحتاج إلى رعاية طبية عاجلة”.

وأوضحت أن “العديد من الأشخاص فروا من منازلهم دون أي أوراق ثبوتية”، لافتة إلى أنهم “كانوا بعيدين عن سوريا لسنوات، وكثيرون منهم ليست لديهم شهادات ميلاد أو وثائق أخرى، لذلك نساعد على هذه الجبهة أيضاً”.

وقالت إن “غالبية السوريين الذين يصلون يتجهون إلى مدنهم وقراهم الأصلية للانضمام إلى أقاربهم في أماكن أخرى، وهو ما تدعمه المفوضية بالحافلات، وبعضهم يحتاج إلى سكن في مراكز استضافة في جميع أنحاء البلاد”.

وأضافت أنهم “وصلوا دون أي موارد لمساعدتهم على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم”، موضحة أنه “علينا التذكر أنه حتى يومنا هذا ما يزال أكثر من 7.2 مليون شخص داخل سوريا نازحين داخل البلاد وهم في حاجة إلى مساعدات إنسانية”.

وأكدت مستشارة الاتصالات في مفوضية اللاجئين أن “معاناة أولئك الذين يعبرون الحدود لا تنتهي عند الحدود”، معربة عن الأسف من أنه “بعد 13 عاماً من الأزمة، يذهب العديد منهم إلى منازل مدمرة وبنية تحتية متضررة وخدمات أساسية معطلة”.

ووفق بيانات مفوضية اللاجئين، فإن نحو 300 ألف شخص عبروا إلى سوريا من لبنان حتى 6 تشرين الأول الجاري، نتيجة لتصاعد التوترات بين إسرائيل و”حزب الله”، 70 % منهم نازحين سوريون، في حين يشكل اللبنانيون 30 %.