لكل السوريين

تركيا لاعب رئيس في سرقة الآثار السورية

 

بالتزامن مع اندلاع الأزمة السورية منذ آذار/مارس 2011 وتفاقم حدة الصراع على أراضيها, نشطت أعمال التنقيب غير المشروعة ضمن مواقعها الأثرية, ونشطت معها حركة المهربين والسماسرة والوسطاء وتجار التحف الفنية الساعين إلى نهبها وبيعها.

ومع مرور الزمن أصبح البحث عن الآثار السورية مصدرا لدخل الكثيرين من ضعاف النفوس وعونا لبعض الفصائل والتنظيمات المقاتلة في العديد من مناطقها, فتشكلت فرق وشبكات للبحث والتهريب مما سهل من عمليات التنقيب ويسر من نقل القطع واللقى إلى البلدان المجاورة ثم إلى بلدان أخرى حيث السوق السوداء ودور المزاد العلني.

من خلال الاطلاع على عشرات التقارير والمقالات المتخصصة بهذا الشأن نجد أن تركيا ومن خلال الأتراك العاملين بهذا المجال من الوسطاء والمهربين والتجار ضالعة بشكل فعلي في تدمير ونهب المواقع الأثرية السورية, فقد سخرت حدودها, التي اعتبرت ممرا حيويا, منذ بداية الأزمة لنقل القطع الفنية (كالعملات المعدنية والتماثيل والأواني الزجاجية والفخارية والمخطوطات واللوحات الفسيفسائية) إلى أراضيها, بالإضافة إلى تقديم تجار الآثار في تركيا تسهيلات للعاملين في مجال نهب المواقع وذلك من خلال تزويدهم بخرائط وأجهزة متطورة ساعدت على البحث عن التحف كأجهزة كاشفات المعادن الفرنسية والمتوفرة في الأسواق التركية والتي تتراوح أسعارها ما بين ألف وستة آلاف دولار, ناهيك عن تحريض المستفيدين من المسؤولين الأتراك للفصائل المقاتلة وعلى وجه الخصوص تنظيم “داعش” وحضها للعمل على نهب و تهريب الآثار السورية والعراقية وهو ما أشار إليه الباحث بالعلاقات الدولية فيدريكو سولفريني بقوله ” إن تركيا كانت تدعم تنظيم داعش بطريقتين, إحداهما إنشاء نظام تمويل غير مباشر قائم على المتاجرة بالنفط والقطع الأثرية”, وبحسب المتتبعين فإن التنظيم كان يجني أرباحا طائلة من تهريب الآثار التي شكلت عائداتها ثاني مصدر تمويل لها بعد النفط إذ قدرت تجارتها بعشرات الملايين من الدولارات سنويا.

 التحريض أو الدعم التركي للتنظيم كان قد شجعها على إنشاء ديوان خاص بالآثار أجاز للأشخاص وللورشات العادية بالبحث عن الآثار في أي موقع يختاره هؤلاء بعد منحهم تراخيص بذلك كما أجاز لبعضهم استخدام الآليات الهندسية الثقيلة في بعض المواقع كتل عجاجة والسورة، حيث أشارت بعض التقارير أن تنظيم “داعش” كان له /35/ فرعا يعمل بهذا المجال وكل فرع يضم نحو /45/ عضوا ممن يديرون ويشرفون على هذه الأعمال, حيث أن التنظيم كان يحصل على ما مقداره 20% من قيمة التحفة أما الباقي وهو 80 % فكان يقسم ما بين الجهة التي تنقب وبين المسؤول أو المشرف على الحفرية وهو عادة ما يكون من أعضاء ديوان الآثار لدى التنظيم.

عشرات المواقع الأثرية كانت هدفا لأعمال النهب والسلب لاسيما تلك التي عملت فيها سابقا بعثات أجنبية كماري وايبلا وأفاميا والنبي هوري وتل حلاوة والشيخ حمد ودورا أوربوس, الموقع الذي وصل عدد الأشخاص العاملين فيه إلى /400/ شخص.

 شهدت كذلك المدن المنسية في إدلب والمدرجة على لوائح اليونسكو للتراث العالمي والمواقع الأثرية في عفرين، وجميعها تقع الآن تحت الوصاية التركية، عمليات تنقيب ونهب وسلب مكثفة من قبل العسكرين والمدنيين .

 هذه القطع الأثرية معظمها كما ذكرنا أعلاه كانت تنقل إلى الأراضي التركية, عبر المهربين إما برا أو عبر شاحنات الوقود كما كان يلجأ إليها التنظيم عادة, حيث تحولت المدن التركية الجنوبية كالريحانية وكلس وغازي عنتاب وهاتاي إلى محطات لاستقبال التحف السورية قبل انتقالها لمدنها الساحلية كاستانبول وازمير ومرسين وأنطاليا ومن هناك ترسل بطرق غير شرعية للمدن الأوربية والآسيوية والأمريكية, حقيقة أكدها بدوره مايكل دانتي الأكاديمي والمديرالسابق للمدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية حين  لفت إلى أن “جنوب تركيا تحولت إلى جنة لعصابات التهريب”, في حين اعتبر فيتالي تشوركين, سفير روسيا لدى الأمم المتحدة, مدينة غازي عنتاب التركية “المركز الأهم لاستقبال القطع الأثرية المهربة”, كذلك أشارت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في أمريكا بدورها على أن تركيا كانت أكثر الدول المصدرة للتحف الفنية للولايات المتحدة الأمريكية ما بين عامي 2010 و 2015 , ولعل مدينة نيويورك الأمريكية كانت أكثر المدن استقبالا لهذه التحف وذلك لوجود العديد من دور المزادات والمعارض الفنية وجامعي التحف.

وكالات

 

كل هذه الأمور تؤكد أن الدولة التركية لعبت دورا أساسيا في تدمير ونهب الممتلكات الثقافية السورية حيث سبق وأن اتهمت مديرية الآثار والمتاحف في دمشق تركيا بذلك أكثر من مرة، وأكدت أن تركيا استقبلت مئات الآلاف من القطع الأثرية السورية المنهوبة.

 

عملت تركيا مؤخرا ونتيجة لضغوطات إقليمية ودولية، لاسيما من قبل الجهات المعنية بالتراث، على ملاحقة بعض المهربين ضمن أراضيها ومصادرة نحو /25/ ألف قطعة أثرية بحسب ما صرح به محمود حمود مدير الآثار السورية من ضمنها قطع مسجلة سرقت من المتاحف السورية كمتحفي الرقة وتدمر, إلا أن تركيا لم تسعَ يوما لضبط حدودها وقطع الطرق على شبكات التهريب ضمن أراضيها أو التعاون مع المؤسسات الدولية كاليونسكو والانتروبول الدولي أو حتى مع الدولة المعنية لإعادة القطع المصادرة المثبتة ملكيتها إليها, بل على العكس سعت جاهدة من خلال علاقاتها الجيدة مع الجهات المشبوهة والمتورطة بتهريب الآثار على تدمير الممتلكات الثقافية السورية ونهبها.