لكل السوريين

سوريات يجابهن الواقع الاجتماعي القاسي

لجأت سعاد مع أطفالها الثلاثة إلى بيت أحد أقربائها في ضواحي دمشق، بعد أن تعرض حي القابون الدمشقي آنذاك لقصف حكومي عنيف طال أغلب عماراته، تمكنت لاحقا من استئجار شقة متواضعة في البلدة نفسها، حيث تستقر فيها حتى اليوم.

هكذا بدأت سعاد، البالغة من العمر 55 عاماً، حديثها عن معاناتها بعد أن اعتقلت قوات الأمن السورية زوجها في مطلع عام 2013 بتهمة التظاهر ضد النظام، ولم تسمع عن مكان احتجازه أو مصيره حتى الآن.

تقول المرأة: “كنت أشعر بحمل ثقيل نتيجة قيامي بدور الأب والأم معاً، كان عليّ أن أبحث عن مصدر رزق أنفق منه وأسدد آجار المنزل، وأهتم بشؤون أطفالي واحتياجاتهم. عملت في ورشة لصنع الملابس، لكن المرتب الذي كنت أتقاضاه كان قليلاً، وعجزت في كثير من الأحيان عن تأمين الطعام لأطفالي”.

وتضيف: “ما أحصل عليه لا يكفي لتسديد آجار المنزل، فاضطررت أن أستعين بجمعيات أهلية كانت تقدم لنا بين حين وآخر مواد غذائية مختلفة، غير أن ذلك لم يكن حلا”.

تنسحب معاناة سعاد على آلاف النساء السوريات اللواتي يترأسن اليوم عائلات فقدت معيلها، إما نتيجة مقتله على يد قوات النظام السوري أثناء الحرب المروعة التي شهدتها البلاد، أو تغييبه قسرا داخل السجون.

يوصف الترمل بأنه واحدة من أخطر المشكلات التي أفرزتها الحرب، وتعاني العائلات السورية من تداعياتها على المستويين الإنساني والمعيشي بشكل كبير.

وأظهر مسح ديمغرافي متعدد الأغراض أجراه المكتب المركزي للإحصاء -مؤسسة حكومية- بالتعاون مع منظمات دولية، وجود 518 ألف امرأة فقدت زوجها خلال الحرب.

في حين يشير تقرير دولي صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن أكثر من 145 ألف أسرة سورية لاجئة في لبنان والأردن والعراق ومصر، ومثلها عشرات الآلاف في تركيا، تعيلها نساء يكافحن بمفردهن من أجل البقاء على قيد الحياة، يشكل مجموعها نحو 22% من مجمل عدد العائلات السورية.

خلّفت الحرب التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، بحسب تقارير البنك الدولي، اقتصادا منهارا وفقرا وجوعا، وعائلات تعيلها نساء أرامل يحملن أعباء ومسؤوليات كبيرة تجاوزت قدرتهن على التحمل، يعانين اليوم من ضروب المشقة والعزلة والقلق، بعدما أُرغمن على تحمل مسؤولية أسرهن بمفردهن منذ وقت مبكر.

وكثيراً ما عانينَّ من قلة المورد، وارتفاع الديون، وعدم الحصول على طعام كاف، واضطرار المزيد من أطفالهن للعمل في اقتصادات الظل، وتعرض البعض منهم لدرجات متفاوتة من العنف بأشكال مختلفة.

وتشير دراسة إلى أن النساء اللواتي فقدن أزواجهن أو معيلهن تعرضن إلى ضغوط كبيرة بسبب القيام بأدوار جديدة تضاف إلى أدوارهن المعتادة، مثل العمل داخل المنزل وخارجه.

وتزاول النساء المعيلات لأسرهن في كثير من الأحيان أعمالاً غير مألوفة أو مجهدة، وغالباً ما يلجأن لأعمال تحتاج إلى ساعات عمل طويلة لقاء أجور زهيدة، كتغليف المواد الغذائية، أو تسويق خضار جاهزة للطهي.

كما ترزح أغلب العائلات التي تقودها امرأة تحت سطوة الفقر في ظل انهيار اقتصادي تسبب به ارتفاع نسب إنفاق النظام على الحرب، وتحييد موارد البلاد الاقتصادية لصالح قوى فاعلة على الأرض.

تؤكد منظمة اليونيسيف أن الفقر في سوريا يسيطر على 90% من السكان، فيما يتراوح معدل سوء التغذية لدى الأمهات من 11% في شمال غرب البلاد وأجزاء من دمشق إلى 25% في شمال شرق سوريا.

واشتكت نساء أخريات ممن تواصلت معهن في مناطق مختلفة من البلاد، يترأسن أسراً فقدت معيلها خلال فترة الصراع، من سوء أوضاعهن المعيشية إذ انعدمت أمامهن سبل الحياة بصورة مقلقة.

وأدى تضاعف المسؤوليات التي حملتها المرأة المتأثرة بالحرب، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لصدمة كبيرة لم تَخل من شعور سلبي تجاه هذا الدور الجديد. ونقلت عن معهد متخصص في خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، ارتفاع نسبة خطر الشعور بالاكتئاب والضغط النفسي، لما تتعرض له النساء في أوضاع كهذه.

كانت الأمم المتحدة قد أشرفت في الأعوام السابقة على أكبر استجابة دولية لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وصلت -حسب مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية- إلى أكثر من 40 مليار دولار.

بَيد أن مصير هذه المساعدات بقي محط تشكيك وجدل، مع اتهامات مستمرة لنظام الأسد باستغلالها لصالحه والاستفادة منها في دعم بيئته السياسية.

ويقر وزير المالية، محمد أبا زيد، بعدم امتلاك الحكومة عصا سحرية لحل ما ورثته عن النظام الآفل من مشكلات اقتصادية، وخزائن فارغة، وديون ضخمة، وقطاع عام 70% من شركاته خاسرة، إلا أن الحكومة كشفت عزمها على إصلاح حزمة الرواتب والأجور، في خطوة عاجلة لتحسين واقع الفئات الضعيفة.