لكل السوريين

التراث.. بين الاعتزاز بالماضي والتطلع للمستقبل

حاوره/ مجد محمد

يعنى بالتراث عادة الإرث الفكري والحضاري الذي خلفه أسلاف قوم ما من عادات وتقاليد وآداب وعلوم وفنون وغير ذلك، وقد يكون التراث مكتوباً وقد يكون محفوظاً ينقل مشافهة من جيل إلى جيل، وهذا التراث يعكس صورة الأمة خلال عصورها الماضية، فيعبر التراث عن أصالة الأمة وتفكيرها وعراقتها وحضارتها، فعندما نقرأ التراث ونقف عليه يخيل إلينا أننا نرى ونسمع ما كان يجري في ذلك الوقت، فنستمع إلى أحاديث الحكماء ونستشعر عظمة السلف ونحاول السير على خطاهم حتى نصل إلى ذروة سنام المجد، وتكمن أهمية التراث من انها تأتي من كونه العين الكاشفة عن مزايا الأمة في عصور غابرة لم نكن نعرف عنها شيئاً لولا أن التراث قد أوصل إلينا تلك الصور المكتوبة التي تأخذنا معها بعيداً، حيث نلتقي بعظماء الأمة الذين رسخوا تاريخها الزاهي الذي ما تزال آثاره باقية تشهد على عظمة الرجال الذين وصلوا الليل بالنهار حتى يصلوا إلى ذرى العلياء فيخطوا أسماءهم على جبين الأيام فلا تمحى أبداً، بل تبقى شاهداً على كل حرف كتبوه أو كل حرف قد تعلموه وعلموه، وعلى كل قطعة من الحجر خطوا عليها أعظم إنجازاتهم الحضارية والفكرية.

وللحديث عن أهمية، وأقسام، وحماية التراث عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ في التاريخ وائل الشيخ، ودار الحوار التالي:

*أستاذ وائل مرحباً بك بداية، تحدث لنا حول أهمية التراث؟

أهلاً بك، هنالك أهمية كبيرة للتراث تتراوح في عدة مجالات ومنها إنه يساهم في تعزيز الاقتصاد وإنعاشه، وخاصة الاقتصادات المحلية التي أظهرت أهمية التراث وخاصة للسياح من خارج البلاد، كما ويساعد التراث على زيادة معدلات التنمية في البلاد، وزيادة تداول النقد الأجنبي، وزيادة الخبرات التدريبية والتي تساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعتبر التراث رمزاً للهوية والإنسانية الخاصة بالشعوب المختلفة، وخاصة الجماعات الأقلية التي تعتبره رمزاً للمعرفة والقدرات التي توصلت لها، والتي تناقلته وأعادت تكوينه، كما وتعتبره رمزاً مرتبطاً بالأماكن الثقافية التي لا يمكن التخلي عنها، وكذلك يساهم التراث في تعزيز الروابط ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، كما أنه يساعد على استمرارية المجتمعات، وتغيير هيكل المجتمع ليصبح أكثر سمواً ورفعة، وأيضاً يحتل التراث مكانة مهمة في حياتنا، لما له من رابط عجيب في زيادة التماسك الاجتماعي والمساعدة على تعزيز السلام ما بين الجميع، وذلك من خلال دوره في تعزيز الثقة والمعرفة المشتركة، كما وتعترف اليونيسكو بأهمية زيادة الوعي حول التراث، وإنشاء الوكالات والمؤسسات التي تزيد الوعي بين الناس بأهمية التراث من أجل المحافظة عليه، كما وتشجع الباحثين من مختلف المناطق على استكشاف وتأريخ التراث المدفون.

*حول أقسام التراث، ما هي؟

ينقسم التراث على قسمين وهما التراث الثقافي والتراث الطبيعي، فالتراث الثقافي يشمل المعالم الأثرية مثل أعمال النحت والرسم، والهياكل الأثرية، والكهوف وما تحتويه من نقوش ورسومات وآثار، والمواقع مثل المواقع الأثرية التي بناها الإنسان، والتي تمتلك مظاهر جمالية وتاريخية، والمباني مثل المباني التي تم بناؤها من قبل الإنسان، وحملت طابع ثقافي بسبب أشكالها أو بنيتها أو مكانها التي بنيت فيه، أما التراث الطبيعي فيشمل معالم فيزيائية وبيولوجية تتمتع بقيمة جمالية وعلمية عالية، ومعالم جيولوجية وفوفسيوغرافية مثل المناطق التي تشكل موطن للعديد من الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض، ومناطق طبيعية تشتمل على الناحية الجمالية والطبيعية.

*كيف تتم حماية التراث؟

يتعرض التراث في الوقت الحالي للعديد من التهديدات والتدميرات التي تسبب له الاضمحلال، والذي يعتبر ضرراً يمس جميع الشعوب بسبب تغييرات الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، لذا يفضل بذل جهود مضنية للمحافظة على التراث من الضياع من خلال حمايته على الصعيد الوطني، وكذلك على الصعيد العالمي، ووضع دستور عالمي من قبل منظمة اليونسكو العالمية، ينص على أنه يجب المحافظة على التراث العالمي وحمايته من الدمار، كما وألزم جميع الدول الموقعة على هذا الدستور بضرورة تطبيق هذا الاتفاق، بالإضافة إلى ضرورة مشاركة وتعاون المجتمع الدولي ككل، من أجل حماية التراث الطبيعي والثقافي من خلال الأساليب العلمية الحديثة.

*وماذا عن التراث السوري؟

تعتبر سوريا من أقدم وأعرق البلاد في العالم حيث تمتلك تراث قديم وقيم بسبب مرور الكثير من الحضارات عليها مثل الكنعانيين، الأمويين والفينيقيين، وتشهد المواقع التراثية فيها على ذلك فهنالك مواقع تعود إلى ٨ آلاف عام، إذ تحتوي سوريا على ما يقارب ٤٥٠٠ موقع أثري، وهنالك الكثير من المظاهر التراثية الخاصة بها والتي تميزها عن غيرها، فسوريا لها مظاهر تراثية عديدة تتمثل في اللباس التراثي والمواقع التراثية وحتى الامثال التراثية والمهن التراثية، وليس ذلك الموضوع بعد ففي سوريا مكونات وطوائف عديدة على مدار جغرافيتها فلكل منطقة تراث خاص بها يتميز عن تراث المنطقة الأخرى.

* لماذا نعتز بتراثنا؟

لأن التراث هو الانتماء والقصص الجميلة وبداية تشكيل الهوية، ولأننا أصحاب أمجاد وتاريخ مشرف، ونمتلك قدراً عالياً من الثقة بأنفسنا، فإننا نعتز بتاريخنا وتراثنا وعاداتنا الحميدة، وإن اعتزازنا بهذه الرمزيات الممتدة في تاريخنا وتراثنا هو اعتزاز بأنفسنا، لأن كل هذا التراث هو ثقافة تشكل هويتنا، وهي نابعة من بيئتنا وتمتد جذورها في أعماق وجداننا وذاكرتنا، وهي في الوقت نفسه حافزنا للانطلاق نحو المستقبل بكل ثقة، يمكننا أن نرى أين كنا في الماضي وأين أصبحنا اليوم، وكل هذا التقدم الذي حققناه دون أن نتخلى عن ثقافتنا وتراثنا، بل كانت حاضرة في وجداننا وذاكرتنا، ونحن في هذا البلد العظيم الذي يعتز جميع المنتمين إليه بتراثهم وثقافتهم ومكتسباتهم ويفخرون بهويتهم، ويتطلعون في نفس الوقت إلى مستقبل باهر رغم جميع ما نعانيه من ويلات وحروب واحتلالات وإرهاب، لدرجة أن جميع العالم يلتفت إلينا في هذه الميزة التي جمعنا فيها بين اعتزازنا بالماضي وتطلعنا للمستقبل، لقد أصبحنا حديث العالم كله في سباقنا نحو الصمود في الوقت الذي نتمسك فيه بتراثنا، وهذه معادلة من الصعب أن تجد من يجمع بين طرفيها بهذا التوازن.

*ختاماً كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

للتراث قيمة كبيرة تتجلى في الموروث الثقافي والتاريخي الذي يشكل ذاكرة الأوطان وهوية المجتمعات، فهذه الكنوز الثمينة كانت نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصل إنساني أثمر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وشكل جسراً للتقارب والتواصل بين مختلف الشعوب والثقافات، وموروثاً حضارياً غنياً انطلقت منه الدول في بناء نهضتها الحديثة، وتراثنا أساس نهضتنا وحضارتنا، وأدعو الأجيال الجديدة لإكمال المسيرة التي بدأتها الأجيال السابقة، ودعم جهودها في هذا المجال، وأن يكونوا جزءاً فاعلاً في الحفاظ عليه من خلال إدراك أهمية دورهم في تدوين وحفظ التراث الشفهي، وتوسيع آفاقهم لاستثمار أي فرص جديدة واعدة تكمن بين طيات تراثنا الغني، واستلهام عناصره المختلفة في حياتهم اليومية وفي مختلف مجالات الإبداع.