لكل السوريين

أخصائي في طب الأطفال.. مرضى التوحد بحاجة إلى رعاية أكثر، وليسوا حرف ناقص

حاوره/ مجد محمد

مرض التوحد، أو اضطراب طيف التوحد هو اضطراب في النمو يؤدي إلى صعوبات في التفاعل والتواصل والسلوك الاجتماعي لدى الفرد، ويشار لاضطراب التوحد بمصطلح “الطيف” لوجود اختلاف واسع النطاق في أنواعه وشدته، ويوصف بأنه عجز أو اضطراب في النمو لأن أعراضه تظهر بشكل عام في أول عامين من عمر المصاب، وهذا لا يعني بالضرورة تشخيصه في ذلك العمر، إذ يمكن أن يشخص الفرد بالإصابة بالتوحد في أي سن، ومع أنه اضطراب مزمن إلا أن العلاجات قد تحسن من حالة المصاب وقدرته على التفاعل.

وحقيقة يصيب التوحد كافة الأطياف العرقية والاقتصادية على حد سواء، لكنه يصيب الذكور أكثر من الإناث، حيث أنه مقابل كل ثلاثة أطفال ذكور مصابين بالتوحد توجد طفلة واحدة مصابة به، وللتعرف على اضطراب طيف التوحد، وأسبابه، وعلاجه، والتعامل مع المصابين به، عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الطبيب برزان الخالد أخصائي طب الأطفال ومعالج السلوك والتواصل، ودار الحوار التالي:

*دكتور برزان مرحباً بك بداية، اضطراب طيف التوحد بلمحة بسيطة؟

أهلاً بك، اضطراب طيف التوحد هو أحد الاضطرابات التابعة لمجموعة من اضطرابات التطور المسماة باللغة الطبية اضطرابات في الطيف الذاتوي، ويظهر في سن الرضاعة قبل بلوغ الطفل سن الثلاث سنوات على الأغلب، وبالرغم من اختلاف خطورة وأعراض مرض التوحد من حالة إلى أخرى، إلا أن جميع اضطرابات الذاتوية تؤثر على قدرة الطفل على الاتصال مع المحيطين به وتطوير علاقات متبادلة معهم، وتظهر التقديرات أن ٦ من بين كل ١٠٠٠ طفل في العالم يعانون من مرض التوحد وأن عدد الحالات المشخصة من هذا الاضطراب تزداد على الدوام، ومن غير المعروف حتى الآن إذا كان هذا الازدياد هو نتيجة للكشف والتبليغ الأفضل فعالية عن الحالات، أم هو ازدياد فعلي وحقيقي في عدد مصابي مرض التوحد، أم نتيجة هذين العاملين سوياً، وبالرغم من عدم وجود علاج لمرض التوحد حتى الآن، إلا أن العلاج المكثف والتشخيص المبكر يمكنه أن يحدث تغييراً ملحوظاً وجدياً في حياة الأطفال المصابين بهذا الاضطراب

*هل هو وراثي؟ ما هي أسباب الإصابة باضطراب طيف التوحد؟

كلا، ليس وراثي بالمطلق، وحتى الآن لا تزال أسباب التوحد مجهولة، ومع ذلك لوحظ وجود عوامل قد تؤدي لزيادة احتمالية إصابة الطفل بالتوحد، ومنها اضطراب أو اعتلال بعض الجينات، ومنها ما يكون موروثاً من الآباء، ومنها ما يظهر بشكل تلقائي خلال حياة الفرد، وتعرض الأم الحامل للأدوية والمواد الكيمائية مثل الكحول والأدوية المضادة للتشنجات، وكذلك معاناة الحامل من تغيرات أو اضطرابات في عمليات الأيض كالسمنة أو السكري، وتقدم عمر الأبوين عند إنجاب الطفل، وكذلك الإصابة بالحصبة الألمانية، أو اللقاحات، ولكن لا يوجد دليل يثبت تسببها بالتوحد بعد.

*كيف نعرف أن هذا الطفل مصاب بالتوحد، أو كيف يتم تشخيص اضطراب طيف التوحد؟

يشخص اضطراب التوحد من قبلنا نحن الأطباء استناداً على الأعراض والعلامات المعتمدة وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الخامس، والذي تم إنشاؤه من قبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي، حيث تركز فحوصات الأطفال على فحص أي تأخر في النمو وخاصة عند عمر ١٨-٢٤ شهراً للطفل من خلال المراجعات الدورية له، وأكثر ما يلاحظ على المصابين بالتوحد: صعوبة التفاعل مع غيرهم، وسلوكيات محددة ومكررة، إضافة إلى الأعراض التي تصعب على الشخص ممارسة حياة طبيعية في المدرسة أو العمل أو في شتى مجالات الحياة.

*إذا ما هي أعراض التوحد الظاهرة؟

أعراض عديدة، ومنها صعوبة في التفاعل والتواصل مع الآخرين، وصعوبة في فهم كيف يشعر أو يفكر الآخرون، والقلق والانزعاج من الأحداث الاجتماعية والمواقف غير المألوفة، وكذلك استغراق وقت أكثر من المعدل المعتاد لفهم المعلومات، والاستياء من الأضواء الساطعة والضوضاء والشعور بأنها مرهقة وغير مريحة، وأيضاً تأخر الكلام، أو فقدان القدرة على ذلك بعد أن كان قادراً عليه، ومشكلة في مهارات المحادثة، والتي تتضمن التواصل البصري والإيماءات، وفعل نفس الأمور والتفكير بها مراراً وتكراراً، وغالباً ما تتم ملاحظة الأعراض على الأطفال في عمر صغير، ولكن في بعض الأحيان لا تكون ملحوظة للغاية فلا يتم الكشف عنها إلا عند دخول المدرسة أو حتى البلوغ، وقد تتغير الأعراض مع تقدم المصاب في السن، ولكن يبقى التواصل والمهارات والسلوكيات الاجتماعية تحدي صعب بالنسبة له.

*هل له أنواع ومستويات، ما هي أنواعه؟

نعم، يوجد أكثر من نوع وعلى مستويات عديدة ولكن أبرزها ثلاثة، وهي اضطراب التوحد العام والذي يعرف بالتوحد الكلاسيكي، وهو النوع الذي يقصده الناس عندما يستخدمون لفظ التوحد، ويعاني المصابون بهذا النوع من تأخر على مستوى اللغة وصعوبات اجتماعية وتواصلية، واهتمامات وسلوكيات غير عادية، بالإضافة لتراجع القدرات الإدراكية بعض الشيء، ومتلازمة أسبرجر، ويعاني المصابون بهذا النوع من أعراض اضطراب التوحد سالفة الذكر، ولكن بصورة أقل شدة، وقد يواجهون صعوبات اجتماعية وسلوكية واهتمامات غير مألوفة، ولكنهم عادة لا يواجهون مشاكل في اللغة أو تراجعاً في القدرات الإدراكية، والاضطرابات النمائية الشاملة غير المحددة ويمكن تشخيص من تنطبق عليه بعض أعراض اضطراب التوحد أو متلازمة أسبرجر وليس جميعها بالتوحد اللانمطي، ويواجه المصابون بهذا النوع أعراضاً أقل وأخف شدة من أولئك الذين يعانون اضطراب التوحد، وهم يعانون فقط من صعوبات اجتماعية وتواصلية.

*كيف نتعامل مع الطفل المصاب بالتوحد؟

في الحقيقة يجب على الوالدين وجميع أفراد الأسرة تعلم المشاركة في مسؤولية إعالة طفل التوحد، إذ لا توجد قواعد صارمة وسريعة حول كيفية التواصل والتعامل مع الطفل المصاب بالتوحد، ولكن هناك بعض الاساسيات التعاملية البسيطة ومنها: تعلم الصبر في التعامل مع الطفل المصاب بالتوحد، وتعليم الطفل كيفية التعبير عن غضبه دون أن يكون شديد العدوانية، وكذلك يجب على الأهل إظهار الحب والاهتمام لطفلهم، والحرص على التصرف بإيجابية، وذلك لأن أطفال التوحد يستجيبون بشكل أفضل للتصرفات الإيجابية، وأيضاً الحرص على تجاهل سلوك الطفل المزعج الذي يهدف إلى جذب الانتباه، إذ يعد التجاهل أحد أفضل الطرق لمنعه، كما انصح شخصياً بالتحدث مع الطفل عن السلوك الجيد ومكافئه عند تطبيقه.

*هل للتوحد علاج، ما هو علاجه؟

حتى الآن لا يوجد علاج موحد لاضطراب التوحد، ولكن توجد العديد من الطرق لزيادة قدرة الطفل على النمو واكتساب مهارات جديدة، حيث تشمل العلاجات: تصحيح السلوك والتواصل، والتدريب على المهارات، وتعلم تكوين الصداقات، وتقبل الآخرين، إضافة للأدوية المستخدمة للسيطرة على الأعراض، وبكل الأحوال الأعراض يمكن أن تنخفض بشكل ملحوظ مع التشخيص والعلاج المبكرين، ويمكن أن تصل فاعلية العلاج والتشخيص المبكرين إلى مرحلة فعالة، حيث يستطيع الطفل حينها الالتحاق بالمدارس الملائمة له.

*ختاماً، هل هناك وسائل للوقاية من اضطراب طيف التوحد؟

كلا، لا توجد وسيلة لمنع اضطراب طيف التوحد، ولكن فقط هناك خيارات للعلاج، فيعتبر التشخيص والتدخل المبكر مفيداً للغاية ويمكنه تحسين السلوك والمهارات وتطوير اللغة، ومع ذلك، التدخل مفيد في أي عمر، على الرغم من أن الأطفال لا يتخلصون عادة من أعراض اضطراب طيف التوحد، إلا أنهم قد يتعلمون الأداء بشكل جيد.