اللاذقية/ سلاف العلي
تتفاقم أزمة المواصلات يوماً بعد يوم في محافظة اللاذقية ومدنها وقراها، وسط تجاهل رسمي لمعاناة المواطنين الذين يواجهون ارتفاعاً جنونياً في أجور النقل، ما يحول خدمة أساسية إلى عبئاً اقتصادياً متزايداً يعصف بمستوى معيشتهم.
ورغم تعدد الأزمات اليومية التي يعيشها المواطنون، تبقى قضية أجور المواصلات من أكثر القضايا إيلاماً، إذ بات دخل الفرد مستنزفاً بشكل مستمر للتنقل من وإلى أماكن العمل أو الجامعات أو القرى والمدن، وهو ما يؤدي إلى إضعاف أي قدرة معيشية لدى السكان، ويكشف فشلاً متراكماً في إدارة ملف النقل من قبل سلطات دمشق.
تشير شهادات المواطنين إلى أن أجور المواصلات تحولت إلى معاناة حقيقية، خصوصاً للموظفين والطلاب. يؤكد جعفر من اللاذقية، وهو موظف سابق في دائرة الإحصاء، أنّ الرواتب الحالية لا تكفي لسد أجور التنقل بين السكن ومكان العمل، خاصة لمن لديهم أبناء في الجامعات. ويقول إن غياب تسعيرة عادلة تراعي الطلاب والموظفين وأصحاب السرافيس فاقم الأزمة، مما دفع بالكثيرين إلى عدم إرسال أبنائهم إلى الجامعات، نتيجة عدم قدرتهم على تحمل أجور النقل المرتفعة.
يطالب جعفر بصدور تعرفة جديدة تراعي المسافة المقطوعة ودخل الأهالي، مشيراً إلى أنّ الوضع أكثر سوءاً لسكان الأرياف والمدن الأخرى، حيث تصل كلفة التنقل من الريف إلى مدينة اللاذقية إلى مستويات كارثية. فمن ريف جبلة إلى اللاذقية، يحتاج الموظف أو الطالب إلى نحو ٧٥ ألف ليرة ذهاباً وإياباً يومياً، بينما لا يتجاوز الراتب الشهري ٣٥٠ ألف ليرة.
يتقاضى سائقو السرافيس بين ١٢ إلى ١٥ ألف ليرة من الأرياف الجبلية إلى المدن البعيدة، وما بين ٦ إلى ٨ آلاف ليرة من القرى الأقرب. وفي حال كان عمل الشخص في مدينة جبلة، يحتاج إلى ما بين ١٥ إلى ٢٥ ألف ليرة يومياً، وهو ما ينسحب على بقية المناطق مثل القرداحة والحفة وأريافهما، إذ تتضاعف الأجور بشكل غير مبرر.
يتساءل المواطنون متى ستُعتمد تسعيرة تراعي أوضاعهم المعيشية المتعثرة، خاصة مع تأثير ارتفاع الأجور على التعليم، حيث ترك العديد من طلاب الجامعات دراستهم بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف المواصلات.
نعيمة، مدرسة متقاعدة من مدينة جبلة، قالت إنّها استنفدت كل مدخراتها لتتمكن من إرسال ولديها إلى الجامعة، مشيرة إلى أن الموظف بات يحتاج إلى ثلاثة أضعاف راتبه فقط لتغطية أجور المواصلات، بينما يحتاج المتقاعد إلى خمسة أضعاف راتبه. وأضافت أن دخل المواطن أصبح ضعيفاً جداً، ولا يكفي لتغطية تكاليف النقل وحده، مما يجعل أية تسعيرة تصدرها الجهات الرسمية عبئاً إضافياً على كاهل المواطنين.
تؤكد نعيمة أن قطاع النقل يفتقر إلى تنظيم واضح، حيث يحدد السائقون الأسعار بشكل عشوائي دون أي رادع، ما يؤدي إلى تفاوت كبير في التكاليف. ورغم أنّ مهمة تحديد الأجور أُنيطت بمديرية النقل في المحافظة، إلا أنّ المواطنين لم يلمسوا أي أثر حقيقي لهذا الإجراء، حيث تبقى مديريات النقل مجرد واجهات إدارية غائبة عن الواقع، لا تدرك حجم الطوابير ولا فوضى الأجور ولا معاناة الناس اليومية.
وفي ظل غياب الرقابة، تُرك المواطن لمصيره في مواجهة سائقي السرافيس الذين يفرضون الأجور التي يرغبون بها، دون وجود جهة رسمية لمساءلتهم أو الاستماع إلى شكاوى الركاب.
تحولت أزمة النقل إلى عامل رئيسي في تراجع نوعية الحياة في محافظة اللاذقية، حيث أصبح النزيف المالي مستمراً، وكل يوم يمر يضاعف من العجز المادي لدى المواطنين. أصبح تأمين المواصلات اليوم أهم من تأمين الغذاء أو الدواء بالنسبة للكثيرين، حيث يغيب الطلاب عن جامعاتهم ويعتذر الموظفون عن الذهاب إلى أعمالهم بسبب ارتفاع كلفة التنقل مقارنة بما يحصلون عليه من رواتب زهيدة.
تعتمد الغالبية العظمى من المواطنين على وسائل النقل العامة في تنقلاتهم اليومية، ومع ارتفاع الأجور، امتنع عدد كبير من الموظفين عن الذهاب إلى أعمالهم، فيما لجأت بعض المدارس إلى تنظيم نظام مناوبات للدوام، بحيث تقتصر الحضور على يوم أو يومين في الأسبوع لتقليل كلفة النقل.
يطالب المواطنون بتدخل سريع وجدي من حكومة دمشق لضبط أجور النقل، وإنهاء حالة الفوضى العشوائية التي تعم القطاع، خاصة مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية التي أثرت على جميع شرائح المجتمع.