بعد ساعات قليلة من مغادرة الوفد الأميركي العاصمة نيامي، ألغى المجلس العسكري الحاكم في النيجر اتفاق التعاون العسكري الذي يربطها مع الولايات المتحدة منذ العام 2012.
ولم يتمكن الوفد الكبير برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية من لقاء قائد النظام العسكري عبد الرحمن تياني، رغم بقائه ثلاثة أيام في نيامي.
وقال المتحدث باسم الحكومة النيجرية أمادو عبد الرحمن في بيان عبر التلفزيون الوطني إن “حكومة النيجر، آخذة طموحات الشعب ومصالحه في الاعتبار، تقرر بكل مسؤولية أن تلغي بمفعول فوري الاتفاق المتعلق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأميركية على أراضي النيجر”.
وأشار عبد الرحمن إلى أن الوجود العسكري الأميركي في النيجر غير قانوني و”ينتهك كل القواعد الدستورية والديمقراطية”، وقد “فرضته أحادياً الولايات المتحدة عبر مذكرة شفوية بسيطة عام 2012”.
وأشار إلى أن “وصول الوفد الأميركي لم يحترم الأعراف الدبلوماسية”، وأضاف أن “الحكومة الأميركية أبلغت نيامي من جانب واحد، بتشكيل وفدها وبموعد وصوله”.
رفض النموذج الغربي
في أول تعليق على قرار النيجر، ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن القرار جاء بعد “مناقشات صريحة على مستويات رفيعة في نيامي هذا الأسبوع حول مخاوفنا بشأن مسار المجلس العسكري”.
وأعربت نائبة المتحدث باسم البنتاغون عن قلقها من القرار ومن علاقات النيجر مع روسيا. وأضافت “نعمل عبر القنوات الدبلوماسية للحصول على توضيحات من النيجر”.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت إعادة الانخراط مع النيجر من أجل تسهيل العودة إلى المسار الديمقراطي، في الوقت الذي بدأت الأوضاع في النيجر تسير نحو الانفراج مع المجموعة الاقتصادية “إيكواس” برفع العقوبات المفروضة عليها، وإنهاء نيجيريا قرارات المقاطعة.
وأرسلت واشنطن وفدها إلى نيامي، ولكن بمجرد مغادرة الوفد أرض مطارها، أعلنت النيجر إنهاء التعاون العسكري بينها وبين والولايات المتحدة الأميركية، مما شكل مفاجأة للمراقبين.
واعتبر مسؤول دبلوماسي أفريقي رفض أن يذكر اسمه، أن ما تشهده النيجر وبوركينا فاسو ومالي، هو إعلان رفض أفريقي ليس للنفوذ الأميركي أو الفرنسي فحسب، بل للنموذج الغربي بأكمله.
أسباب التصعيد
بدأ توتر علاقات النيجر مع دول الغرب، منذ أن استولى العسكريون على السلطة في 26 تموز عام 2023، بقيادة عبد الرحمن تياني، حيث سارع المجلس العسكري في النيجر إلى المطالبة برحيل الجنود الفرنسيين، وألغى العديد من الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع باريس، وتخلى عن الروابط التاريخية مع فرنسا، وبدأ بإقامة علاقات متسارعة مع روسيا، وانضم سريعاً إلى دولتي مالي وبوركينا فاسو، حيث يحكم في الدولتين نظام عسكري مقرب من روسيا، ومناهض لفرنسا وللغرب.
ويشير مختصون في شؤون أفريقيا إلى أن إلغاء اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الاتفاق يدل على سيطرة روسيا على مفاصل القرار داخل المجلس العسكري في النيجر، مما قد يولد صراع نفوذ بين واشنطن وموسكو في غرب القارة الأفريقية.
ويعتقدون أن المجلس الحاكم في النيجر فسّر تراجع واشنطن عن قرارها القاضي بتعليق التعامل مع المجلس، بأنه تنازل أملته قناعة أميركية بأهمية النيجر كدولة محورية في محاربة الإرهاب في غرب أفريقيا، ولذلك صعّد المجلس لهجته تجاه واشنطن طمعاً بمزيد من المكاسب.
وكان وزير الخارجية الأميركي قد أعلن في شهر آب الماضي، أن الإدارة الأميركية ستوقف بعض برامج المساعدة الخارجية المخصصة للنيجر، ثم أعلنت مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية في كانون الأول الماضي أن “الولايات المتحدة مستعدة لاستئناف تعاونها مع النيجر بشروط، أبرزها أن يلتزم المجلس العسكري بمرحلة انتقالية قصيرة”.
يذكر أن قادة الانقلاب في النيجر علّقوا العمل بدستور 25 تشرين الثاني من العام 2010، وحلًوا كافة المؤسسات المنبثقة عنه، وأوقفوا أنشطة الأحزاب السياسية والمظاهرات.
وبرر الناطق باسم المجلس الوطني الذي شكّله الانقلابيون، قيام الانقلاب بتدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية.
وأدان البيت الأبيض الاستيلاء على السلطة بالقوة في النيجر، وحذّر من أن ذلك سيؤدي إلى توقف الشراكة مع هذا البلد.