لكل السوريين

ظاهرة التنمر.. بين الأسباب والنتائج

حاوره/ مجد محمد

ظاهرة لا يستهان بها ولا يمكن غض البصر عنها، فهي آفة اجتماعية تسعى لخراب النفوس وهلاكها، مشكلة كبيرة في هذا الزمان إدراك وجودها وعدم السعي عن أي حل في القضاء عليها بشتى الوسائل والطرق، غاية السيطرة هي وسيلة الجمع أن يرى نفسه بعين المحب، وكما يعرف التنمر أنه مرض نشأ مع المتنمرين منذ الصغر، كما أنه إن لم نكن حلفاء بعضنا لن نقضي عليه أو نعيد ما فقده المتنمر في ذاته، والتأثير السلبي الغير معقول، لطالما انتشرت ظاهرة التنمر في مجتمعاتنا بشكل رهيب وأدت إلى عواقب وخيمة آثرت تغيراً في الكثير من النفوس بشكل لا يدركه العقل.

وللحديث عن هذه الظاهرة، وعن هذا الموضوع عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع المرشد النفسي بديع أوسيب وأخصائي معالجة النطق، ودار الحوار التالي:

*أستاذ بديع مرحباً بك بداية، الحديث عن ظاهرة التنمر بات يجول في المجتمعات بشكل رهيب، ما هي هذه الظاهرة؟

أهلاً بك، هي ظاهرة سلوكية، في الآونة الأخيرة أصبحت شاسعة الانتشار والظهور، نشأت على الأغلب في عمر صغير لدى الأشخاص المتنمرين، ناجمة عن ضغوطات أثرت على سلوكه وشخصيته، وما يفعله هؤلاء الأشخاص من مضايقة للآخرين وإيذاء نفسياتهم ببعض العبارات الجارحة، يكسبهم القوة وبذلك يشعرون بإحساس التعويض عما افتقدوه، كما أنه من السهل التصدي لها بأخذها بعين الاعتبار وعدم إهمالها، والتنمر هو سلوك عدواني متكرر يقوم به شخص واحد، أو مجموعة أشخاص بترهيب، أو إساءة معاملة، أو إكراه شخص لإيذاء ذلك الشخص جسدياً، أو عاطفياً، وقد يكون التنمر جسدياً، أو لفظياً.

*ما هي أنواع التنمر؟

للتنمر أنواع كثيرة، ولكن سأذكر لك عدة انواع وهي البالغة الانتشار، ومنها التنمر الجسدي هو أوضح نوع للتنمر، وهو يحدث حين يقوم الاشخاص بأفعال جسدية ليكتسبوا القوة، والتحكم بأهدافهم، ويكون المتنمرون الجسديون أكبر، وأقوى، وأكثر عدوانية من غيرهم، ومن أمثلة التنمر الجسدي الركل، والضرب، واللكم، والصفع، والدفع، وكذلك هناك التنمر اللفظي وفيه يستعمل المتنمرون اللفظيون، الكلمات، والعبارات والشتائم للحصول على القوة، والتحكم بأهدافهم، وفي العادة يستخدمون الشتائم للتقليل من شأن الآخرين، وتحقيرهم، وإيذائهم، وهم يختارون أهدافهم حسب طريقة نظرهم أو تصرفاتهم، ومن الشائع كذلك استهداف المتنمرين اللفظيين للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وأيضاً التنمر العاطفي والعدوانية العاطفية وهي نوع مخادع من التنمر غالباً يمر دون ملاحظته من قبل الآباء والمعلمين، وهو نوع تلاعب اجتماعي يحاول فيه المراهقون، والمتنمرون إيذاء أقرانهم، أو تخريب مكانتهم الاجتماعية، اما النوع الاشهر الذي نراه جميعاً هو التنمر الالكتروني حين يستخدم المتنمرون الإنترنت، أو الهاتف الذكي، أو أي تقنية أخرى من أجل مضايقة شخص آخر أو تهديده، أو إحراجه، فهذا يعتبر من التنمر الإلكتروني، وفي حال كان الشخص بالغاً متورطاً فيه، فيسمى بالتحرش الإلكتروني، وفي الغالب يقول المتنمرون الإلكترونيون أشياء لا يجرؤون على قولها وجهاً لوجه، وتشعِرهم التكنولوجيا بأنهم مجهولون، ومعزولون، ومنفصلون عن المواجهة.

*وماذا عن أسباب التنمر؟

أسباب كثيرة سأذكر لك البعض منها، التفكك الأسري، وانشغال الأب والأم عن القيام بدورهم الأساسي في تربية الأبناء وتحسين أو تقويم سلوكهم، واهتمامهم فقط بالجانب المادي وجني الأموال والإدمان على اتباع بعض السلوكيات العدوانية والإصابة بمشكلة اضطراب الشخصية ونقص تقدير الذات، وكذلك الإصابة ببعض الأمراض النفسية والاكتئاب النفسي واتساع الفجوة بين الطبقات في المجتمع من الناحية الاجتماعية والمادية وانتشار الألعاب الإلكترونية التي تشجع على العنف، وتغرس في عقولهم فكرة مهمة وهي أن العنف هو وسيلة أساسية للسيطرة على الآخرين والتحكم بهم، وأيضاً غياب دور المدرسة في تقويم الطلاب وتنشأتهم بطريقة إيجابية، وغياب الأنشطة التي تساعد على تعزيز روح التعاون والانتماء بين الطلاب وغياب الوعي الديني والأخلاقي، وعدم الالتزام بالقواعد الدينية المفروضة، مما يدفع بالشباب إلى عدم مراعاة مشاعر الآخرين والاستهزاء بهم.

*ما هي أعراض التنمر؟

أعراض كثيرة، ومنها تقلب الحالة المزاجية والشعور بالخوف الدائم وعدم الرغبة في الاختلاط مع الآخرين والخروج من المنزل أو الغرفة الخاصة وظهور بعض الكدمات على مناطق متفرقة من الجسم، وكذلك فقدان الشهية إلى الطعام، أو زيادتها، وفقدان القدرة على النوم ورؤية الكوابيس المزعجة، وأيضاً الهروب من الواقع الذي يعيشه والإصابة بالعصبية الشديدة وإهمال كافة الواجبات الحياتية والاحتفاظ ببعض الأدوات الحادة للدفاع عن النفس كالسكاكين مثلاً.

*الأشخاص المتنمرين لماذا يتنمرون؟ أو بصيغة أخرى لماذا يتنمر المتنمر؟

لأسباب كثيرة تختلف من شخص إلى آخر، ولكن يمكن حصرها برغبة في فرض السيطرة على زملائه والتحكم بهم ويرجع هذا لأسباب عدة من ضمنها أن الشخص المتنمر يشعر بالنقص تجاه الشخص الذي يتنمر عليه أو شعور السادية واللذة في رؤية آلام الأخرين الذي يشبعه داخلياً أو إحساس الـأنا العليا لديهم مرتفع أو ربما من باب الفكاهة والسخرية والفراغ.

*كيف تتم مواجهة المتنمر؟ أو كيف يدافع الشخص عن نفسه ضد المتنمر؟

خطوات كثيرة تختلف من حالة إلى حالة وكذلك من شخص إلى آخر وأيضاً حسب نوعية التنمر، ولكن يجب على الشخص فهم عقلية المتنمر، وتعلم السيطرة على غضبه وتعزيز ثقته بنفسه وأن يختار التجاهل أو الحزم وقد يكون التواصل مفيداً في بعض الأحيان واستخدام الاستراتيجيات الهجومية، وكذلك أخبار المتنمر أن عليه التوقف بصوت عالي لإظهار الثقة بالنفس، وتجنب الصراخ أو رفع الصوت حتى لا يشعر المتنمر بسلطته على الشخص وبأنه قادر على إغضابه، وعدم الاستجابة للتنمر على الإنترنت.

*كيف يمكن علاج التنمر؟

تتواجد مجموعة من الطرق العلاجية التي من شأنها تخفيف أعراض التنمر لدى الشخص، مع أهمية استشارة الطبيب أو المعالج النفسي المختص قبل ذلك، ومنها التحدث مع المتنمر ومع الشخص الذي تعرض للتنمر، والتوعية والتثقيف عن التنمر وتعزيز الثقة واحترام الذات، والأهم من ذلك كله هو بناء مجتمع داعم، وتربية الأطفال تربية سليمة وعدم استخدام العنف معهم.

*ختاماً، في ذات الموضوع، كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

من المهم جداً معالجة سلوك التنمر وتقديم الدعم لكل من الضحايا والمتنمر، ومن الضروري جداً معالجة الأسباب التي تسبب التنمر، وكذلك وضع استراتيجيات معينة كالتعليم والثقيف ومشورة الأفراد على تعلم طرائق أكثر إيجابية للتفاعل مع الاخرين وكبح جماح المتنمرين، والتركيز جداً على التثقيف والتوعية ضمن العائلة والمدارس عن مخاطر هذه الظاهرة وضرورة الابتعاد عنها.