لكل السوريين

أسواق طرطوس تغزوها مندوبات المبيعات ببضائع غريبة وقليلة الجودة

طرطوس/ أ ـ ن

يلعب التسويق دورا أساسيا في تنظيم خيارات الإنسان المتعددة، وإذا كان القائم على الترويج والترغيب شخصا مدربا على بيع منتجات ذات جودة متدنية وبسعر أعلى بكثير من التكلفة المحققة للمنتج، فحتما ستكون الأرباح عالية جدا من نصيب صاحب العمل والمندوبات والمندوبين دورهم يكون بالترويج والبيع.

الصبية دعاء وهي سنة ثالثة أدب فرنسي، تحكي قصتها كمندوبة مبيعات وتقول: بدأت مع مجموعة مندوبات لبيع مستحضرات تجميل ذات منشأ مجهول بجودة متدنية صناعيا وحتى صحيا، في مدينة طرطوس، مبينة أن رب العمل يرصد مبلغا يوميا يتراوح بين مليون ونصف إلى المليونين ليرة سورية ثمن هذه المنتجات، التي تكون عبارة عن: علب مزيل تعرق، مستحضرات تجميل، ملطف جو وغيرها من البضائع التي يصعب تصريفها من التجار إما لانتهاء صلاحيتها أو لعدم جودة تصنيعها، وأكدت الصبية مريم طالبة سنة ثانية صيدلة:  أن صاحب العمل يختار لعمله فتيات بأعمار بين 20 إلى 28 وحصرا طالبات جامعيات، يقوم بتوزيع المنتجات ضمن حقائب متضمنة فواتير مزورة بأسعار ضعف كلفتها الحقيقية، مثلا علبة مزيل التعرق تكلفة شراء العلبة الواحدة بسعر الجملة تكون بحدود 2000 ليرة في حين يتم تسعيرها بمبلغ وقدره 18 ألف ليرة، ويلقن الفتيات أساليب لتصريف البضائع على ألا يقل المبيع لكل حقيبة عن 250ألف ليرة يوميا، ثم يقوم بفرز الفتيات ضمن أسواق طرطوس وريفها القريب، لزيارة المحال العقارية حصرا والمحال التجارية مع تجنب زيارة المنازل، واتباع أسلوب الترغيب والربح الوفير، فمن يكن مبيعها من 250 ألف ليرة فما فوق تشارك بنسب المبيع، ولا يكتفي بمرتبها الشهري المقدر بـ 350ألف ليرة.

وتضيف الفتاة هدى وهي طالبة حقوق سنة ثالثة: بحسبة صغيرة وبعدد 10 فتيات للعمل ضمن أسواق طرطوس وأجور النقل من حسابهن الشخصي، وبمنتجات تكلفتها 300ألف ليرة مثلا، تعود كل فتاة على أقل تقدير، وهو نادرا ما يحصل لأن المبيع عادة يكون أكثر والمبلغ أكبر، وبمبلغ وقدره 250ألف ليرة لـ 10 حقائب أي مليونين و500 ألف ليرة يوميا، أي ما يقارب 75 مليون ليرة شهريا، بصافي ربح يقدر بـ 32 مليون ليرة بعد طرح رواتب المندوبات بمعدل 10ملايين و500 ألف ليرة، و7ملايين و500الف ليرة ثمن بضائع.

الشابة فاطمة طالبة سنة ثانية هندسة زراعية، أوضحت: عن مخاطر هذه التجارة المرتبطة أولا بأخلاقيات العمل فيها التي لا يهم رب العمل سوى تحقيق أكبر قدر من المبيعات بغض النظر عن الأساليب، والأهم منها هو الحقائب المختومة التي توزع على التجار من دون احتسابها ضمن المبيع اليومي أو حتى الكشف عما بداخلها من المندوبة نفسها، فتلعب هي دور الوسيط بإيصال الحقيبة واستلام ثمنها، إضافة لحقيبة المستحضرات المسؤولة عن بيعها باليوم نفسه، وبينت أن كثيرا من الفتيات يعتمدن أساليب الاحتيال في المبيع لضمان حصول الفتاة على مرتبها آخر الشهر أو أن تدفع هي ثمن المنتجات الموجودة في الحقيبة.

الصبية شيماء سنة ثالثة هندسة مدنية، قالت: فعليا بعد العمل مدة 6 أشهر بهذا المجال فضلت الانفراد وحدي بالعمل وتوفير الربح الشهري المقدر بـ 40 مليون ليرة، بدل مقاسمته مع زميلات بالعمل بعد اكتساب خبرة المبيع ودراسة حال السوق، فذهابي للمنطقة الصناعية يضمن مبيع 30 حقيبة يوميا وللمنتجات نفسها.

المحامية أمل بينت لنا: أن غياب البيانات الخاصة بسوق العمل، والبيانات الموجودة في مديرية الشؤون بطرطوس تعود للمستفيدين الذين يقصدونها للتدريب والتمكين ومن منهم فاز بفرصة عمل ضمن متابعة المديرية لهم في سوقهم الوظيفي، مبينة أن المديرية في صدد تجاوز هذه المشكلة عبر بناء منصة إلكترونية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وستكون هذه المنصة قيد العمل خلال الصيف المقبل، وأوضحت أن هذه المنصة ستكون عبارة عن نظام معلومات، لنتمكن من رصد مؤشرات حقيقة بما يخص سوق العمل ووضع العمالة في طرطوس بشكل عام، وعليه لغاية تاريخه لا يوجد أي بيانات معتمدة حقيقية تبنى عليها قرارات وإجراءات تخص سوق العمل بشكل عام والعمالة بشكل خاص.

وأضاف المحامي أنس: إلى أن اقتصاد الظل موضوع شائك وبعيد عن كل إحصائية، فضلا عن تقاعس معظم قطاعاته بتقديم بيانات حقيقة عن العمالة بدافع التهرب الضريبي على سبيل المثال، ولقياس فائدة أو مضار العمل ضمن هذا الاقتصاد رغم فوائده بتوفير فرص عمل لا يستهان بها، يجب علينا العودة للمنظور الثقافي لكل منطقة تنتشر بها هذه القطاعات بالنسبة لحماية العمال أو ضمان حقوقهم خاصة موضوع عمالة الإناث، فهناك أماكن تمثل جدارا صعب الاختراق لعمل الأنثى وبالتالي مدى تعرضها سواء للتحرش أم أي انتهاك يكون مباحا وسهلا، رغم مدى جدوى عمل الإناث في تأمين ريع ربحي وفير، لكن لا تملك أي صك تشريعي يضمن حمايتها ضمن مجال العمل أو بالمجال الشخصي، وهو ما تلجأ له معظم هذه القطاعات لتخفيض رواتب موظفيها أو غياب سجلهم التأميني وكلها تصب في مجرى التهرب الضريبي.

السيدة نهى مدرسة في كلية الاقتصاد بجامعة طرطوس قالت: أنه ورغم إيجابيات اقتصاد الظل في توفير فرص عمل ودخل مناسب للفئة العاملة، إلا أن هذا العمل مرفوض اجتماعيا واقتصاديا وحتى قانونيا، لأنه مهما شغل أيدي عاملة فكوارثه أكثر بكثير تبدأ من بيع منتجات منتهية الصلاحية أو غير مطابقة للمواصفات الصحية، انتقالا إلى الجندرة باستغلال حاجة الإناث ضمن سن معين بطرق غير مشروعة لضمان بيع أكثر من دون اعتبار لما قد تتعرض له هذه الفتيات خلال ساعات العمل من مخاطر ومن دون وجود حماية قانونية لهن لعدم وجود سجل تأميني لهن، إضافة لساعات العمل الطويلة والمخالفة لشروط قانون العمل، وأضافت: للأسف عملية البيع لدينا مقرونة بالفتيات، وقدرتهن على البيع وتصريف البضائع بغض النظر عن جودتها، وهو جرم بحد ذاته متعلق بسوء الجودة وما قد يسببه لمستهلك، وأرجعت السبب في انتشار هذه الشركات لضعف الرقابة في ضبط عملها، خاصة بعدد المخالفات المرتبطة بها من بيع مواد منتهية الصلاحية، إلى تجاوز قانون العمل في استغلال الإناث لضمان البيع، ولا مبرر لبقائها.

وأكدت المحامية سلاف: أنه أولا حتى يكون مندوب المبيعات محميا قانونيا، يجب ربط هذا العمل بشركة أو متجر، وهذه الشركة يجب أن تكون مرخصة وفق القانون، وبينت أن هناك الكثير من فرص العمل هذه يتم التقدم لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أغلبها مزورة ووهمية وغالبا تقود لقصص أخرى، ويجب على الموظفة الراغبة بالعمل مندوبة مبيعات التأكد من ترخيص الشركة ومن سجلها التجاري ورقمها التأميني، ويجب على كل شركة تحوي قسم تسويق ومبيعات أن تتضمن قسما تدرب فيه موظفيها على إجراءات الحماية والسلامة وهو فعليا غائب في طرطوس، وأي فتاة تتعرض للاحتيال من قبل هذه الشركات تستطيع تنظيم شكوى قانونية وفق معروض يقدم للنائب العام، تضم عدة أبواب أهمها التهرب الضريبي والتهرب الجمركي وانتحال شخصية اعتبارية فضلا عن الاحتيال والتحرش.