لكل السوريين

دور منظمات المجتمع المدني السورية في مكافحة ‌الإرهاب -1-

بتصرف وإعداد الرفيقة أنعام إبراهيم نيوف

يمثل  الإرهاب تهديدا خطيرا على أمن وحياة البشر وحضارتهم, لأنه غير منضبط بقانون أو قيم أو اخلاق, يتسم بالعنف والاستخدام غير المشروع للقوة والبطش, وهو جريمة اعتداء مباشر على منظومة حقوق الإنسان, وفي مقدمتها الحق في الحياة لما ينطوي عليه الإرهاب من قتل عشوائي, وكذلك الاعتداء على الحق في سلامة الجسد وحرية الرأي والتعبير معا بما ينطوي عليه الإرهاب من إشاعة الخوف والرعب, إضافة إلى أن الإرهاب يكتسح  العديد من الحقوق والحريات الأخرى كالحق في التملك والتنقل والسكن والثقافة والتعليم وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

وفي الزمن المعاصر تطور وانتقل مفهوم الإرهاب من المجال الاجتماعي والسياسي ليشمل مجالات حديثة مثل: الفكرية والتكنولوجية والعلمية والثقافية، ودون الاقتصار على العنف المادي الملموس بل على الجانب المعنوي والفكري، واستفاد الإرهاب من: التطور التكنولوجي والإعلامي والتطور الذي طرأ على صناعة الأسلحة والذخيرة ووسائل التفجير، في تطوير الوسائل التي يستخدمها عند مزاولته لنشاطه، كما ظهرت جرائم مستحدثة عرفت بجرائم الحاسوب والأنترنت.

إن تعريف الإرهاب استنادا إلى الفكر القانوني هو: ‘الاستخدام المنظم للعنف لتحقيق هدف سياسي وبصفة خاصة جميع أعمال العنف التي تقوم منظمة سياسية بممارستها على المواطنين لخلق جو من عدم الأمن وهو ينطوي على طوائف متعددة من الأعمال منها: أخذ الرهائن واختطاف الأشخاص وقتلهم ووضع متفجرات أو عبوات ناسفة في أماكن تجمع المدنيين أو وسائل النقل العامة والتخريب وتغيير مسار الطائرات بالقوة.

أما الفهم السياسي المتداول عن الإرهاب هو: استخدام أو التهديد باستخدام عنف غير عادي وغير مألوف لتحقيق غايات سياسية، وأفعال الإرهاب عادة ما تكون رمزية لتحقيق أثر نفسي أكثر منه مادي, وأن هذا العنف منظم ومتصل بقصد خلق حالة من التهديد الموجه إلي دولة أو جماعة سياسية ترتكبه جماعة سياسية منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية, علما أن أصحاب هذا التوجه يشيرون إلى أن الإرهاب مفهوم تجريدي بدون جوهر, ومعناه مستمد من الضحية المستهدفة, ولا يكفي تعريف واحد لحصر جميع استخدامات هذا المفهوم, لكن العديد من التعريفات المختلفة تؤكد على وجود عناصر وخصائص مشتركة تميز مفهوم الإرهاب عن غيره ,وهي:

العنف أو التهديد بالعنف، الأثر النفسي الذي يحدثه العمل الإرهابي وهو الرعب والفزع، التنظيم المتصل بالعنف،

الهدف السياسي للإرهاب.

إن الإرهاب يعد بديلا للاستخدام العادي للقوة العسكرية في الصراع، هو سلوك يهدف إلى التأثير على موقف أو سلوك مجموعة مستهدفة أوسع من الضحايا المباشرين، وتكون الآثار النفسية للعمل الإرهابي أكبر من الآثار المادية.

عدم وجود احترام أو تقدير لمرتكبي هذه الأعمال.

يعتبر الإرهاب جريمة جنائية منظمة, لأنه يستوفي شروطها وخصائصها, فالجريمة المنظمة تقوم على تنظيم مؤسسي ثابت، وهذا التنظيم له بناء هرمي ومستويات للقيادة وقاعدة للتنفيذ، وأدوار ومهام ثابتة، وفرص للترقي في إطار التنظيم الوظيفي، ودستور داخلي صارم يضمن الولاء، والنظام داخل التنظيم، والأهم من ذلك كله الاستمرارية وعدم التوقف أو العرضية، وإنما تظل المنظمة قائمة ما دامت تحقق نجاحاً، ولم تفلح أجهزة الأمن أو منظمة منافسة في القضاء عليها، كما تنحصر عناصر الجريمة المنظمة في جماعة مستمرة من الأشخاص، والإرادة المتعمدة للإفساد، واستخدام الإجرام والعنف، والحصول على المكاسب المالية والسطوة.

وإن خصائص جرائم الإرهاب تنطبق على خصائص الجريمة المنظمة، لما تشكله هذه الظاهرة من خطر عظيم على المجتمع بما تخلفه من آثار خطيرة ومحدقة بالأمن وتدمير للممتلكات وانتهاك للحرمات وتدنيس للمقدسات وقتل وخطف للمدنيين الآمنين وتهديد لحياة الكثير من المواطنين الأبرياء، وما تخلقه هذه الظاهرة  في أوساط المجتمع الدولي من اهتزاز وإرباك عام سواء في صورته المحلية أو الإقليمية أو الدولية، إضافة للبواعث على ارتكابها سواء كانت سياسية أم إيديولوجية أم اقتصادية، وعلى القصد الجنائي الذي ينبني عليه الركن المعنوي للجريمة، وإن وصف الإرهاب بالجريمة الدولية من خلال المحددات الآتية:

إن الإرهاب ظاهرة إجرامية وسلوك منحرف عن قواعد السلوك الاجتماعي السائدة في المجتمع، ذلك أن السلوك الإجرامي ينتج عن تضافر عوامل عديدة وتشابك قوى فاعلة ومتنوعة تحركه وتحدد تكوينه وهيئته وظهوره.

إن جريمة الإرهاب هي جريمة منظمة وقد أصبحت في الوقت الراهن ظاهرة عالمية، أي لا ترتبط بمنطقة أو بثقافة أو بمجتمع أو بجماعات دينية أو عرقية معينة، ولكن ترتبط بعوامل اجتماعية وثقافية ونفسية وسياسية وتكنولوجية أفرزتها التطورات السريعة المتلاحقة في العصر الحديث.

يكتسب الإرهاب الصفة الدولية لعدة أسباب هي:

اختلاف جنسية الضحايا.

اختلاف جنسية الجناة.

اختلاف جنسية المكان (أي أن يتم الإعداد في دولة ما، ثم يتم التنفيذ في دولة أخرى).

وقوعه على الأشخاص المتمتعين بالحماية الدولية والدبلوماسية.

وقوعه على المصالح الدولية الأساسية المحمية من قبل المجتمع الدولي.

أن الصفة الدولية تتوافر في الإرهاب إذا كان عنصر أو أكثر من عناصره يمس أو يتعلق بأكثر من دولة، سواء في التحضير للجريمة أو تنفيذها أو الوسائل المستخدمة أو الفاعلين أو الضحايا أو الآثار المترتبة عليها، فالإرهاب يصبح دوليا:

عند إثارته اضطرابات في العلاقات الدولية.

عندما يوجه ضد دولة أخرى.

متى كان مرتكبيه لاجئين في الخارج.

متى كان الإعداد للجريمة قد تم في دولة أخرى

فالإرهاب الدولي هو عمل يعرض للخطر أرواحا بشرية بريئة، أو يؤدي بها إلى تهديد الحريات الأساسية، وقد سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مناسبات عديدة إدانتها لجميع أعمال وأساليب وممارسات الإرهاب، بوصفها أعمالاً إجرامية، أينما وجدت وأياً كان مرتكبيها، بما في ذلك, تلك التي تهدد العلاقات الودية بين الدول وتهدد أمنها وطلبت إلى كل الدول الوفاء بالتزاماتها التي يفرضها عليها القانون الدولي بالامتناع عن تنظيم الأعمال الإرهابية في دول أخرى أو التحريض عليها أو المساعدة على ارتكابها أو المشاركة فيها، أو التغاضي عن أنشطة تنظم داخل أراضيها بغرض ارتكاب أعمال من هذا القبيل.

أن الممارسات الإرهابية – أيا كانت صورتها – تتعارض مع القوانين الداخلية ومبادئ وأحكام القانون الدولي، فهي من ناحية تهدد النظام الداخلي وتزعزع استقراره ومن ناحية أخرى تنطوي على خرق للنظام الدولي ومساس بالصالح العام للمجتمع الدولي، وهذا أيضاً هو شأن الجريمة الدولية التي تحدث هذا الأثر على المستويين الدولي والوطني، والأبعاد التي اتخذها الإرهاب حديثاً – وخاصة الدولية – تزيد من تقاربه مع الجريمة الدولية، فقد أصبح الإرهاب الدولي هو الصورة الغالبة للممارسات الإرهابية، كما أصبح يمثل حرباً غير معلنة تلجأ إليه الدول على اختلاف أشكالها وأيديولوجياتها كوسيلة بديلة للصراع أقل تكلفة من الحرب التقليدية.

واستنادا للقانون الدولي، يعد الإرهاب جريمة دولية كونه يتسبب في المساس بحقٍ أساسي وجوهري من حقوق الإنسان، فالجريمة التي ترتكب بحق الإنسانية في القانون الدولي هـي الجرائم التي تتمثل في انتهاك حقوق الإنسان، والتي تعرف اليوم بحقوق الجيل الأول، الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966م، لآنها حقوق أساسية لا يمكن التـنازل عنها ولا يسمح بالانتقاص من قدرها.

بناء على ما سبق، بالضرورة تصبح مسؤولية مكافحة الارهاب، مسؤولية جماعية لا تقتصر على الأنظمة وإنما تشمل مختلف فعاليات المجتمع، التي يتطلب منها العمل الجاد والمضنى في إطار بوتقة واحدة هدفها الأول والأخير القضاء على هذه الجريمة الفتاكة، أو على الأقل الحد من تداعياتها وتأثيراتها السلبية.

إن منظمات المجتمع المدني تقوم بأدوار هامة  في شتى مجالات الحياة وخصوصا ذات الصلة بأمور الوطن والمواطنة والمصلحة الوطنية، فهي تساهم في تعزيز الأمن والاستقرار وأجواء التسامح والسلم الأهلي في المجتمع, فهي تنشط في المجتمع وتناضل من أجل تثبيت المناخات الآمنة, حيث يزدهر نشاطها وفعالياتها بسيادة  واستمرارية الأمن والأمان, وهذا ما يفترض تعزيز كافة الجهود الحكومية وغير الحكومية في مكافحة الإرهاب ,وذلك من خلال وجود منظمات مجتمع مدني تمتلك استراتيجيات واضحة وبرامج منتظمة تهتم بمحاربة الإرهاب والفكر المتطرف, وتعزز الوعي الكافي في أوساط المجتمع إزاء مختلف القضايا وعلى رأسها الحفاظ على السلم الاجتماعي ومكافحة التطرف والإرهاب, على أن تشارك في هذه البرامج كل الفعاليات المجتمعية في جميع المناطق والمدن والأرياف.