لكل السوريين

في يومه الدولي.. انتشار التطرف العنيف يؤدي إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة

حاوره/ مجد محمد

تعد مشكلة التطرف من أكثر المشكلات التي تواجه المجتمعات في مختلف بلدان العالم، مهما كانت ديانة البلد أو تركيبته الاجتماعية، فينعكس هذا على النسيج الاجتماعي للبلد ويؤثر بشكل قوي وسلبي على العلاقات الإنسانية والاجتماعية والسلوكية بين فئات وطوائف المجتمع الواحد والمجتمعات المتعددة، وتم تحديد يوم ١٢ من شهر شباط/فبراير من كل عام يوماً دولياً لمنع التطرف من أجل التوعية بالتهديدات المرتبطة بالتطرف وتعزيز التعاون الدولي في هذا الصدد

وفي هذا الشأن، وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ ماهر الغريب الحاصل على إجازة في الفلسفة، ودار الحوار التالي:

*أستاذ ماهر مرحباً بك بداية، التطرف بات محور العالم في الفترة الأخيرة، بلمحة بسيطة ما هو؟

أهلا بك، التطرف هو رفض أي معتقدات ثقافية، أو دينية، أو فكرية تخالف أفكار ومنهج الشخص المتطرف، نحو مختلف القضايا في المجتمع، ويكمن التطرف في مخالفة الأفراد المتطرفة للقواعد، والقيم، والأساليب الفكرية والسلوكية المتعارف عليها بين أفراد المجتمع، ويعبر المتطرف عن أفكاره بطريقة عدائية، قد تصل إلى استخدام العنف، للدفاع عن هذه الأفكار الخارجة عن الوسطية والاعتدال، وهو ليس محصور بنوع معين فالتطرف قد يكون فكرياً أو سياسياً أو دينياً أو حتى اجتماعياً أو أنواع أخرى غيرها.

* إذاً منذ البداية، ما هو التطرف الفكري، وما أبرز أسبابه؟

تعلق الفرد وتمسكه بأفكار ومعتقدات اتجاه المواضيع السياسية، أو الدينية، أو الثقافية، أو الاجتماعية، وينتج فكراً في عقله بأن ما ينتهجه من معتقدات هي حقيقة مطلقة وصحيحة، مما ينشئ فجوة بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه، ويدفعه إلى فرض رأيه على الأفراد، ويحاول أن يقنعهم بمنهجيته، أما أسبابه كثيرة، فقد تكون اليأس والفراغ الذي يعيشه الشباب في بعض المجتمعات، وعدم معرفتهم بالقيم العليا، وعدم معرفة طبيعة المجتمعات، وطرق التعامل مع المنظومة التربوية، والإصلاح، وكذلك الظروف المعيشية الصعبة، وافتقار الأفراد للابتكار والإبداع في سبيل تحسين المجتمع ونموه.

*والتطرف الديني ماذا عنه؟

التطرف الديني هو أن يخرج الشخص المتطرف عن مبدأ الوسطية فيما يتعلق بفهمه للدين، ويؤدي ذلك إلى الانعكاس سلباً على سلوكياته، ويكون المتطرف منحازاً لمعتقدات ونصوص دينية، تخالف النصوص الدينية الأصلية في الدين، وكذلك أيضاً له أسباب كثيرة، فقد تكون الفهم الخاطئ للدين، وعدم الإلمام به، واللجوء لنصوص ومرجعيات دينية غير موثوقة،  وعدم مواكبة الدراسات الفقهية للتطور العصري، واعتمادها على الاجتهادات القديمة، وكذلك وجود مشكلة البطالة والفقر، التي تقود الشباب بسبب الفراغ الذي يعيشونه إلى التطرف في الفكر.

*وسبب خراب أغلبية الدول التطرف السياسي ماذا عنه وما هي أسبابه؟

أبرز الأسباب التي تؤدي للتطرف السياسي هي انعدام حقوق الأفراد في المشاركة السياسية، وعدم احترام حريات الرأي، وأيضاً عدم تطابق المواثيق الدولية السياسية مع ما يحصل على أرض الواقع، وهذا جميعه يؤدي إلى انتهاج الأفراد المتطرفين موقف ومنهج سياسي محدد، رافضين أي مجال للحوار أو النقد، والتعصب نحو المبادئ السياسية التي يضعونها، ظناً منهم أن حزبهم يمتلك الحقيقة الصحيحة المطلقة، مما يدفعهم إلى عدم احترام قوانين الدولة والمجتمع، ورفض تطبيقها.

*ذكرت لي إنه يوجد تطرف اجتماعي، لا أظنه تطرف بالمعنى الكبير، ما رأيك؟

نعم كما ذكرت في سؤالك، نعم إنه تطرف معتمد في العالم، ولكنه ليس ذو تأثير كبير مثل أنواع التطرف التي تحدثنا عنها، فالتطرف الاجتماعي يحدث عندما يبدأ عقل الفرد بالركود والانغلاق، وعدم الرغبة في التطور والإبداع ومواكبة التكنولوجيا، في ظل التغيير السريع الذي يحدث في العالم، مما يؤثر سلبا على تطور المجتمع وازدهاره، وحتى استمرارية بقائه، وهو انحراف الفرد عن الأعراف والسلوكيات الاجتماعية السائدة في المجتمع، وهذا أيضاً له أسباب تتمثل في عدم شعور الفرد بالعدل والمساواة، من حيث طريقة التعامل مع طبقات المجتمع، وخلل الأنظمة الاجتماعية وانعدام دورها في توجيه الشباب، خاصة في سن المراهقة، وكذلك غياب دور الرقابة الأسرية على الأبناء، فيما يبث ويعرض من مواضيع بكافة المجالات، على وسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت، فكما ذكرت لك انه ليس تطرف بارز لأنه غير محسوس وليس له تأثيرات إعلامية، فالغالبية العظمى تعتبر التطرف فقط هو ما يؤدي إلى الحرب في العالم لأنه هذا ما يتركز تأثيره بعقولنا ويأخذ الزخم الأكبر في الإعلام.

*عندما نسمع بكلمة تطرف، فوراً ما يتبادر إلى ذهننا الإرهاب، هل هم متلازمين دائماً؟

أعتقد لا يوجد الكثير من التداخل بينهما، فالإرهاب نوع من العنف السياسي، حيث يتضمن الاستهداف العمدي للمدنيين ويميز بين الضحايا المباشرين والجمهور الذي يود أن يؤثر عليه، بينما التطرف هو تبني أو التمسك بأفكار أو أيديولوجيات أو معتقدات متشددة، يتواجد تداخل بينهما فقط حينما نحلل أيديولوجية وسيكولوجية أو نفسية الإرهابيين أنفسهم، فحينما نتحدث عن الإرهاب، نحن نتحدث عن الإرهابي ولم قد يقدم على ارتكاب مثل هذه الأعمال الإرهابية، فكان الإرهاب قديماً مرتبطاً بالتطرف لأنه كان يتضمن الاستهداف المباشر للمدنيين، قد يرى الأفراد أن الإرهاب هو السبيل الوحيد لإحداث تغيير، وبالتالي يتقبلون قتل المدنيين، وقد يعود ذلك لاعتناقهم أفكار متشددة عن حق تقرير المصير، أو الدين، أو غير ذلك.

*إذاً ما هي الإجراءات للوقاية من التطرف الذي يؤدي إلى الإرهاب؟

بالبداية يجب تحديد العوامل المساهمة في انتشار التطرف والعمل على معالجتها والتصدي لعمليات استقطاب الأشخاص بغرض ارتكاب أعمال إرهابية، ومنع بالقانون لكل تحريض على ارتكاب أعمال إرهابية دون المس من حرية الرأي والتعبير وتكريس ثقافة الحوار وتطوير المقاربات التربوية للتحصين من التطرف، وكذلك  معالجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية التي تغذي ظاهرة الإرهاب من خلال ضبط الخيارات السياسية والاقتصادية الناجعة لفائدة الفئات الهشة التي تشكل أرضية خصبة للاستقطاب والتطرف، ونشر مبادئ التربية الشاملة وتعميم ثقافة التسامح والتنوع وقبول الآخر وتطوير خطاب ديني معتدل ومتسامح، وتوفير الإحاطة النفسية والاجتماعية بالأشخاص الذين تضرروا أو تأثروا من عمليات إرهابية، وأيضاً التوقي من التطرف داخل السجون ودور العبادة مع احترام مبادئ حقوق الإنسان، والعمل على أن تلتزم الطبقة السياسية ومكونات المجتمع المدني بالتخلي عن أي خطاب يبرر الأعمال الإرهابية.

*أخيراً، كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

أحب أن أضيف شيئاً أخيراً، وهو أهمية دور الإعلام في مكافحة التطور، فالإعلام مهم جداً وهو يدخل منزل الجميع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز والإذاعات وغيرها، فيجب من الإعلام التركيز أكثر في هذا الموضوع والعمل على نشر مكافحته على نطاق أوسع من خلال جميع الوسائل المتاحة.